الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 22 كانون الثاني 2023. موعظة الأحد الثالث من الزمن العادي

2023-Jan-22 | عظات | 262

أش 9، 1 – 4    1قور1، 10 – 1     متى 4، 12 – 23   

 

«في ذلكَ الزَّمان: بلَغَ يسوعَ خَبرُ اعتِقالِ يوحنَّا، فلَجأَ إِلى الجَليل. ثُمَّ تَركَ النَّاصِرة وجاءَ كَفَرْناحوم على شاطِئِ البَحرِ في بِلادِ زَبولونَ ونَفْتالي فسَكَنَ فيها، لِيَتِمَّ ما قيلَ على لِسانِ النَّبِيِّ أَشَعْيا: «أَرضُ زَبولون وأَرضُ نَفْتالي طَريقُ البَحرِ، عِبرُ الأُردُنّ، جَليلُ الأُمَم. الشَّعبُ المُقيمُ في الظُّلْمَة أَبصَرَ نُورًا عَظيمًا والمُقيمونَ في بُقْعَةِ المَوتِ وظِلالِه أَشرَقَ عليهمِ النُّور». وبَدَأَ يسوعُ مِن ذلك الحِين يُنادي فيَقول: «تُوبوا، قدِ اقتَربَ مَلكوتُ السَّمَوات». وكانَ يسوعُ سائرًا على شاطِئِ بَحرِ الجَليل، فرأَى أَخَوَيْنِ هُما سِمعانُ الَّذي يُقالُ له بُطرُس وأَندَراوسُ أَخوهُ يُلقِيانِ الشَّبَكةَ في البَحر، لأَنَّهما كانا صَيَّادَيْن. فقالَ لَهما: «اِتْبَعاني أَجعَلْكما صَيَّادَيْ بَشر». فتَركا الشِّباكَ مِن ذلك الحينِ وتَبِعاه. ثُمَّ مَضى في طَريقِه، فرأَى أخَوَيْن، هُما يَعْقُوبُ ابنُ زَبَدَى، ويُوحَنَّا أَخوهُ، معَ أَبيهِمَا زَبَدى في السَّفينَة، يُصلِحانِ شِباكَهما، فدَعاهما. فَتَركا السَّفينَةَ وأَباهُما مِن ذلك الحينِ وتَبِعاه. وكانَ يَسيرُ في الجَليلِ كُلِّه، يُعَلِّمُ في مَجامِعِهم ويُعلِنُ بِشارَةَ المَلَكوت، ويَشْفي الشَّعبَ مِن كُلِّ مَرَضٍ وعِلَّة».

 

الموعظة

«بدأ يسوع ينادي» يقول إنجيل اليوم. هذه هي الطريقة التي يقدم بها الإنجيلي متى رسالة يسوع. هو، كلمة الله، جاء ليتحدث إلينا بكلماته وحياته. وبالتالي، يمكننا أن نتساءل عن أصول رسالة يسوع. يساعدنا إنجيل اليوم على القيام بذلك فهو يقول لنا كيف وأين ولمن بدأ يسوع رسالته. كيف بدأت؟

بعبارة بسيطة جدًا: «توبوا، فقد اقترب ملكوت السماوات». هذه الجملة هي أساس كل خطاباته: أولاً ملكوت الله، يعني طريقته في الحكم، في تقديم ذاته أمامنا. ملكوت السموات قريب، أي أن الله قريب. هذا هو الجديد: الله ليس بعيدًا، فمن ساكن في السماوات نزل إلى الأرض، وصار إنسانًا. أزال الحواجز والمسافات.

جاء لمقابلتنا دون أي استحقاق منا. وقرب الله من شعبه هو عادته منذ البداية. سفر التثنية يقول: «أيَّةُ أُمَّةٍ عَظيمةٍ لَها آلِهةٌ قَريبةٌ مِنها كالرَّبِّ إِلٰهِنا في كُلِّ ما نَدْعوه؟» (تث 4، 7). وهذا القرب صار جسداً في يسوع. إنها رسالة فرح: لقد جاء الله لزيارتنا شخصيًا وصار إنسانًا. لم ينتزع حالتنا البشرية من منطلق الشعور بالمسؤولية، بل بدافع الحب.

بدافع الحب أخذ إنسانيتنا، لأننا نأخذ ما نحبه. لقد أخذ الله إنسانيتنا لأنه يحبنا ويريد أن يمنحنا الخلاص الذي لا يمكننا الحصول عليه وحدنا. يريد أن يسكن معنا، ليمنحنا جمال الحياة، وسلام القلب، وفرح الغفران والشعور بالحب. لذلك نحن نفهم دعوة يسوع المباشرة: «توبوا»، أي غيروا حياتكم لأن هناك طريقة جديدة للعيش قد بدأت: لقد انتهى زمن العيش من أجل الذات، وبدأ زمن العيش مع الله ومن أجل الله، مع الآخرين ومن أجل الآخرين، بالحب.

