الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 12 كانون الأول 2021. موعظة الأحد الثالث من زمن التهيئة للميلاد

2021-Dec-12 | عظات | 322

صف 3، 14 – 18      فيل 4، 4 – 7    لو 3، 10 – 18

 

«بِيَدهِ الـمِذْرى، يُنَقِّي بَيدَرَه، فيَجمَعُ القَمحَ في أَهرائِه، وأَمَّا التِّبنُ فيُحرِقُه بِنارٍ لا تُطفأ». كان المعمدان يتوقع ويعلن مسيحًا بارًا ومنتقمًا، على وشك القضاء على كل الخطأة من أجل إعادة مملكة إسرائيل التي تتكون حصريًا من الصالحين الذين كانوا أوفياء لشريعة موسى. وخير دليل على ذلك أنه عندما علم، في سجنه، أن يسوع، بدلًا من تدمير الخطأة كان يأكل معهم، ويقول «ما جِئتُ لأَدعُوَ الأَبرار، بلِ الخاطِئين».

أرسل تلاميذه ليسألوا يسوع: «أَأَنتَ الآتي، أَم آخَرَ نَنتَظِر؟» (متى 11، 3). هنا نحن أمام مفهومين للمسيحانية تتعارض فيما بينها. مسيحانية يوحنا الذي يفصل ليُهلك، ومسيحانية يسوع الذي يعيش مع الناس بهدف الاهتداء. فالمسيحانية هي الإيمان بقدوم محرر أو منقذ يؤسس نظامًا جديدًا، مبني على العدالة والسعادة. مسيحانية يوحنا هي جزء من مسيحانية العهد القديم التي هي مسيحانية أرضية وبشرية.

أرضية، لأنها كانت تنتظر، منذ الآن، خلاص إسرائيل من المحتلين الرومان، وكذلك الإبادة الجسدية للخطأة، بالقوة والعنف، من أجل السماح لمؤمني هذه الشريعة بالعيش في عدل وسلام. يوحنا المعمدان جزء من مسيحانية العهد القديم حيث ما زلنا نجد، في بعض النصوص، تعبيرات عن كراهية الخاطئ: «أَبغَضتُ القُلوبَ المُنقَسِمَة وأَحبَبتُ شَريعَتَكَ» (مز 119، 113). لهذا السبب يقول لنا يسوع: «الحَقَّ أَقولُ لَكم: لم يَظهَرْ في أَولادِ النِّساءِ أَكبَرُ مِن يُوحَنَّا المَعمَدان، ولكنَّ الأَصغَرَ في مَلَكوتِ السَّمَواتِ أَكبرُ مِنه» (متى ١١:١١).

مسيحانية يوحنا هي مسيحانية أرضية ولكنها أيضًا مسيحانية بشرية لأنها تضع ثقتها فقط في جهود الإنسان المزدوجة للحصول على نظام جديد. أولاً جهد ليغير الإنسان نفسه: «مَن كانَ عِندَه قَميصان، فَليقسِمْهُما بَينَه وبَينَ مَن لا قَميصَ لَه». هذه المسيحانية مقتنعة بأن جهود الإنسان على نفسه هي التي يمكن أن تغيره. كما لو أن تعليق فاكهة جيدة على شجرة قاحلة يمكن أن تجعلها مثمرة!

ثانياً الجهد البشري لتحويل العالم. وهذا هو المكان الذي يخشى فيه الأسوأ. في الواقع، طالما أن الإنسان لا يفكر إلا في التصرف على نفسه لتغيير ذاته، فهذا يظل منطقيًا. ولكن عندما يدعي الإنسان، باسم الله، أن يغير العالم ليؤسس بنفسه النظام الجديد الذي يحلم به، آنذاك نحصل على مسيحانيات عنيفة قاتلة. إمَّا مسيحانية دينية، حيث يريد البعض أن يكونوا أكثر إلهًا من الله نفسه.

