الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 2 تشرين الأول 2022. موعظة الأحد السابع والعشرين من الزمن العادي

2022-Oct-02 | عظات | 285

حب 1، 2-3؛ 2،2-4  2 تيم 1، 6-8. 13-14      لو 17، 5-10 

 

«وقالَ الرُّسُلُ لِلرَّبّ: زِدْنا إيماناً. فقالَ الرَّبّ: إِذا كانَ لَكم إِيمانٌ بِمقْدارِ حَبَّةِ خَردَل، قُلتُم لِهذِه التُّوتَة: اِنقَلِعي وَانغَرِسي في البَحر، فَأَطاعَتْك.  مَن مِنْكُم له خادِمٌ يحرُثُ أَو يَرعى، إِذا رجَعَ مِنَ الحَقْل، يَقولُ له: تَعالَ فَاجلِسْ لِلطَّعام! أَلا يَقولُ له: أَعدِدْ لِيَ العَشاء، وأشدد وَسَطَكَ واخدُمْني حتَّى آكُلَ وأَشرَب، ثُمَّ تَأكُلُ أَنتَ بَعدَ ذلِكَ وتَشرَب. أَتُراه يَشكُرُ لِلخادِمِ أَنَّه فعَلَ ما أُمِرَ به؟ وهكذا أَنتُم، إِذا فَعَلتُم جميعَ ما أُمِرتُم بِه فقولوا: نَحنُ خَدَمٌ لا خَيرَ فيهِم، وما كانَ يَجِبُ علَينا أَن نَفعَلَه فَعَلْناه».

الموعظة

لماذا يطلب التلاميذ في إنجيل اليوم من المسيح «زيادة الإيمان»؟ لأن اتباعه وترك كل شيء والمغفرة دون حساب، جعلهم يفهمون مدى صغر إيمانهم. لقد عرفوا منذ زمن طويل ابن الله، في يسوع المسيح. والآن ما يطلبونه هو أن يثقوا أكثر في هذا الحب الرحيم والأمين لله. في الواقع، الإيمان الراسخ والكامل وحده يمكنه أن يضع حياتهم كلها تحت علامة الرحمة والإخلاص.

ونحن مدعوين للثقة في أمانة الله هذه، التي دفعته ليسلم ذاته، للبشرية في كلمته. فالإيمان بالكلمة ليس موضوع كمية، إنه إعطاء «كلمة» للكلمة، إنه التزام دون تحفظ لمن كرس نفسه من أجلنا، دون التفكير في الأمر بعد الآن. لتوضيح هذا الأمر، يقوم يسوع بإجراء مقارنة مقنعة للغاية: الشجرة مرتبطة بقوة بالأرض وحتى العواصف لا تستطيع اقتلاعها.

وكل ما يتطلبه الأمر هو القليل من الإيمان ــــ صغير مثل حبة الخردل ـــــ لاقتلاعها. فالإيمان هو الثقة بالله بتواضع وبشكل كامل، وهو قبول مشروع محسوب على إمكانيات الله وليس على إمكانياتنا. فاحتمالات النجاح لا تعود إلى حجم قدراتنا ولكن إلى حجم محبة الله لنا والتي نؤمن بها. لدينا مثال معاصر مع الأم تيريزا، التي لم يكن لديها بالتأكيد أعمال مذهلة، إنما إيمان شجاع يُظهر أنه من قوة الإيمان تتدفق قوة الحب.

فعلت الأم تريزا أكثر من مجرد الذهاب وزرع الشجرة في البحر، بدأت بالاعتناء بالمحتضرين في كلوكتا وانقذت حشدًا لا يحصى من الفقراء، بمساعدة الآلاف من الأخوات الذين تبعوها وما زالوا يتبعونها. تمكنت من التعرف على المسيح في كل لعازر التقت به على الأرض، وبفضل إيمانها الذي هو مصدر الحب، عرفت كيف تعتني بالأكثر فقراً من بين الفقراء، حيث كان لمس جراح المريض مثل لمس جراح المسيح.

أظهرت الأم تريزا أنه توجد في الكنيسة خدمة المحبة، لأن الكنيسة لا يمكنها أن تكتفي بالتبشير، بل عليها أن تعيش الكلمة التي هي محبة. سمح لها إيمانها الراسخ والصلب أن تتخلى عن نفسها تمامًا للمسيح، في ثقة محبة لمن أفسحت له المجال ببساطة، ليصبح منزلها المقدس. وقد عبرت عن هذا الإيمان بشكل جيد في الصلاة التالية:

«يا رب أعطني الإيمان الذي يحرك الجبال ولكن بالمحبة. علمني ذلك الحب الذي يجد فرحه في الحقيقة، مستعدًا دائمًا للتسامح والإيمان والرجاء والتحمل. أخيرًا، عندما تتلاشى كل الأشياء الفانية ويصبح كل شيء واضحًا، اجعلني انعكاسًا ضعيفًا ولكن مستمرًا لحبك المثالي».

بعد التعليم عن قوة الإيمان، يتابع إنجيل اليوم بمثل موجز، لا يقصد فيه يسوع أن يصف سلوك الله تجاه الإنسان بل سلوك المؤمن تجاه الله: سلوك مستعد كلية، بدون حسابات وبدون ادعاء. الخدمة والمجانية هي السمات الأساسية للتلميذ الذي، مثله مثل أي شخص على وجه الأرض، يواجه

الفضيحة والخطايا ولكنه يعيش بالرحمة والمغفرة. هذا هو السبب في ضرورة تعزيز الإيمان باستمرار، أي معرفتنا بحب الله، والعيش في الخدمة والمكافأة، لأن المحبة والعدالة ليست فقط مسألة عمل تطوعي اجتماعي، بل هي عمل روحي يؤدى بنعمة الروح القدس.

القديسين ـــــ والأم تريزا هي أحدث مثال ـــــ اختبروا في حياتهم هذه الوحدة العميقة بين الصلاة والعمل، بين محبة الله والمحبة تجاه إخوتنا. أصبحت هذه المرأة مرسلة محبّة لأن إيمانها، المتين لدرجة مقاومة الجفاف وغياب العزاء الروحي، سمح لها أن ترى في يسوع أسمى تعبير عن محبة الله، ولكن أيضًا الذي نتحد معه لكي نكون قادرين على الإيمان.

بالنسبة لها، لم يكن الإيمان يتعلق فقط بالنظر إلى يسوع، بل رؤيته من وجهة نظره. فعلى الإيمان أن يكون بالنسبة لها، كما يجب أن يكون بالنسبة لنا، مشاركة في نظرة المسيح للحياة. كما يعلّم البابا فرنسيس: «الإيمان هو الاستماع والرؤية، وينتقل أيضًا ككلمة ونور»، لذلك، فإن عدم قبول العقائد ليس هو الأصعب، إنما الترحيب بالإيمان كحقيقة حيوية يتكلم وينير الحياة، بمعنى آخر يعطيها معنى.

باختصار، الإيمان ليس موقفًا فكريًا بحتًا، بل حياة، وبالتالي يدعو إلى الشهادة الشجاعة والخدمة المجانية. «مَن قالَ إِنَّه مُقيمٌ فيه وَجَبَ علَيه أَن يَسيرَ هو أَيضًا كما سارَ يَسوع» (1 يو 2، 6). ورسالة يعقوب تذكرنا بأن الإيمان بدون أعمال هو إيمان باطل وميت (يع 2،26)

SHARE