الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 12 حزيران 2022. موعظة عيد الثالوث الأقدس

2022-Jun-12 | عظات | 239

أمثال 8، 22 – 31   رو 5، 1 – 5     يو 16، 12 – 15  

 

«لا يَزالُ عِنْدي أَشْياءُ كثيرةٌ أَقولُها لَكم ولكِنَّكُم لا تُطيقونَ الآنَ حَملَها فَمتى جاءَ هوَ، أَي رُوحُ الحَقّ، أَرشَدكم إِلى الحَقِّ كُلِّه لِأَنَّه لن يَتَكَلَّمَ مِن عِندِه بل يَتَكلَّمُ بِما يَسمَع ويُخبِرُكم بِما سيَحدُث. سيُمَجِّدُني لأَنَّه يَأخُذُ مِمَّا لي ويُخبِرُكم جَميعُ ما هو لِلآب فهُو لي ولِذلكَ قُلتُ لَكم إِنَّه يأخُذُ مِمَّا لي ويُخبِرُكم بِه»

الموعظة

وفقًا للعهد الجديد، كان الخلاف بين يسوع والسلطات اليهودية، مركز الجدل ومحاكمته، هو ادعائه بعلاقة فريدة مع الله: «لا نَرجُمُكَ لِلعَمَلِ الحَسَن، بل لِلتَّجْديف، لأَنَّكَ، وأَنتَ إنْسان، تَجعَلُ نَفْسَكَ الله» (يو 10، 33). وبالتالي، كما نعلم "إضافة" الابن والروح القدس إلى الإيمان بإله واحد، جعل الحوار مع المؤمنين الآخرين أمر مستحيل. بالمقابل، الإيمان اليهودي بإله واحد ليس في الأساس عقيدة أو نظام فكري.

هذا «التوحيد» هو أولاً وقبل كل شيء طريقة حياة: الإظهار، من خلال اختيارات الحياة، أن الله وحده هو الله، وأن لا شيء هو الله إلا الله. إنها معركة دائمة ضد تأليه كل ما ليس الله، «الأصنام» بمختلف أشكالها: القوة، المال، الأمة، الجنس، الطقوس الدينية نفسها، كل شيء ما زلنا نميل إلى تقديسه. وإعلان الإيمان في العهد القديم، «اسمع، يا إسرائيل، الرب إلهنا واحد» (تثنية 6، 4)،

لا يلغي أي شيء من حياة الإنسان ولكنه يعتبر كل شيء نسبي مقابل المطلق الوحيد: الله. وبالتالي، يمكننا القول بأن يسوع هو «بطل» هذا التوحيد. إن كان هناك شخص بالنسبة له لا إله إلا الله، لا قيصر، ولا روابط عائلية، ولا حتى الهيكل أو السبت، فهو يسوع. «إتَّكَلَ على الله، فَليُنقِذْهُ الآن!» يعترف أعداؤه على أقدام الصليب (متى 27، 43).

ترجم يسوع إيمانه إلى أفعال. فالإيمان إذن هو العلاقة مع الله التي تضع

 كل شيء في مكانه الصحيح. ما فاجأ رفقاء يسوع الأوائل كان بالتحديد كثافة وقرب وحميمية علاقته مع الله. وهذا الأمر يتجلى في سلوكه وفي صلاته. يتجلى في الجرأة الهادئة التي يعلِّم بها: «سمعتم أنه قيل للأولين، أمَّا فأقول لكم» (متى 5)، والتبرير الذي يقدمه لهذا التعليم: «لَيسَ تَعليمي مِن عِندي بل مِن عِندِ الَّذي أَرسَلَني» (يو 7، 16).

