الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 29 أيار 2022. موعظة الأحد السابع من الزمن الفصحي

2022-May-29 | عظات | 213

أع 7، 55 – 60      رؤ 22، 12 –20     يو 17، 20 – 26

 

«لا أَدْعو لَهم وَحدَهم بل أَدْعو أَيضاً لِلَّذينَ يُؤمِنونَ بي عن كلامِهم فَلْيكونوا بِأَجمَعِهم واحِداً: كَما أَنَّكَ فِيَّ، يا أَبَتِ، وأَنا فيك فَلْيكونوا هُم أَيضاً فينا لِيُؤمِنَ العالَمُ بِأَنَّكَ أَنتَ أَرسَلتَني. وَأنا وَهَبتُ لَهم ما وَهَبْتَ لي مِنَ المَجْد لِيَكونوا واحِداً كما نَحنُ واحِد: أَنا فيهِم وأَنتَ فِيَّ لِيَبلُغوا كَمالَ الوَحدَة ويَعرِفَ العالَمُ أَنَّكَ أَنتَ أَرسَلتَني وأَنَّكَ أَحبَبتَهم كَما أَحبَبتَني يا أَبَتِ، إِنَّ الَّذينَ وهَبتَهم لي أُريدُ أَن يَكونوا معي حَيثُ أَكون فيُعايِنوا ما وَهَبتَ لي مِنَ المَجد لأَنَّكَ أَحبَبتَني قَبلَ إِنشاءِ العالَم يا أَبتِ البارّ إِنَّ العالَمَ لم يَعرِفْكَ أَمَّا أَنا فقَد عَرَفتُكَ وعَرَفَ هؤلاءِ أَنَّكَ أَنتَ أَرسَلتَني عَرَّفتُهم بِاسمِكَ وسأُعَرِّفُهم بِه لِتَكونَ فيهمِ المَحبَّةُ الَّتي أَحبَبتَني إِيَّاها وأَكونَ أَنا فيهِم».

الموعظة

نص الإنجيل هو جزء ممّا نسميه صلاة يسوع الكهنوتية. لا يمكننا فهم هذه الصلاة بعمقها إلاّ إذا وضعناها ضمن إطارها العام والذي هو عيد الغفران اليهودي. في هذا العيد، يقوم عظيم الكهنة بالكفّارة أولاً عن ذاته، ثم عن بقية الكهنة وأخيراً عن الشعب كله. الهدف هو إعطاء الشعب، بعد كل انتهاكات وتجاوزات السنة، الوعي لمصالحته مع الله. صلاة يسوع هذه، لها بنية عيد الكفارة أو المغفرة.

في هذه الليلة، يتوجه يسوع لأبيه في اللحظة التي سيبذل فيها ذاته. يصلي لنفسه، لتلاميذه ولجميع الذين سيؤمنون به، وأخيراً من أجل الكنيسة في كل الأزمنة «لا أَدْعو لَهم وَحدَهم بل أَدْعو أَيضاً لِلَّذينَ يُؤمِنونَ بي عن كلامِهم» (17، 20). بصلاته لأجل ذاته يطلب أن يُمجّد، أن يُرفع في هذه الساعة، ساعته.

في الواقع، إنه أكثر من طلب، إنه إعلان ملء استعداده للدخول، بحرية وبلا حدود، في مخطط الله الآب الذي يتحقق لدى بذل ذاته، من خلال موته وقيامته. هذه الساعة تبدأ بخيانة يهوذا وتبلغ ذروتها بصعود القائم من بين الأموات إلى الآب. في العشاء الأخير، عندما يغادر يهوذا العلية، يقول يسوع: «الآنَ مُجِّدَ ابنُ الإِنسان ومُجِّدَ اللهُ فيه».

فليس من باب الصدفة أن يبدأ صلاته الكهنوتية: «يا أَبتِ، قد أَتَتِ السَّاعة: مَجِّدِ ابنَكَ لِيُمَجِّدَكَ ابنُكَ». فالمجد الذي يطلبه يسوع لذاته، هو دخوله، في إنسانيته، في الطاعة الكاملة للآب، طاعة تقوده لبنوته التامة: «فمَجِّدْني الآنَ عِندَكَ يا أَبتِ بِما كانَ لي مِنَ المَجدِ عِندَكَ قَبلَ أَن يَكونَ العالَم».

هذا الاستعداد وهذا الطلب يشكلان العمل الأول من كهنوت يسوع الجديد، والذي هو العطاء الكلي لذاته على الصليب. فعلى الصليب ـــ عمل الحب الأسمى ـــ مُجِّد يسوع، لأن الحب هو المجد الحقيقي، المجد الإلهي. اللحظة الثانية لصلاة يسوع هي شفاعته لتلاميذه الذين كانوا معه: «أَظهَرتُ اسمَكَ لِلنَّاسِ الَّذينَ وَهَبتَهُم لي مِن بَينِ العالَم.

