الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 7 أيلول 2025. موعظة الأحد الثالث والعشرين من الزمن العادي

2025-Sep-07 | عظات | 115

حك 9، 13 – 18     فيلمون 9 – 17   لو 14، 25 -33  

«وكانت جُموعٌ كثيرَةٌ تَسيرُ مَعَه فَالتَفتَ وقالَ لَهم: مَن أَتى إِلَيَّ ولَم يُفَضِّلْني على أَبيهِ وأُمِّهِ وامَرأَتِه وبَنيهِ وإِخوَتِه وأَخواتِه، بل على نَفسِه أَيضاً، لا يَستَطيعُ أَن يكونَ لي تِلميذاً ومَن لم يَحمِلْ صَليَبهُ ويَتبَعْني، لا يَسْتَطيعُ أَن يكونَ لي تِلميذاً. فمَن مِنكُم، إذا أَرادَ أَن يَبنِيَ بُرجاً، لا يَجلِسُ قَبلَ ذلِكَ ويَحسُبُ النَّفَقَة، لِيَرى هل بِإِمكانِه أَن يُتِمَّه، مَخافَةَ أَن يَضَعَ الأَساسَ ولا يَقدِرَ على الإتمام، فيأخُذَ جَميعُ النَّاظِرينَ إِلَيه يَسخَرونَ مِنه ويقولون: هذا الرَّجُلُ شَرَعَ في بِناءٍ ولَم يَقْدِرْ على إِتْمامِه. أَم أَيُّ مَلِكٍ يَسيرُ إِلى مُحارَبَةِ مَلكٍ آخَر، ولا يَجلِسُ قَبلَ ذلك فيُفَكِّرُ لِيَرى هل يَستَطيعُ أَن يَلْقى بِعَشَرَةِ آلافٍ مَن يَزحَفُ إِلَيه بِعِشرينَ أَلفاً؟  وإِلاَّ أَرسَلَ وَفْداً، مادام ذَلك المَلِكُ بعيداً عنه، يَسْأَلُه عن شُروطِ الصُّلْحِ. 
 وهكذا كُلُّ واحدٍ مِنكم لا يَتَخَلَّى عن جَميعِ أَموالِه لا يَستَطيعُ أَن يكونَ لي تِلْميذاً»

الموعظة

في الحقيقة الترجمة الحرفية للنص من اللغة اليونانية، بما أن الإنجيل كتب فيها، تقول: «من لم يحتقر أباه، أمه، الخ»، وهذا يعقد الموضوع أكثر ويزيد من الشعور بالرفض والثورة في داخلنا. على الرفض والثورة يأتي الشعور بالشك. لا يمكن للمسيح أن يطلب منّا احتقار أقربائنا، هو من أعلن، في إنجيل متى، بأن إرادة الله تتطلب إكرام الأب والأم (متى 15، 6).

ولاحقاً يستند إلى سفر التكوين، ليتكلم عن اتحاد الرجل بالمرأة على أنه من عمل الله نفسه (19، 5 - 6). وبالتالي ماذا تعني كلمة الاحتقار التي تناقض مجمل تعليم المسيح؟ مبالغة نراها في كتب الأنبياء، كذلك عندما يتكلم عن اقتلاع العين أو قطع الرجل أو اليد (5، 29 - 30). بدون شك، الترجمة بكلمة تفضيل جيدة، وتعني أن نعطي الأولوية.

أقل صدمة، لكنها تبقى كلمة قاسية على السمع، كما في إنجيل متى حيث يدعو يسوع لحب دائماً أكثر. لكي نبدأ بفهم هذا الأمر، علينا ألا ننسى بأن نص إنجيل اليوم هو جزء من مسير يسوع نحو القدس، نحو الصلب. هنا على يسوع أن يتخلى عن كل شيء، أن يقبل بأن يفقد كل شيء. سيفضلنا على كل ما يمكن للخليقة أن تقدمه له. إنه يجعلنا نعبر قبل حياته الشخصية.

