الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 29 آب 2021، موعظة الأحد الثاني والعشرين من الزمن العادي

2021-Aug-29 | عظات | 437

تث 4، 1- 8      يع 1، 17 – 27       مر 7، 1- 23

 

«واجتَمَعَ لَدَيه الفِرِّيسِيُّونَ وبَعضُ الكَتَبَةِ الآتينَ مِن أُورَشَليم، فرَأَوا بعضَ تَلاميذِهِ يَتناوَلونَ الطَّعامَ بِأَيدٍ نَجِسَة، أَيْ غَيرِ مَغْسولة لأَنَّ الفِرِّيسِيِّينَ واليهودَ عامَّةً لا يَأكُلونَ إِلاَّ بَعدَ أَن يَغسِلوا أَيدِيَهُم حتَّى المِرفَق، تَمَسُّكاً بِسُنَّةِ الشُّيوخ وإذا رجَعوا مِنَ السُّوق، لا يَأكُلونَ إِلاَّ بَعدَ أَن يَغتَسِلوا بِإِتْقان. وهُناكَ أَشياءُ أُخرى كَثيرةٌ مِنَ السُّنَّةِ يَتمسَّكونَ بها، كَغَسْلِ الكُؤُوسِ والجِرارِ وآنِيَةِ النُّحاس. فسأَلَه الفِرِّيسِيُّونَ والكَتَبة: لِمَ لا يَجري تَلاميذُكَ على سُنَّةِ الشُّيوخ، بل يَتَناولونَ الطَّعامَ بِأَيدٍ نَجِسَة؟ فقالَ لهم: أَيُّها المُراؤون، أحسَنَ أَشَعْيا في نُبُوءتِه عَنكم، كما وَرَدَ في الكِتاب: هذا الشَّعبُ يُكَرِمُني بِشَفَتَيه وأَمَّا قَلبُه فبَعيدٌ مِنِّي. إِنَّهم بالباطلِ يَعبُدونَني فلَيسَ ما يُعَلِّمونَ مِنَ المذاهِب سِوى أَحكامٍ بَشَرِيُّة إِنَّكم تُهمِلونَ وصِيَّةَ الله وتَتمَسَّكونَ بِسُنَّةِ البَشَر ودعا الجَمعَ ثانِيةً وقالَ لَهم: أَصغوا إِليَّ كُلُّكُم وافهَموا: ما مِن شَيءٍ خارجٍ عنِ الإِنسان إِذا دخَلَ الإِنسانَ يُنَجِّسُه. لأَنَّهُ مِن باطِنِ النَّاس، مِن قُلوبِهم، تَنبَعِثُ المَقاصِدُ السَّيِّئةُ والفُحشُ وَالسَّرِقَةُ والقَتْلُ والزِّنى والطَّمَعُ والخُبثُ والمَكْرُ والفُجورُ والحَسَدُ والشَّتْمُ والكِبرِياءُ والغَباوة جَميعُ هذِه المُنكَراتِ تَخرُجُ مِن باطِنِ الإِنسانِ فتُنَجِّسُه».

الموعظة

لماذا يتهجم يسوع على ممارسات النقاوة الطقسية؟ فهي مبدأياً ليست سيئة. غالباً مستوحاة من الأمور الصحية، ويمكنها أن تحمل معاني روحية. ما هو نقي، هو بدون خليط. مثلاً نقول مياه صافية.

وأن نتغذى يعني أن نستقبل عطايا الله التي تغذينا. والأيدي المغسولة لاستقبالها تعني عرينا الأصلي، فراغنا، وحده الله هو القادر على أن يمليه. بالتأكيد، الطقس قد يفرغ من معناه والتطهير الذي يعنيه يمكن أن يغيب كلية.

فالطقس لا قيمة له إن لم يكن تعبير عن شيء يأتي من قلب الإنسان. عن هذا الأمر يحدثنا يسوع. وعكس نقاوة القلب هو النفاق والازدواجية، أي عندما نريد في الوقت نفسه النعم واللا. والطقس يمكنه أن يكون عكس ما يريد أن يعنيه.

مؤمنين، بدون شك، لكن عندما يقتصر الإيمان على الطقس، والعبادة والمشاعر الجيدة، دون أن يعبر في الحياة، يكون هناك ازدواجية ونفاق، وبالتالي نجاسة. ما هو نجس لا يذهب إلى النهاية إنما يلتف وهو على الطريق، لأنه يريد شيئين متناقضين. فلا فائدة من تغطية هذا الغموض برداء الطقس.