كانوا لَكَ فَوهبتَهُم لي وقَد حَفِظوا كَلِمَتَكَ». إظهار اسم الله للبشر يعني تحقيق حضور جديد للآب في البشرية. هذا الإظهار هو واقعي في يسوع، لأن الله فينا، ولكون يسوع واحد منا، فهذا الحضور قد تحقق. في مركز صلاة الشفاعة والمغفرة لتلاميذه، هناك طلب التكريس: «لَيسوا مَنَ العالَم كَمَا أَنِّي لَستُ مِنَ العالَم. كَرِّسْهُم بالحَقّ إِنَّ كلِمَتَكَ حَقّ.

كَمَا أَرسَلَتني إِلى العالَم فكَذلِكَ أَنا أَرسَلتُهم إِلى العالَم وأُكَرِّسُ نَفْسي مِن أَجلِهمِ لِيَكونوا هم أَيضاً مُكَرَّسينَ بِالحَقّ.». كلمة التكريس حرفياً، لا تطبَّق إلاّ على الله. فالتكريس يعني تحويل شخص أو شيء، فصله ووضعه جانباً، ليكون ملكاً لله. أن يكون الإنسان مفصولاً، أن يكون ملك الله، هذا يعني الإرسال، الرسالة.

فالإنسان المُكرَّس، لكونه مُعطى لله، فهو موجود من أجل الآخرين، إنه مُعطى للآخرين. والتكريس هو بهدف رسالة من أجلها يضع المكرس ذاته تحت تصرف الله بالكامل. في صباح الفصح، لدى ظهور القائم من بين الأموات للتلاميذ، يقول لهم: «السَّلامُ علَيكم! كما أَرسَلَني الآب أُرسِلُكم أَنا أَيضاً». والعمل الثالث لهذه الصلاة يكمن في شمولية النظر إلى نهاية الأزمنة.

لذلك يتوجه الآن يسوع إلى الآب ليتشفع من أجل جميع من سيؤمنون به بفضل الرسالة التي دشنها التلاميذ ولا تزال مستمرة عبر التاريخ: «لا أَدْعو لَهم وَحدَهم بل أَدْعو أَيضاً لِلَّذينَ يُؤمِنونَ بي عن كلامِهم». لكن الطلب المركزي في صلاة يسوع، هو صلاة الوحدة المستقبلية لمن سيؤمنون به. هذه الوحدة تأتي حصرياً من الوحدة الإلهية وتأتي من الآب إلينا من خلال الابن في الروح القدس.

إنه يصلي «فَلْيكونوا بِأَجمَعِهم واحِداً: كَما أَنَّكَ فِيَّ، يا أَبَتِ، وأَنا فيك فَلْيكونوا هُم أَيضاً فينا لِيُؤمِنَ العالَمُ بِأَنَّكَ أَنتَ أَرسَلتَني». من جهة، وحدة المسيحيين هي واقع سري، حاضرة في قلوب المؤمنين. ولكن في الوقت نفسه، عليها أن تظهر في التاريخ بوضوح كامل، لكي يؤمن العالم. بما أن وحدة تلاميذ المستقبل هي الوحدة مع يسوع، فهي أيضاً نبع ومصدر فعالية الرسالة المسيحية في العالم.

وبالتالي، يمكننا القول أنه في صلاة يسوع الكهنوتية، تتحقق الكنسية. أثناء العشاء الأخير، يؤسس يسوع الكنيسة. فالكنيسة هي جماعة التلاميذ التي، بالإيمان بيسوع المسيح كمرسل من الآب، تستقبل وحدتها وهي مشاركة في رسالة يسوع لخلاص العالم بقيادتها له للاعتراف بالله. يصلي يسوع ليكون تلاميذه واحداً. فالكنيسة، قوية بهذه الوحدة، يمكنها أن تتقدم في العالم دون أن تكون من العالم وتحيا رسالتها المؤتمنة عليها لكي يؤمن العالم بالابن وبالآب الذي أرسله.

هكذا تصبح الكنيسة المكان حيث تستمر وتمتد رسالة المسيح والتي تكمن في إخراج العالم والإنسان من الخطيئة، ليعود هذا العالم، مجدداً، عالم الله. لنطلب منه أن يساعدنا لنكون مكرسين له وأن ننتمي إليه أكثر فأكثر، لكي نستطيع أن نحب الآخرين دائماً أكثر.

لنطلب منه أن يجعلنا أهلاً لفتح صلاتنا على مدى العالم، دون أن ننغلق في طلبات المساعدة لمشاكلنا الشخصية، ولنكتشف جمال الشفاعة من أجل الآخرين.

SHARE