الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 27 حزيران 2021، موعظة الأحد الثالث عشر من الزمن العادي

2021-Jun-27 | عظات | 637

حك 1، 13-15؛ 2، 23-24  2 قور 8، 9-15   مر 5، 21-43

 

«ورجَعَ يسوعُ في السَّفينَةِ إِلى الشَّاطِئِ المُقابِل، فازدَحَمَ علَيه جَمعٌ كثير، وهو على شاطِئِ البَحْر. فجاءَ أَحَدُ رُؤَساءِ المَجْمَعِ اسمُه يائِيرس. فلَمَّا رآهُ ارتَمى على قَدَميْه، وسأَلَه مُلِحّاً قال: "اِبنَتي الصَّغيرةُ مُشرِفَةٌ على المَوت. فتَعالَ وضَعْ يَدَيكَ علَيها لِتَبرَأَ وتَحيا". فذَهبَ معَه وتَبِعَه جَمْعٌ كثيرٌ يَزحَمُه. وكانت هُناكَ امرأَةٌ مَنزوفَةٌ مُنذُ اثنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَة، قد عانَت كثيراً مِن أَطِبَّاءَ كَثيرين، وأَنفَقَت كُلَّ ما عِندَها فلَم تَستَفِدْ شَيئاً، بل صارت مِن سَيِّئٍ إِلى أَسوَأ. فلمَّا سَمِعَت بِأَخبارِ يسوع، جاءت بَينَ الجَمعِ مِن خَلْفُ ولَمَسَت رِداءه، لأَنَّها قالت في نَفسِها: "إِن لَمَسْتُ ولَو ثِيابَه بَرِئْتُ". فجَفَّ مَسيلُ دَمِها لِوَقتِه، وأَحَسَّت في جِسمِها أَنَّها بَرِئَت مِن عِلَّتِها. وشَعَرَ يسوعُ لِوَقْتِه بِالقُوَّةِ الَّتي خَرجَت مِنه، فالتَفَتَ إِلى الجَمعِ وقال: "مَن لَمَسَ ثِيابي ؟" فقالَ له تَلاميذُه: "تَرى الجَمْع يَزحَمُكَ وتقول: مَن لَمَسَني ؟" فأَجالَ طَرْفَه لِيَرَى الَّتي فَعَلَت ذلك. فخافَتِ المَرأَةُ وارتَجَفَت لِعِلمِها بِما حدَثَ لَها، فَجاءت وارتَمَت على قَدَمَيه واعتَرفَت بالحَقيقَةِ كُلِّها. فقالَ لها: "يا ابنَتي، إِيمانُكِ خَلَّصَكِ، فَاذهَبي بِسَلام، وتَعافَي مِن عِلَّتِكِ". وبَينَما هُو يَتَكَلَّم، وَصَلَ أُناسٌ مِن عِندِ رئيسِ المَجمَعِ يقولون: "اِبنَتُكَ ماتَت فلِمَ تُزعِجُ المُعَلِّم ؟" فلَم يُبالِ يسوعُ بهذا الكَلام، بل قالَ لِرئيسِ المَجمَع: "لا تَخَفْ، آمِنْ فحَسْبُ". ولَم يَدَعْ أَحَداً يَصحَبُهُ إِلاَّ بُطرُسَ ويعقوبَ ويوحَنَّا أَخا يَعقوب. ولَمَّا وَصَلوا إِلى رئيسِ المَجمَع، شَهِدَ ضَجيجاً وأُناساً يَبكونَ ويُعْوِلون. فدَخلَ وقالَ لَهم: "لِماذا تَضِجُّونَ وتَبكون ؟ لم تَمُتِ الصَّبِيَّة، وإِنَّما هيَ نائمة"، فَضَحِكوا مِنهُ. أَمَّا هو فأَخرَجَهم جَميعاً وسارَ بِأَبي الصَّبيَّةِ وأُمِّها والَّذينَ كانوا معَه ودخَلَ إِلى حَيثُ كانَتِ الصَّبيَّة. فأَخَذَ بِيَدِ الصَّبِيَّةِ وقالَ لها: "طَليتا قوم !" أَي: يا صَبِيَّة أَقولُ لكِ: قومي. فقامَتِ الصَّبيَّةُ لِوَقتِها وأَخَذَت تَمْشي، وكانتِ ابنَةَ اثنَتَي عَشْرَةَ سَنَة. فَدَهِشوا أَشَدَّ الدَّهَش، فَأَوصاهم مُشَدِّداً علَيهِم أَلاَّ يَعلَمَ أَحَدٌ بذلك، وأَمَرَهُم أَن يُطعِموها.»

 

الموعظة

أحياناً، في بداية يومنا نضع جدول لما سنقوم به، برنامج صغير. وبعد ذلك تقرر الظروف خلاف ذلك، لم يحدث شيء كما خططنا، والأحداث غير المتوقعة تعطل مشاريعنا. هذه هي تجربة يسوع في إنجيل اليوم. هذه الرواية موجود لدى متى ومرقس ولوقا. لكن، لوقا هو من يعطينا أكثر التفاصيل التي تسمح لنا بالغوص في رسالة النص.

قبل أن نرى عن كثب ما يحدث في هذه الرواية، لنلقي نظرة على شخصياتها.

رئيس المجمع: اسمه يائير. إنه ليس زعيمًا روحيًا مثل الحاخام، لكنه من الوجهاء: تم اختياره من قبل الجماعة ليكون مسؤولاً عن الإدارة المادية لممتلكات المجمع وليترأس الاجتماعات؛ يشهد منزله الفسيح والعديد من الخدم على مكانته في الحياة المحلية.

