الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 13 آذار 2022. موعظة الأحد الثاني من زمن الصوم

2022-Mar-13 | عظات | 225

تك 15، 5 – 12. 17 – 18    فيل 3، 20 – 4، 1     لو 9، 28 – 36  

 

«في ذَلِكَ الزّمان: مَضى يَسوعُ بِبُطرسَ ويوحنَّا ويعقوب، وصعِدَ الجَبَلَ لِيُصَلِّي. وبَينَما هو يُصَلِّي، تَبَدَّلَ مَنظَرُ وَجهه، وصارَت ثِيابه بِيضًا تَتَلألأُ كَالبَرْق. وإِذا رَجُلانِ يُكَلِّمانِه، وهُما مُوسى وإِيلِيَّا، قد تَراءَيا في المَجد، وأَخَذا يَتَكلَّمانِ على رَحيلِه الَّذي سَيتِمُّ في أُورَشَليم. وكان بُطرُسُ واللَّذانِ معَه قد أَثقَلَهُمُ النُّعاس. ولكِنَّهُمُ استَيقَظوا فَعايَنوا مَجدَه والرَّجُلَينِ القائميَنِ مَعَه، حتَّى إِذا هَمَّا بِالانصِرافِ عَنه قالَ بُطرُسُ لِيَسوع: «يا مُعَلِّم حَسَنٌ أَن نَكونَ ههُنا. فلَو نَصَبنا ثَلاثَ خِيَم، واحِدَةً لَكَ وواحدةً لِموسى وواحِدةً لإِيليَّا!» ولم يَكُنْ يَدري ما يَقول. وبَينَما هو يَتَكَلَّم، ظهَرَ غَمامٌ ظَلَّلهُم، فلمَّا دَخَلوا في الغَمام خافَ التَّلاميذ. وانطَلَقَ صَوتٌ مِن الغَمامِ يَقول: «هذا هوَ ابنِيَ الَّذي اختَرتُه، فلَه اسمَعوا». وَما إِنْ دَوَّى الصَّوت، حَتَّى بَقِيَ يَسوعُ وَحدَه. فالتَزَموا الصَّمْتَ، وَلَمْ يُخبِروا أَحدًا في تِلكَ الأَيَّامِ بِشَيءٍ ممَّا رَأَوا».

الموعظة

بعد صحراء التجربة، إنجيل الأحد الماضي، لدينا جبل التجلي. إنها الخطوة المضيئة على الطريق التي تؤدي إلى الفصح. إنها أيضًا المرحلة التي تنير طريقنا عبر الشكوك والمخاوف التي نعيشها بشكل عام وخاصة في هذ الأيام العصيبة، حيث ما زلنا لا نرى على وجه اليقين نهاية النفق. أعتقد أن الأزمة التي نعبر فيها والعالم بأجمعه هي أيضًا أزمة وجودية.

معاييرنا تزعزعت وتنتهي الحالة المفروضة بأن تُثقل على المعنويات النفسية، والتي لا تخلو من التأثير على الحياة الروحية والدينية. يدعونا إنجيل اليوم لنعيش تجربة «التجلي». من ناحية أصل الكلمة، نحن مدعوون لرؤية ما وراء المظاهر للتعرف على حضور المسيح الذي جاء لينير طرقنا البشرية. نحن مدعوون لاتباع خطى الرسل بطرس ويعقوب ويوحنا. فليس من العبث أن يتم تجلي يسوع على جبل عالٍ.

في الإنجيل ــــ وبشكل أعم في الكتاب المقدس ـــــ الجبل ليس مجرد موقع جغرافي. إنه، رمزياً، مكان الوحي واللقاء بالله. إنها طريقة ليقول لنا بأن أمر مهم سيحدث هنا. فالجبل يجعلنا نأخذ البعد اللازم، ونرتفع «عن السطح». لا يمكن فهم معنى ما نعيشه بدون هذا الموقف الداخلي الذي يسمح لنا بعدم البقاء على المستوى السطحي الذي غالبًا ما يكون «وضيعاً». فالأمر يتعلق بالسير على الطريق حيث، كما يقول المزمور، «الرَّحمَةُ والحَقُّ تَلاقَيا البِرُّ والسَّلامُ تَعانَقا».

فنحن مدعوين لنجعل حياتنا منسجمة مع الحب والحقيقة والعدالة والسلام. هذه هي المفاتيح الأربعة التي تفتح الأبواب للسعادة الحقيقية. يقول الإنجيل أن يسوع ظهر لهم في مجده. ومرقس يقول بأنه تجلى أمامهم. المجد لا يعني العظمة والفخامة ولا الملوكية، المجد في الإنجيل يعني ما يظهر على وجوهنا عندما تعكس وتترجم ما نعيشه بداخلنا، في أعماقنا.