فالدين الحقيقي لا يكمن دائماً حيث يُعلن. ومع ذلك، لا نكون مؤمنين إذا استسلمنا بسبب نفاقنا وازدواجيتنا. علينا أن نراها، نواجهها ونتأسف لوجودها فينا ولنضعها بين يدي الله محاولين التحرر منها.

هذا تماماً ما يطلب القديس اغناطيوس دي لويولا التعمق فيه، في تمارينه الروحية حيث يدعو المتريض إلى طلب النعمة لمعرفة كل ما هو فوضوي في أعماله، «لكي، لدى رؤيتي لفظاعتها، أعدل ذاتي وأنظمها».

وأن يعرف غرور العالم «لكي، لدى رؤيتي لفظاعتها، أبعد عن ذاتي الأشياء الدنيوية والعبثية». هذا النوع من الثقة هو بحد ذاته نقاوة. فما هو هذا القلب الإنساني؟ ومن أين يمكن أن تأتي هذه الشذوذات؟

بالطبع، من هذا المركز الدقيق، الغير مادي، حيث تختار حريتنا بين الخير والشر. الملفت للانتباه أن يسوع لم يضع أصل الشر في روح نجس أو شرير، أو شيطان يعمل في العالم. في هذه الحالة يأتينا الشر الذي نرتكبه من الخارج، ممّا يعني أن ما يدخل في الإنسان يمكن أن ينجسه.

وعندما يتحدث بولس الرسول عن القوى والسلطات، فهو يتكلم قبل كل شيء عن «العصر»، عن العقليات الجماعية التي نغرق فيها، لكنها تأتي من نوع من مؤامرة الحريات الفردية إن صح التعبير، والتي تجد مصدرها فينا. كهوس الاستهلاك مثلاً.

فالشرور التي تأتينا من الخارج يمكنها أن تجرحنا، أن تقلصنا، وفي أسوأ الاحتمالات تهدمنا، لكن لا حول لها ولا قوة على نقاوتنا أو نجاستنا. قراراتنا هي التي تصنع الفرق. قرارات قد تؤخذ على ضوء ما يأتينا من الخارج، كجواب على حالات لم نريدها.

مثلاً ما يجعلنا أنقياء، هو ما يذهب باتجاه أن نكون على صورة ومثال الله. فكيف يمكننا تمييز هذا الأمر؟ يكفي أن ننظر إلى المسيح، إنه أيقونة الله الغير مرئي (كول 1، 15). ونهاية القراءة الثانية تعطينا بعض الأمثلة، الرمزية، للتصرفات التي تتطابق مع ما قام به يسوع «افتِقادُ الأَيتامِ والأَرامِلِ في شِدَّتِهِم وصِيانَةُ الإِنسانِ نَفْسَه مِنَ العالَم». والأمثلة التي ذكرها يسوع ليشير إلى ما يخرج من قلب الإنسان ويجعله نجساً كلها تخص علاقتنا بالقريب، مباشرة أو بشكل غير مباشر: «المَقاصِدُ السَّيِّئةُ والفُحشُ وَالسَّرِقَةُ والقَتْل والزِّنى والطَّمَعُ والخُبثُ والمَكْرُ والفُجورُ والحَسَدُ والشَّتْمُ والكِبرِياءُ والغَباوة. جميع هذه المنكرات تخرج من باطن الإنسان فتنجسه». والوصايا العشر حاضرة فيها بشكل خفي.

يقول يسوع للفريسين «إنكم تهملون وصية الله وتتمسكون بسنة البشر». ولكي يوضح هذا الموضوع يستشهد بالوصية الرابعة: أكرم أباك وأمك. فبعد أن وصفت علاقتنا بالله، التي توجه كل شيء، الوصايا العشر لا تتكلم إلاَّ عن التصرف حيال الآخرين. لا شيء عن الطقوس، التي ينتقد الفريسيون تلاميذ يسوع بعدم ممارستها.

 نص إنجيل اليوم، الذي يتوجه إلى اليهود، بما أنه يفصّل طقس مألوف لديهم، يعدد ممارسات تسعى جميعها للتعبير، رمزياً، عن الطهارة الشخصية. فالمطلوب أن يكون الإنسان نظيفاً أمام الله بتحرره ممّا يأتي من الخارج. هناك نوع من الانغلاق على الذات، نرجسية تذهب بالاتجاه المعاكس لشريعة الله، للوصايا العشر.

لا يمكننا بلوغ ما يسميه الكتاب الروحيين، مع شيء من الادعاء، بالكمال إلاَّ بنسياننا لأنفسنا وانفتاحنا على الآخرين. من هنا يمكننا أن نصبح على صورة الله كمثاله. هذا يسمى حب، حتى ولو لم تشارك فيه المشاعر أو قليلاً.

SHARE