المرأة مريضة: على خلاف يائير، تعيش على هامش المجتمع، لأن مرضها جعلها نجسة. بحسب التوراة، المرأة النازفة هي نجسة ومن يلمسها يصبح بدوره نجساً. في السياق الكتابي، النجاسة معدية. وبالتالي، هذه المرأة مقصيه من الحياة الاجتماعية منذ اثني عشر سنة بسبب مرضها. فلكي تُنهي هذا الوضع، نبحث المرأة عن الشفاء بالقرب من الأطباء ولكن بدون جدوى. والنص يقول إنها أنفقت كل ما لديها على ذلك. وبدلاً من أن تتحسن حالتها، أصبحت أسواء مما كانت عليه. فمحكوم عليها إذن أن تبقى خارج الحياة الاجتماعية والدينية.

نحن إذن أمام رجل وامرأة، أحد وجهاء المدينة، وامرأة مُستبعدة تبقى مجهولة. ظاهرياً

لا شيء مشترك بينهما. ومع ذلك، عندما ننظر عن كثب، نكتشف أن لديهم على الأقل ثلاثة نقاط مشتركة:

النقطة الأولى المشتركة، هي الرقم الرمزي، 12، الذي يربطهما ببعض: ابنة رئيس المجمع تبلغ من العمر اثني عشر عامًا والمرأة المريضة أيضًا في هذه الحالة لمدة اثني عشر عامًا. النقطة الثانية المشتركة، كلاهما يُظهر جرأة كبيرة، وجرأة ستكافأ: لا يُتوقع من رئيس مجمع أن يلجأ إلى معالج، إلى شافي، ومع ذلك هذا ما يفعله؛ ولا نتوقع من امرأة نجسة أن تتحدى كل المحرمات باقتحامها للجمهور وبلمس رجل، علاوة على أنه معلم، ومع ذلك فهي تفعل ذلك.

النقطة المشتركة الثالثة، والأهم بلا شك، رئيس المجمع والمرأة النازفة قطعا، أوقفا المسار الطبيعي للأحداث: رئيس المجمع يجعل يسوع يسلك طريقًا لم يخطط له ويجعله يأتي إلى المنزل من أجل شفاء ابنته، والمرأة تجعله يقف في طريقه عندما تلمس ثوبه ولديه انطباع أن قوة خرجت منه دون علمه؛ إن إيمان هاتين الشخصيتين هو الذي يسبب سلسلة الانقطاعات هذه. نعم، هاتين الشخصيتين تقاطعان المسار الطبيعي للأحداث. لقد تمت مقاطعة يسوع عدة مرات، وهو يخضع للمفاجئات. لكنه بعيد عن كل جمود: فهو يتمتع بمرونة لا نعرفها.

في الحقيقة، هذه القصة عبارة عن سلسلة من الانقطاعات. وبعد كل الانقطاعات التي تحدثنا عنها، لا يزال هناك انقطاع آخر، درامي: الموت الذي يأتي ليقطع حياة هذه الفتاة الصغيرة قبل الساعة؛ لقد ماتت ابنتك! حكم مثقل بالعواقب الذي أعلنه خدم يائير. من انقطاع إلى انقطاع، نصل إلى هذا الانقطاع النهائي والأخير، ويمكن أن تنتهي القصة عند هذا الحد. لكنها لا تتوقف عنده، لأن النص لم يقل كلمته الأخيرة.

 حتى هذه اللحظة، لم يكن يسوع متحكمًا في جدوله الزمني، كل هذه الانقطاعات التي لم يكن يريدها، قبلها بحرية وتحملها. لكن هناك منعطف أخير، وقاطعًا بقوة، هذه المرَّة، يسوع هو المحرض، هو من يمارس الانقطاع: في النهاية، الموت نفسه ينقطع، وتقطعه الحياة، التي تستعيد حقوقها.

يأتي يسوع ليقطع عملية الموت التي كانت قد بدأت بالفعل في تدمير جسد هذه الفتاة الصغيرة. فنص إنجيل اليوم هو في الحقيقة ليس سوى قصة قيامة. يكلمنا عن الحياة والقيامة. هذا ما يؤكده النص، عندما يقول بان الفتاة نهضت. الفعل المستعمل باليونانية هو الذي استخدمته الكنيسة الأولى للتحدث عن القيامة.

يوضح لنا النص بأن إعلان القيامة هو للجميع: إنه ليائيرس، هذا الإنسان البارز في مجتمعه، وهو أيضًا لهذه المرأة المستبعدة والمحتقرة التي لم يتذكر التاريخ اسمها حتى. فالإنجيلي يريدنا أن نفهم بهذه الطريقة أن هذا الإعلان هو لكل واحد منا، أيَّاً كنا.

ثم يوضح بأن هذا الإعلان يأتي عندما يكون يتم الوقت أو الزمن. وهذا ما يؤكده الرقم اثني عشر، وهو رمز البلوغ والامتلاء في الكتاب المقدس «ولما بلغ ملء الزمن أرسل الله ابنه مولوداً لامرأة، مولوداً في حكم الشريعة» (غل 4،4): كانت الفتاة في الثانية عشرة عندما قامت، والمرأة كانت مريضة لمدة اثني عشر عامًا قبل أن تتعافى.

لقد تم الزمن لسماع بشرى القيامة. والإنجيلي يخبرنا أن الوقت قد حان للإيمان بهذا الإعلان. ولا يزال هذا صحيحًا حتى اليوم لكل واحد منا، انحن من نعيش بعد هذه الرواية الإنجيلية بألفي عام. 

 

SHARE