موعظة يوم الأحد 14 أيلول 2025. موعظة الأحد الرابع والعشرين من الزمن العادي
عد 21، 4- 9 فيل 2، 6- 11 يو 3، 13-17
فما مِن أَحَدٍ يَصعَدُ إِلى السَّماء إِلَّا الَّذي نَزَلَ مِنَ السماءء وهو ٱبنُ الإِنسان. وكما رَفَعَ مُوسى الحَيَّةَ في البَرِّيَّة
فكذٰلِكَ يَجِبُ أَن يُرفَعَ ٱبنُ الإِنسان لِتَكونَ بِهِ الحَياةُ الأَبديَّةُ لِكُلِّ مَن يُؤمِن. فإِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ حتَّى إِنَّه جادَ بِٱبنِه الوَحيد لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة فإِنَّ اللهَ لَم يُرسِلِ ٱبنَه إِلى العالَم لِيَدينَ العالَم
بل لِيُخَلَّصَ بِه العالَم.
الموعظة
بدايةً، عيد الصليب يعتبر عيد مهم في الكنيسة، إنه علامة المسيحي بالإضافة لكونه مرتبط بأمور تاريخية سياسية تتعلق بوضع الكنيسة في فترة معينة لكن الوقت لا يسمح لنا بالدخول فيها. المهم هو ما يقوله لنا إنجيل اليوم وما يعني لنا الصليب بالمعنى اللاهوتي والإيماني. دون شك الصليب هو دعوتنا: من أراد أن يتبعني ليكفر بنفسه وليحمل صليبه ويتبعني. ولكن ماذا تعني بالحقيقة هذه الآية الكتابية؟ أولاً تعبر عن حرية الدعوة: من أراد أن يتبعني. لم يمارس المسيح أي ضغط على أحد ولم يُلزم أحداً بإتباعه وهذا أمر مهم للغاية.
كلنا نعلم صعوبة قبولنا لحرية الآخر، أياً كان. وبشكل خاص قبول حريته في الإيمان. الأهل عموماً لديهم صعوبة كبيرة عندما يرون أحد أبنائهم يرفض الذهاب إلى الكنيسة والمشاركة في القداس. لا شك أنهم يتصرفون هكذا من باب حبهم لأولادهم وقناعتهم بأهمية الإيمان والصلاة وهذا صحيح. لكن لا يحق لنا أن نُلزم أحداً بالإيمان. فالإيمان موضوع حرية. الكتاب المقدس والكنيسة يقولان لنا أهمية ودور الضمير في هذا الأمر. لا يحق للمسيحي أن يخالف ضميره مهما كان الأمر.
النص يقيم مقارنة بين عصا موسى وصليب المسيح. هذه المقارنة تبين لنا كيف يعمل الله في الواقع. الله قادر على أن يحول الموت إلى حياة، أن يجعل من سبب الموت مصدر حياة. لدى مسيرة شعب العهد القديم كانت هناك حيّاة لاذعة وكل من تلسعه هذه الحيّاة يموت. وعندما يتدخل موسى بالقرب من الله يطلب منه أن يصنع حيّة برونزية وكل من ينظر إليها وقد لسعته الحية يحيا. كذلك الأمر صليب المسيح كان سبب موت واليهود اعتقدوا أنهم قضوا على المسيح، على مصدر الحياة. لكن صليب المسيح تحول إلى مصدر حياة وخلاص، مصدر حياة أبدية.
بهذه الطريقة جعل الله من الموت مجرد عبور، أي فصح. وهذا ما سمعناه من الرسالة إلى أهل فيليبي: قبول يسوع التاريخي لصليبه حبّاً جعله ينتصر على الموت ويصبح مسيحاً، أي ملكاً. اعتدنا أن نقول بأنه على المسيحي أن يحمل صليبه وارتبط مفهوم الصليب بالألم. وتعلمنا في التعليم المسيحي أنه عندما نتألم علينا أن نقول: مع آلامك يا يسوع! فليكن ولكن هل هذا يعني أننا مدعوين للألم؟ حتماً لا!
دعوتنا هي دعوة إلى الحب وبالتالي إلى الفرح. أولاً أن نقول مع آلامك يا يسوع هذا يعني أنه باستطاعتي إن أردت أن أحول آلامي إلى مشاركة مع المتألمين بهذا المعنى يقول بولس أنني أتمم ما نقص من آلام المسيح. ثانياً صليب المسيح لم يكن صليب الألم لأن المسيح أتى بيننا ليناضل معنا، لا مكاننا، ضد الألم. لكنه قبل الألم حباً بنا وبالتالي كشف لنا وجه الله الحقيقي: فصورة الله الكاذب والأناني الذي لا يريد الحياة للإنسان التي زرعتها الخطيئة فينا، صححها المسيح بصليبه وكشف لنا بأن الله يحبنا ويحبنا حتى الموت.
ما هو مهم في موت المسيح، قيمة موت المسيح لا تكمن في كمية الآلام التي تحملها، إذ يمكننا أن نتخيل أعظم منها. ما يعطي قيمة لهذا الموت، هو أنه بالرغم من معرفته له على أنه أمر حتمي، من هذا الموت الذي سيمارس عليه من قبل البشر، والذي هو نتيجة طبيعية لما قاله وفعله، من هذا الموت الذي هو بحد ذاته جريمة، يجعل المسيح منه (من هذا الموت) عطاء حراً. في اللحظة التي ستنتزع منه حياته نسمعه يقول: «حياتي ما من أحد يستطيع أن يسلبني إياها، فلي أن أبذلها ولي أن أستردها وهذا الأمر تلقيته من أبي».
من هذه الحياة المبذولة بحرية يجعل علامة لحب أعظم، لأكبر حب ممكن أن نشاهده أو نسمع به. إذا كان بالفعل لا قيمة للآلام بحد ذاتها، فيسوع يبين لنا ما يمكن أن نصنع منها عندما توجد ومهما كانت الظروف. علينا أن نفهم هذا بشكل جيد: على مثال المسيح، كل جسد متألم، مريض أو مجروح يكشف لنا بأن الإنسان هو حرية.
إذا أصبت بمرض خطير، أو داهمني السن، ماذا أعمل؟ هل سأثور؟ هل سأناضل؟ كيف يمكنني أن آخذ هذا الأمر على عاتقي؟ هل سأستسلم على أنه قدر لا يمكن مقاومته؟ أم سأحاول أن أعطي معنى لما ليس له، من معنى؟
في رأي، ما هو مكشوف في حالات الجسد المتألم هو عظمة الحرية التي ليس لها من ثمن. عظمة الإنسان معبر عنها هنا، أي أن المعنى لا يكمن في الأشياء، إنما علينا نحن أن نعطي المعنى، لما ليس له معنى.