وطريقة «ممارسته» لغفران الله «مغفورة لك خطاياك» (مر 2، 5)، والقوة التي يمتلكها للتغلب على المرض وهزيمة قوى الشر. كل هذا يشهد على علاقة خاصة جدًا مع شخص يدعوه الجميع الله ويجرؤ يسوع على أن يدعوه أبًا، وحتى «أبي». هذا التفرد هو الذي يبهر البعض ويشكك الآخرين. لدرجة أنه، بعد وقت قصير جدًا من موته وقيامته، يعلن التلاميذ:

«وأَمَّا عِندَنا نَحنُ، فلَيسَ إِلاَّ إِلهٌ واحِدٌ وهو الآب، مِنه كُلُّ شَيءٍ وإِلَيه نَحنُ أَيضًا نَصير، ورَبٌّ واحِدٌ وهو يسوعُ المسيح، بِه كُلُّ شيَءٍ وبِه نَحنُ أَيضًا» (1 كور 8، 6). فإعطاء يسوع لقب الرب، هذا اللقب الذي يخص الله وحده في العهد القديم، لا يعني أنه بديل عن الله. «ويَشهَدَ كُلُّ لِسانٍ أَنَّ يسوعَ المسيحَ هو الرَّبّ تَمْجيدًا للهِ الآب» (فيل 2، 11). لمجد الآب لا مكانه: الرب يسوع مع الله، مثله وفيه، بسبب علاقته الفريدة معه. لذلك

 يواصل المسيحيون، ورثة إيمان يسوع، إعلانهم: «نؤمن بإله واحد». إنه حقًا الخالق، إله إبراهيم وموسى، الإله الذي يخلص ويقيم عهدًا. ولكن من الآن فصاعدًا يعلن المسيحيون أنه أبا بمعنى جديد وأقوى بكثير لأنه، حتى قبل أن يكون خالقًا لجميع الناس وأب إسرائيل وملكها، كان دائمًا أبا لهذا الابن ـــ يسوع ــــ الذي أصبح واحدًا منا.

في العهد الجديد، يظل «الله» هو الاسم الصحيح للآب، ويشير دائمًا إلى الآب: «ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، بل بكل كلمة تخرج من فم الله». لكن الجديد المدهش هو أن الناس، بعد الفصح، نسبوا ليسوع نفسه لقب الله. «ربي وإلهي» يعلن توما (يو 20، 28). ممّا يسمح للإنجيلي أن يعلن من مقدمته: «الكلمة كان لدى الله، والكلمة هو الله» (يو 1، 1).

كما أعطت رسائل بولس مرارًا وتكرارًا ليسوع ألقاب الرب والله: «فإذا شَهِدتَ بِفَمِكَ أَنَّ يسوعَ رَبّ، وآمَنتَ بِقَلبِكَ أَنَّ اللّهَ أَقامَه مِن بَينِ الأَموات، نِلتَ الخَلاص» (روم 10: 9). من هنا، في قانون الإيمان، ظهر عنصر ثان، كنوع من مضاعفة الوحدة: الله واحد، والابن واحد، وهو الله معه وفيه.

وبما أن يسوع نفسه يتكلم، في خطاب الوداع، عن الروح كشخص، ينسب إليه أفعالًا شخصية (المجيء، والتعليم، والتذكير، والشهادة). ويقدمه على أنه شخص آخر، «معزي آخر».  لهذا السبب، دون إنكار أي شيء عن إيمان يسوع بالله الواحد، نؤمن بالآب والابن والروح القدس. وهذا لا يغير مفهومنا لله فحسب، بل يغير أيضًا مفهومنا للإنسان ودعوته بشكل جذري. عند هذه النقطة يمثل «التوحيد الثالوثي» للمسيحيين ثورة حقيقية.

التوحيد الثالوثي يعني أن نقول إن الله ليس وحيدًا، وأن حياة الله تتجه نحو الآخر، وأن حياة الله محبة. هكذا تبدو الحياة الإلهية مركزة تمامًا في هذا العطاء المتبادل من الآب للابن، ومن الابن للآب، في وحدة الروح القدس. في الله، هناك طريق واحد فقط للوجود، وهو «عطاء الذات». لأن «الله محبة» (1 يوحنا 4: 7)، يأتي الإنسان إلى الوجود بالمحبة، ولأن الله ليس منعزلاً، لن يكون الإنسان إنسان إلاَّ من خلال الاتحاد والتضامن.

 وفي العلاقة يصبح شخص، على غرار الأقانيم الثالوثية. هذه الشركة بين الآب والابن والروح القدس، هي أمر حيوي لحياتنا كإنسان وللحياة بين الناس أن نكتشف أنه «ما من أحد هو أحد بمفرده، بما فيهم الله».

 

 

SHARE