فالمجيء إليه لا يقودنا إلى نقطة محددة، نقطة وصول، بل يعني السير على خطاه، اتباعه حيثما يذهب. أب، أم، زوج، زوجة، أطفال، أخوة، أخوات: مجمل المحيط الطبيعي، كل الجذور، كل ما لدينا في الحياة ويساعدنا على تحديد مكاننا وهويتنا ومراجعنا. كل ما يحمل لنا، أو يمكنه أن يحمل لنا الأمان والضمان. ويسوع يستعمل اللغة عينها بخصوص الغنى.

يمكننا ملاحظة الناحية التملكية: أباه، أمه، امرأته... ويمكننا أن تساءل فيما إذا كان يسوع يطلب منّا بكل بساطة التخلي عن مواقفنا التملكية، المرتبطة بالتحديد بهوسنا بالأمان والذي لا يستند على الحب الذي يجعلنا نوجد، إنما على ما نمتلكه. كما يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل قورنتس، حيث علينا أن نمتلك كما لو أننا لا نملك:

«أَقولُ لَكُم، أَيُّها الإِخوَة، إِنَّ الزَّمانَ يَتَقاصَر: فمُنذُ الآن لِيَكُنِ الَّذينَ لَهمُ اَمرَأَةٌ كأَنَّهم لا امرَأَةَ لَهم، والَّذينَ يَبْكون كأَنَّهم لا يَبْكون، والَّذينَ يَفرَحون كأَنَّهم لا يَفرَحون، والَّذينَ يَشتَرون كأَنَّهم لا يَملِكون..... لأن صورة هذا العالم في زوال» (1 قور 7، 29 - 31). هنا نلتقي بخبرة مريم ويوسف في إنجيل لوقا عندما أخذ منهم سمعان الشيخ يسوع، إن صح التعبير، ليجعل منه «نور الأمم ومجد إسرائيل» (لو 2، 29 - 35).

لدينا المشهد عينه عندما فقدت مريم ويوسف يسوع لمدة ثلاثة أيام بينما كان متفرغاً لأمور أبيه (لو 2، 41 - 50). ولكن هذا لا يمنعه من العودة معهم إلى الناصرة ويبقى طائعاً لهما. باختصار، دون أن ينتمي إليهم، يعيش معهم حياة طبيعية، في علاقة حقيقية لكنها حرة، غير تملكية. من المستحيل السعي لعيش هذه المواقف من باب الإرادة.

فهناك طريق واحد للوصول إليها وهو النظر إلى يسوع واختيار اتباعه أو بشكل أدق، عيش ما تحمله لنا الحياة، والحرمانات، أحياناً القاسية، التي تفرضها علينا بتبنينا لمواقف المسيح. في الواقع، تفضيل المسيح على كل أقربائنا يأخذ معنى جديد عندما نفهم بأن هذا التفضيل يكمن في تبني اختياره بأن يعطي حياته في سبيل «أصدقائه»، في سبيل من يحبهم.

وبحسب مفارقة تتكرر في الأناجيل، عندما نتخلى عما نسميه حب نصل إلى الحبّ الحقيقي. فنحن لا نحبّ بالفعل أقربائنا إلاَّ عندما نضع المسيح فوق كل شيء. وخاصة فوق حياتنا الشخصية. وكما أننا نصل إلى الحبّ الحقيقي لأقربائنا بتخلينا عن الحبّ التملكي، فنحن مدعوين لنتحرر من تصور معين للحياة لنصل إلى الحياة الحقيقية، الحياة التي تتجاوز الموت.

هذا الموت الذي يسير إليه المسيح بعطائه لحياته. فبعطائه لها يخلصها. في النهاية، نحن مدعوين لنفضل المسيح على كل شيء وعلى الجميع لنجده مجدداً ونحبه في الجميع، بدءً بأقربائنا. آنذاك يجد حبّنا حقيقته بانغماسه في الاحترام، مخافة الله التي يحدثنا عنها الكتاب المقدس. فالسير على خطى المسيح يلزمنا بترك الضمانات الموجودة، وعن الخير المعروف الذي لا يمكن أن يفاجئنا ونسيطر عليه، مدعوين للتخلي عن المحيط الإنساني الذي نعتقد أننا نسيطر عليه لكنه قادر على أن يغلقنا فيه. بانفتاحنا على مستقبل المسيح، نحرر أيضاً أقربائنا ليستطيعوا بدورهم أن يستقبلوا ما يأتي.

SHARE