الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 15 أيار 2022. موعظة الأحد الخامس من الزمن الفصحي

2022-May-15 | عظات | 325

أع 14، 21 – 27    رؤ 21، 1 – 5    يو 13، 31 – 35 

 

«فلما خرج قال يسوع: الآن مُجٍدَّ ابن الإنسان ومُجٍدَّ الله فيه وإذا كان الله قد مُجٍدَّ فيه، فسيمجده الله في ذاته وبعد قليل يمجده. يا بني، لست باقيا معكم إلا وقتا قليلا فستطلبوني وما قلته لليهود أقوله الآن لكم أيضا: حيث أنا ذاهب لا تستطيعون أن تأتوا. أعطيكم وصية جديدة: أحبوا بعضكم بعضا. كما أحببتكم أحبوا أنتم أيضا بعضكم بعضا. إذا أحب بعضكم بعضا عرف الناس جميعا أنكم تلاميذي»

الموعظة

لا شك أن إنجيل اليوم ليس هو الأسهل فهمه وخاصة وارتباطه بحياتنا ليس بديهيًا جدًا. بمحاولته لفهم يسوع وما يحيه بالعمق، يُقاطع الإنجيلي يوحنا موضوعي المجد والحب. المجد، يركض الكثيرون وراءه، حتى لو كان ذلك يعني إقصاء الآخرين أو سحقهم. إذا نظرنا فقط إلى شاشاتنا: كل يوم نرى رياضيين ومغنيين وممثلين وسياسيين في أوج مجدهم.

خلسة، يتم تقديمهم إلينا كنماذج للنجاح، ومثال يجب تحقيقه. وسرعان ما يصبحوا آلهة: آلهة الملعب! إن صح التعبير. في كل يوم، يُقدم لنا تصنيف شعبي جديد للنجوم السياسيين واستعراض المغنين الناجحين. المجد هو النجاح، هو الشهرة، هو الشعبية. ناهيك عن المال. بالمقابل، المجد بحسب بالكتاب المقدس، هو أمر مختلف تمامًا.

يختار الله موسى المتلعثم ليكشف عن اسمه وكلمته؟ ويبقى داود الأصغر في العائلة ملكاً على اسرائيل ويسكن بين قومه ويسوع نجار متواضع يقول عنه الإنجيلي: «الكلمة صار بشراً فسكن بيننا، فرأينا مجده، مجداً من لدن الآب». لا شيء غير عادي: لقد عاش بيننا، شاركنا حياته اليومية طوال الأيام على طرق الجليل.

وفي هذه الحياة اليومية المبتذلة إلى حد ما، تم الكشف عن مجده، في هذه الحياة المليئة بالأخوة، في هذه التجارب، وأخيراً في هذه النهاية البائسة على ما يبدو. في الوقت الذي يخرج فيه يهوذا ليخونه ويسلمه، يعلن يسوع: «الآن مُجِّد ابن الإنسان ومُجِّد الله فيه». مفارقة غريبة. لأن الإنجيلي يخبرنا بأنصاف الكلمات أن مجد يسوع، الذي هو أيضًا مجد الله نفسه، ظهر كيقين على الصليب في لحظة الموت.

لكن هذا الموت يجد اكتماله، وتمامه، في صباح الفصح: «أنتُنَّ تَطلُبْنَ يسوعَ النَّاصريَّ المَصْلوب. إِنَّه قامَ وليسَ ههُنا». قام كما نقول في كثير من الأحيان. بعد صباح الفصح، فهم التلاميذ. لقد فهموا أنهم رأوا مجد الله مُعلنًا في يسوع طوال الأيام التي «سكن فيها بيننا». لا شيء غير عادي، لا مآثر أو نجاحات مثل أمجادنا الوطنية الحالية.

إنما المجد المملوء بالإنسانية والأخوَّة لمن جعل المقعدين يقفون على أقدامهم، وأعاد الأبرص مجدداً إلى المجتمع، وكشف مغفرة الله لمن أخطأ. أثناء مسيرته، من خلال كلماته وأفعاله، يعلن يسوع مجد الله ويتممه. قال المطران إيريناوس أسقف ليون، في القرن الثاني الميلادي، «مجد الله هو الإنسان الحي».