واليوم، يكرر لنا يسوع أيضًا: «تشجعوا، أنا قريب منكم، أعطوني مكاناً وستتغير حياتكم!». إنه يقرع الباب. هذا هو السبب في أن الرب يعطينا كلمته، حتى نستقبلها كرسالة حب كتبها لنا، لتجعلنا نشعر أنه قريب منا. فكلمته تريحنا وتشجعنا. وفي الوقت نفسه تثير الاهتداء، وتهزنا، وتحررنا من شلل الأنانية. لأن كلمته لها هذه القوة: تغيير الحياة، والعبور من الظلمة إلى النور.

لقد بدأ يسوع رسالته، من المناطق التي اعتُبرت «مظلمة». القراءة الأولى والإنجيل يحدثونا، في الواقع، عن ذلك: «أرض زبولون وأرض نفتالي... جليل الأمم. الشعب المقيم في الظلمة أبصر نوراً عظيماً». جليل الأمم: كانت المنطقة التي بدأ فيها يسوع رسالته تُسمى هكذا لأنها كانت مأهولة من قبل شعوب مختلفة، وكانت مزيجًا حقيقيًا من الشعوب واللغات والثقافات.

عاش فيها خطأة وتجار وأجانب: من الواضح أنها لم تكن مكان الطهارة الدينية بنظر الشعب المختار. ومع ذلك، بدأ يسوع هناك: لا عند مدخل الهيكل في أورشليم، بل في جليل الأمم، في منطقة حدودية. لقد بدأت رسالته في الضواحي. أي أن الكلمة التي تنقذنا لا تذهب بحثًا عن أماكن محفوظة ومعقمة وآمنة. تذهب إلى تعقيداتنا، إلى ظلامنا. اليوم مثل الأمس، يريد الله أن يزور تلك الأماكن التي نعتقد أنه لن يذهب إليها.

كم مرة نحن، على العكس من ذلك، نغلق الباب مفضلين إخفاء ارتباكنا وغموضنا وازدواجيتنا. نغلق عليها في داخلنا ونذهب إلى الله ببعض الصلاة الرسمية، مع الحرص على ألا تهزنا حقيقته في الداخل. وهذا نفاق خفي. لكن يسوع، يقول إنجيل اليوم «كانَ يَسيرُ في الجَليلِ كُلِّه، يُعَلِّمُ في مَجامِعِهم ويُعلِنُ بِشارَةَ المَلَكوت، ويَشْفي الشَّعبَ مِن كُلِّ مَرَضٍ وعِلَّة». في جميع أنحاء هذه المنطقة المعقدة والمتعددة الأوجه.

وبالمثل، فهو لا يخشى استكشاف قلوبنا، وهي أصعب أماكننا وأصعبها. إنه يعلم أن غفرانه وحده يشفينا، وأن حضوره وحده هو الذي يغيِّرنا، وأن كلمته هي وحدها التي تجددنا. فلندع كلمته تدخل إلينا، «كلام الله حَيّ ناجِع، أَمْضى مِن كُلِّ سَيفٍ ذي حَدَّين، يَنفُذُ إِلى ما بَينَ النَّفْسِ والرُّوحِ، وما بَينَ الأَوصالِ والمِخاخ، وبِوُسْعِه أَن يَحكُمَ على خَواطِرِ القَلْبِ وأَفكارِه (عب 4، 12).

أخيرًا، أول من نتحدث إليهم يسوع كانوا صَيَّادَيْن. فقالَ لَهما: «إتْبَعاني أَجعَلْكما صَيَّادَيْ بَشر». لم يتم اختيار الأشخاص بعناية وفقًا لقدراتهم أو الأتقياء الذين كانوا في الهيكل يصلون، إنما الأشخاص العاديين. «سأجعلكم صيادي بشر». يتحدث إليهم مستخدماً لغة يفهمونها. يجذبهم انطلاقاً من حياتهم: يدعوهم حيث هم وكما هم، لإشراكهم في رسالته.

«وتركا الشباك من ذلك الحين وتبعاه». لماذا على الفور؟ ببساطة

لأنهم شعروا بالانجذاب. لم يلبوا دعوتهم لأنهم تلقوا أمرًا، ولكن لأنهم انجذبوا إلى الحب. لاتباع يسوع لا يكفي الحسم والقرار، إنما يجب أن نستمع إلى دعوته كل يوم. هو وحده الذي يعرفنا ويحبنا بشدة ويجعلنا نبحر في بحر الحياة. كما فعل مع التلاميذ الذين استمعوا إليه.

لهذا نحتاج إلى كلمته: أن نصغي، وسط آلاف الكلمات كل يوم، إلى هذه الكلمة الواحدة التي لا تتحدث إلينا عن الأشياء، بل عن الحياة. آنذاك، نكتشف أن الله قريب، وأنه ينير ظلامنا، وبالمحبة يقود حياتنا إلى البحر المفتوح.

SHARE