الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 23. اشرين الأول 2022. موعظة الأحد الثلاثين من الزمن العادي

2022-Oct-23 | عظات | 344

بن سيراخ 35، 12 – 18   2 تيم 4، 6 – 18   لو 18، 9 - 14  

 

في ذلك الزمان: ضرَبَ يسوعُ أَيضًا هذا المَثَل، لِقَومٍ كانوا مُستيقِنين أّنَّهم أَبرار، ويَحتَقِرونَ سائرَ النَّاس:  «صَعِدَ رَجُلانِ إِلى الهَيكَلِ لِيُصَلِّيا، أَحَدُهما فِرِّيسيّ والآخَرُ عَشّار.  فانتَصَبَ الفِرِّيسيُّ قائِمًا يُصَلَّي فيَقولُ في نَفْسِه: «الَّلهُمَّ، شُكرًا لَكَ لِأَنِّي لَستُ كَسائِرِ النَّاسِ السَّرَّاقينَ الظَّالمِينَ الفاسقِين، ولا مِثْلَ هذا العَشّار!  إِنَّي أَصومُ مَرَّتَيْنِ في الأُسبوع، وأُؤَدِّي عُشْرَ كُلِّ ما أَقتَني».أَمَّا العَشّار، فوَقَفَ بَعيدًا لا يُريدُ ولا أَن يَرَفعَ عَينَيهِ نَحوَ السَّماء، بل كانَ يَقرَعُ صَدرَهُ ويقول: «الَّلهُمَّ، ارْحَمْني، أَنا الخاطئ!». أَقولُ لَكم إِنَّ هذا نَزَلَ إِلى بَيتِه مَبرورًا وأَمَّا ذاكَ فلا. فكُلُّ مَن رَفَعَ نَفْسَه وُضِع، ومَن وَضَعَ نَفْسَهُ رُفِع»

الموعظة

هناك علاقة قوية بين نصوص الآحاد السابقة ونص اليوم. كما أن هذه النصوص تشكل جزء من وحدة متماسكة من إنجيل لوقا. منذ أسبوعين تأملنا في موقف البرص العشر الذين شفاهم يسوع حيث يقول للذي عاد ومجد الله: «قم فامض، إيمانك خلّصك». والأحد الماضي كان نص القاضي الظالم حيث يختم يسوع بسؤال: «متى جاء ابن الإنسان، أفتراه يجد الإيمان على الأرض؟».

وبين النصين هناك مقطع مهم يدور حول مجيء الملكوت حيث يسأل الفريسيون يسوع عن زمن مجيء الملكوت، ويسوع يجيب أولاً بأن السؤال الحقيقي هو من يأتي؟ والجواب هو يسوع نفسه، وبالتالي الإيمان يعني قبل كل شيء استقبال الملكوت، استقبال يسوع. فالاستقبال هو جزء مهم من الإيمان المسيحي وهذا ما نراه في استقبال إبراهيم المميز لزواره الثلاث الذين أتوا إليه. والذين أصبحوا فيما بعد رمزاً للثالوث في إحدى الأيقونات المهمة لروبليف.

لقد استقبلهم إبراهيم على أنهم مرسلون من الله. فعندما نستقبل الآخر نستقبل الله. إذن يريد يسوع في هذه الأيام أن يكلمنا عن الإيمان. ونص اليوم يبين لنا الفارق المهم بين موقف من يعيش بحسب الشريعة وموقف من يعيش بحسب الإيمان أو بحسب الروح. «صعد رجلان إلى الهيكل ليصليا». وعندما عادا إلى بيتهما، أصبح الواحد منهم بارّاً والآخر لا! يسوع حسم الموقف كالقاضي. يأخذ موقفاً واضحاً من الصلاتين. الفريسي قال الحقيقة، فهو بحسب الشريعة ليس بسارق ولا بزاني، لكنه في الوقت نفسه لا يريد أن يقول كلّ الحقيقة.

لا يريد أن يسلّم نفسه لله لكي يصنع الحقيقة فيه. فشكره انغلق على ذاته وبالتالي يظهر سريعاً على أنه شكر كاذب! من جهته العشّار كان كليّة في موقف المتضرع. لقد اعترف بأنه خاطئ دون مؤاربة لا على ذاته ولا على الآخرين. ويسوع يرى في موقفه مغفرة الله التي وحدها تبرر الإنسان. الفريسي أخذ الشريعة معلماً له. فهو يطبقها حرفياً، ولكن لا ليُعجِب الله، إنما ليُظهر ذاته ويحكم على الآخرين.

في الهيكل، يرفع نظره إلى العلاء «السماء» لكنه يراقب كل شيء «لا شيء يفوته ممّا يجري حوله»: يحتقر العشّار الذي دخل الهيكل وبقي عن بعد. والعشّار عندما يصلي لا يجرؤ أن يرفع نظره إلى فوق. يقرع صدره وعلى صواب! إنه سارق ولا شكّ فالعشارين كانوا جباة ضرائب يفرضون على الناس ما يريدون ويعطوا جزء منه للدولة الرومانية والباقي يعود إليهم.