من خلال إعادة أولئك الذين التقى بهم إلى ملء حياتهم، أظهر يسوع مجد الله. وفوق كل شيء، كونه مملوءًا بالحياة مملوءًا من روح الله الذي عاش منه، كان هو نفسه مجد الله الحي. لذلك تؤكد الرسالة إلى أهل كولوسي: «هو صورة الله الذي لا يُرى». وأضاف المطران إيريناوس: «مجد الله هو الإنسان الحي وحياة الإنسان هي رؤية الله».

وهكذا، من خلال العيش بجدية لحياته كإنسان، من خلال إعادة كل فرد إلى إنسانيته الكاملة، أعطانا يسوع إمكانية أن نرى الله نفسه، كما يقول سفر التكوين، «أن الرجل والمرأة خُلقا على صورة الله كمثاله». من خلال عيش إنسانيته بالكامل، كان يسوع قريبًا من الله لدرجة أنه أطلق عليه اسم أبا، بابا. في عدة مناسبات، أشار الإنجيليين إلى هذا القرب بين يسوع والله. أثناء معموديته على يد يوحنا أو حتى أثناء حدث التجلي الذي يشكل استباقاً للقيامة.

يبقى السؤال: إذا كنا مسيحيين، تلاميذ ليسوع، صورة ومجد الله، فهل يجب علينا أيضًا أن نكون مجد الله؟ هل نظهر مجده وكيف؟ لعل الجواب يُعطى لنا في نص الإنجيل يعطي يسوع «وصية جديدة»: «أحبوا بعضكم بعضاً». على ما يبدو لا شيء جديد بالرغم من ذلك. إن محبة الآخرين ليس لها علاقة بالمسيحية على وجه التحديد: إنها قيمة إنسانية عالمية مكَّنت الناس من العيش معًا منذ نشأة البشرية.

فالحب هو أن تكون إنسانًا. قبل المسيح بوقت طويل، يقول الكتاب المقدس: «لا تنتقم، لا تحقد أحبب قريبك حبك لنفسك». لكن يسوع يضيف: «أحبوا بعضكم بعضاً كما أحببتكم». عبارة «كما أحببتكم» تأخذنا بعيدًا. لأنه أحبَّ الآخرين حتى النهاية. بغض النظر عن وضعهم الاجتماعي، وأوجه النقص لديهم، وانحلالهم الداخلي والخطيئة.

لقد أحب لدرجة المخاطرة بحياته. على الرغم من كل شيء، أعلن القيمة اللانهائية لكل فرد. لأن الجميع هم أبناء وبنات الله، إخوة وأخوات في البشرية أمام الله والآب الواحد. وقادته قوة هذه القناعة وحبه إلى الصليب. فيصبح هذا الموت الإعلان والتجلي النهائي لمجد الله ومجد الإنسان. طريق صعب بالنسبة لنا.

لأنه إذا ظل الحب مطلبًا مكتوبًا في أعماق كياننا، فنحن نعرف جيدًا ما يكلفه يوميًا. سواء في العلاقة الرومانسية والزوجية، في العلاقة الأبوية أو البنوية أو في علاقات الجوار اليومية، لا يوجد شيء بسيط. وربما أكثر بالنسبة الذين لم يختاروا شركائهم. كتب جان بول سارتر: «الجحيم هو الآخرون». وأحيانًا، نستسلم لهذا القول لأن الآخرين لا يطاقون ويجعلون حياتنا صعبة.

ومع ذلك، ما يتطلبه يسوع لا يزال قائماً، أمامنا، كموجه لحياتنا، الفوضوية في بعض الأحيان، والأنانية بشكل يائس أو حتى عنيفة أو مليئة بالكراهية. تظل وصية يسوع أفقنا. نواجه صعوبة في الوصول إليها: فالأفق، علاوة على ذلك، هو دائمًا ما وراء، ودائمًا أبعد. لكن إذا أردنا أن نكون مسيحيين، فإننا نسير في هذا الاتجاه.

مؤلم احيانا. وصغير، لأنه دائمًا ما يتجلى هذا الحب في إيماءات صغيرة، ومشاركة متواضعة، وعلامات صغيرة. هنا والآن، في تفاهة الحياة اليومية. ربما لن نضطر أبدًا ــــ ولحسن الحظ ـــــ إلى بذل حياتنا حتى الموت مثل يسوع. بل بالأحرى أن نشع الحب على مدار الأيام. من خلال مساعدة الآخرين على العيش والبقاء، للوقوف على أقدامهم مرة أخرى. بحبهم.

ففي الإيمان المستقبل من يسوع يظهر مجد الله، «الإنسان الحي».

SHARE