فالتجلي هو رؤية ما وراء المظاهر عندما يُعطى لنا رؤية غير المرئي. لذلك نحن مدعوين بأن لا نتوقف على المظاهر لأنه، كما يقول الكتاب المقدس، «الله لا يحكم على المظاهر». وكم من المعاناة التي تنشأ بسبب طريقة العيش فقط في على مستوى ما هو سطحي ومصطنع وخالي من الوضوح.

يدعونا التجلي إلى إلقاء نظرة جديدة، بالتأكيد على المسيح قبل كل شيء، ولكن أيضًا على كل أولئك الذين نعيش معهم وكذلك على أحداث العالم والكنيسة. عندها ظهر موسى وإيليا بجانب يسوع. شخصيتين كتابيتين ميزت تاريخ شعب الله. تاريخهم ينير بحضور المسيح المتجلي، لكن المسيح نفسه هو الذي يأتي لينير الطريق الذي كان طريقهم والذي يخبرنا عنه الكتاب المقدس.

تاريخهم هو تاريخنا ويسوع نفسه لا يفهم ذات إلاَّ كمن يأتي لتحقيق ما أعلنه العديد من الأنبياء. لاحقاً، على جبل آخر، جبل الجلجلة على مرتفعات أورشليم، سيصلب يسوع بين لصين. إنه سر الحب عينه الذي تم تحقيقه: المجد والحب حتى الآلام حباً، وجهان لا ينفصلان للكشف عن هوية المسيح.

في رواية التجلي، بطرس هو المتكلم، ويسوع يبقى صامتاً لأن حضوره هو الذي يتكلم! يقول بطرس: «حسن أن نكون ههنا». إنها السعادة الخالصة النقية لدرجة أنه يضيف: «فلَو نَصَبنا ثَلاثَ خِيَم، واحِدَةً لَكَ وواحدةً لِموسى وواحِدةً لإِيليَّا ! ». فالخيمة هي خيمة الحضور التي نترجمها ببيت القربان. لا شيء أعظم من سر الوجود الذي يتجلى في الحقيقة وفي شركة المحبة.

هذا ما اختبره الرسل بكثافة غير متوقعة. لكن هذه السعادة ليست امتياز خاص بهم. إنه موصوف لنا لأنه يُعطى لنا إذا سلكنا نفس المسار الذي سلكه التلاميذ. ثم سُمع صوت الآب من الغمامة يقول: «هذا هو ابني الذي اخترته فله اسمعوا». الغمامة، في الكتاب المقدس، هي علامة حضور الله. هناك نور لكنه لا يخلو من الحجاب الذي يمنع الوضوح التام لأنه، كما يقول الكتاب المقدس، «من يرى الله يموت».

فالغمامة هي الرؤية التي تحافظ على مسار الرجاء. الأفق ليس مسدودا. يبدو اليوم أن هناك احتمالات ... لأن الغد ممكن. هذا الصوت هو الصوت الداخلي الذي يأتي من أعماق القلب. إنه الصوت الذي يتحدث بجميع اللغات لأنه يقول ما يمكن للقلب أن يسمعه وما يمكن للإيمان أن يفهمه.

فأن نكون مؤمنين يعني أن نكون على التردد الصحيح، «الموجة الصحيحة» التي تسمح لنا بضبط مؤشراتنا لتتوافق مع ما يريد الله أن يخبرنا به. حتى وخاصة في هذا الوقت من الأزمة التي نعبر فيها. ثم يأتي وقت النزول من الجبل. لقد كانت بلا شك بالنسبة لهؤلاء الرسل تجربة لماهية الأبدية. فليس هناك غياب للوقت بل ملئه. «فالتَزَموا الصَّمْتَ ولم يُخبِروا أَحداً في تِلكَ الأَيَّامِ بِشَيءٍ ممَّا رَأَوا». ليس المقصود من الصمت إسكاتهم. إنه يعني أن هذه «الخبرة» كانت شديدة لدرجة أن قيامة المسيح وحدها هي التي ستسمح بكشف النقاب عما عاشوه حقًا ... والذي نحن المستفيدون السعداء منه اليوم. يرافقنا الله على طرق حياتنا. هذا ما فعله مع إبراهيم وابنه إسحاق.

والكتاب المقدس يقول إنه الله لا يريد ذبائح بشرية. فهو لا يفرح بموت الإنسان. والقديس إيريناوس يقول: «مجد الله هو الإنسان الحي». فلندع نور الله يسكن قلوبنا فنصبح بدورنا حاملين لنور الله الذي لا ينطفئ أبداً.

 

SHARE