«اللهم شكراً لك...» يقول الفريسي. الآخرون يباركونك لأنك أعطيتهم ما لا يستحقونه. أمّا أنا، فلدي ما يدفعني لشكرك: «إني لست كسائر الناس». يطلبون المغفرة لأنهم خطأة، وأنا أمجد ذاتي، أشكر ذاتي لأنني إنسان بارّ. ليس لدي ما أطلبه منك، سوى القليل من الاعتراف. في هذه الصلاة الكاريكاتيرية، «أنا» الفريسي احتلت المكان كليّة. لقد وضع ذاته مكان الله، البارّ الوحيد والقدوس. الشريعة تحد الإنسان ولا تترك مساحة للمبادرات الشخصية. فمن يعيش بحسبها ينغلق على ذاته ويقع في فخ المقارنة معتبراً ذاته على أنه الأفضل «لست كسائر الناس».

واليوم هناك من يقول «إننا أبناء الكنيسة» مما يعود للأمر عينه: لسنا كسائر الناس! هذا الموقف ينتهي بالجمود، بالموت إن صح التعبير وبالتالي لا وجود فيه للنمو والانفتاح والتطور. وهذا هو موقف الفريسي وكل من يعيش بحسب حرفية الشريعة. بقدر ما الفريسي على يقين من حقه، بقدر ما العشّار يعترف بأنه غير مستحق. وهذه هي قوة صرخته: «ارحمني يا رب لأنني رجل خاطئ».

لم ينتصب، لم يرفع لا ذاته ولا صوته، لكن تضرعه المتواضع خالٍ من كل ادعاء. عندما يصرخ الفقير يصغي الله إليه ويخلصه يقول لنا الكتاب المقدس. عندما عاد العشّار إلى بيته، أصبح إنساناً جديداً يقول لنا يسوع، عاش ولادة جديدة، قيامة: يعطي ذاته لله وللآخرين. كيف عاش حياته الجديدة، حياة الاهتداء؟ كيف اعتدلت علاقاته؟ المثل لا يقول لنا شيء عن ذلك.

كما أنه لا يقول لنا فيما إذا اهتدى الفريسي لاحقاً أم لا. واليوم سمعنا فريسي آخر: القديس بولس، فريسي من بين كبار المهتدين. لقد كان مفتخراً بفريسيته، بمحافظته على الشريعة، واثقاً على أنه إنسان بارّ. لقد سبق له أن وافق على رجم اسطفانس حتى الموت؛ وعلى طريق دمشق ظهر له يسوع وجعل منه شاهداً له بين الأمم الوثنية. لقد سلّم بولس ذاته ليسوع وأصبح من بين الأوائل الذين نقلوا لنا الإيمان المسيحي «لست أنا الذي يحيا بل المسيح يحيا فيّ».

كتلميذ ليسوع لم يتوقف بولس عن شكره لله. لقد استقبل من الله كل من رسالته وصلاته والمحن التي عاشها على أنها امتحان للحب. في نهاية رسالته وفي ليلة إعدامه، لم يفقد افتخاره بفريسيته: «جاهدت جهادا حسنا وأتممت شوطي وحافظت على الإيمان»، لكنه تخلى عنه ليقدمه للمسيح، لمن خلّصه، ليضعه في خدمة الكلمة «لقد أعددت كل شيء هباء في سبيل المسيح».

بالنسبة لبولس، المجد والرجاء هم واحد في المسيح؛ ماضيه وحاضره ومستقبله هم في الله: «ولكن الرب كان معي وقواني لتعلن البشارة عن يدي على أحسن وجه... ويخلصني فيجعلني لملكوته السماوي. له المجد أبد الدهور». لقد تخلى الجميع عن بولس، كالمسيح على الصليب، لكنه لم يدين أحداً على مثال معلمه، بل تضرع من أجلهم: «عساهم لا يحاسبون على ذلك!». فهل هذا يعني إلغاء الشريعة؟ حتما لا!

إنما نحن مدعوين لنعيش لا بحرفية الشريعة إنما بروح الشريعة. فالشريعة شيء وروح الشريعة شيء آخر بمعنى أن من يعيش روح الشريعة يبتعد عن الحرف أولاً ثم يُدرك بأن الشريعة في خدمة الإنسان وليس العكس «إن السبت جُعل للإنسان، وما جُعل الإنسان للسبت». في كل إفخارستيا، نعترف بأننا خطأة ونطلب المغفرة من الله. فلا وجود لطريق آخر للاتحاد بجسد المسيح وللدخول في شكره ورسالته. ويسوع يشدد على أن لا خلاص خارجاً عن التوبة.

فالتوبة هي طريق استقبال مغفرة الله لنا والتي هي دائمة ومستمرة «إن لم تتوبوا تهلكوا بأجمعكم». فالكنيسة الجامعة، وجماعتنا هنا تدعونا للخروج للشهادة من أجل الإنجيل. بولس والعشّار فتحا لنا الطريق.

 

SHARE