مثل مسيحانية بار كوكبا اليهودية، حوالي عام 130 بعد الميلاد والتي تسببت في تشتت الشعب اليهودي من قبل الرومان، أو المسيحانية الإسلامية التي نتعرض لها حاليًا. أو مسيحانية ملحدة تدعي أنها مكان الله، مثل الماركسية اللينينية التي تسببت في وفاة 100 مليون إنسان في جميع البلدان التي كانت منتشرة فيها. بالمقابل، مسيحانية يسوع هي سماوية وإلهية. سماوية لأنها لا تنتمي إلى هذا العالم: «مملكتي ليست من هذا العالم!». ويذكرنا مثل الزوان في الحقل، أنه ليس من حق الإنسان أن يفصل الزؤان عن القمح في هذا العالم. على العكس من ذلك، يوصي يسوع بأن ندع الخير والشر ينموان معًا. فقط الله، وحده مخول بفرز الزؤان عن الحنطة، لكن ليس في هذا العالم. ويرفض يسوع ترك النار تسقط من السماء على السامريين الذين لم يرحّبوا به، كما أراد يعقوب ويوحنا (لوقا 9، 51-56).

وفي بداية الحياة الرهبانية نرى القديس بنوا يستنكر الحماس لدى بعض رهبانه الذين امتلأوا بأنفسهم من خلال التزامهم الدقيق بالقاعدة، وأصبحوا يكرهون الإخوة الأقل دقة في تطبيق القاعدة. في وضع الحماس، سيكون هناك دائمًا شخص أنقى يعتقد بأن الآخرين أقل نقاءً ويكرههم، بل ويسعى إلى القضاء عليهم.

لكن الحقيقة هي أننا جميعًا خطأة وأن البر الذي يود البعض أن يزعمه ليس سوى وهم أمام الله، كما يذكرنا إشعياء النبي (إش 64: 5). هذا هو السبب في أن يسوع يطلب منا ألا نحكم على أحد ويدعونا لإزالة الخشبة التي في عيننا قبل أن نرغب في التعامل مع القذى الذي في عين أخينا (متى 7، 1-4). مسيحانية يسوع سماوية لكنها إلهية أيضًا. عليه أن يؤسس ملكوت الله هنا.

وملكوت الله هو تنظيم أفعال البشر، لكي يعيش كل إنسان بطريقة ترضي الله. وإذا قيل إن هذا الملكوت هو ملكوت الله، فلأنه تنظيم للتصرفات البشرية التي يديرها الله نفسه في قلب كل إنسان ويسمح له بالسيطرة على هذا القلب. هنا لم يعد الأمر يتعلق بالأعمال الصالحة التي يمكن أن يقوم بها الإنسان بمفرده، لإعطاء الانطباع بأنه أصبح بارًا وصالحًا. إنه يتعلق بالعمل الذي يقوم به الله نفسه في أعمق جزء من الإنسان، بقدر ما يسمح الإنسان لنعمة الله أن تعمل فيه.

فالبستاني هو من يقوم بتطعيم الفرع العقيم على شجرة مثمرة لجعل هذا الفرع العقيم مثمرًا. في هذه المسيحانية، الإنسان هو الذي، بفضل تحوله الداخلي الذي أحدثه الله، يغير المجتمع وليس العكس. في هذه المسيحانية، لم يعد السؤال: «ماذا علينا أن نفعل؟». بل «كيف نسمح لله أن يفعل ذلك من أجلي؟». يقدم لنا الرسول بولس، في رسالته اليوم، إجابة على هذا السؤال الحقيقي:

«لا تَكونوا في هَمٍّ مِن أَيِّ شيءٍ كان، بل في كُلِّ شيَءٍ لِتُرفَعْ طَلِباتُكم إِلى اللهِ بِالصَّلاةِ والدُّعاءِ مع الشُّكْر، فإِنَّ سلامَ اللهِ الَّذي يَفوقُ كُلَّ إِدراكٍ يَحفَظُ قُلوبَكم وأَذْهانَكم في المسيحِ يسوع». «الصلاة هي مصدر الأعمال والفضائل، بقدر ما تكون هذه الصلاة متجذرة بالمسيح ... ممارسة الوصايا متضمنة بالكامل في الصلاة. لأنه لا يوجد شيء يفوق محبة الله».

  فلنجعل صلاتنا متواصلة، من خلال التحول الداخلي الذي ستعمله في كل واحد منا، فيتحقق ملكوت الله من الآن فصاعدًا.

SHARE