الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 12 تشرين الأول 2025. موعظة الأحد الثامن والعشرين من الزمن العادي

2025-Oct-12 | عظات | 90

2 مل 5، 14 – 17      2 تيم 2، 8 – 13     لو 17، 11 – 19  

 

«وبَينَما هو سائِرٌ إِلى أُورَشَليم، مَرَّ بِالسَّامِرَةِ والجَليل. وعِندَ دُخولِه بَعضَ القُرى، لَقِيَه عَشَرَةٌ مِنَ البُرْص، فوقَفوا عن بعد ورَفعوا أًصواتَهم قالوا: "رُحْماكَ يا يسوع أَيُّها المُعَلِّم!" فلَمَّا رآهُم قالَ لَهم: "اُمضُوا إِلى الكَهَنَةِ فَأَرُوهُم أَنفُسَكم". وبَيْنَما هُم ذاهِبونَ بَرِئوا فلمَّا رأَى واحِدٌ مِنهُم أَنَّه قد بَرِئَ، رجَعَ وهُو يُمَجِّدُ اللهَ بِأَعلَى صَوتِه، وسَقَطَ على وَجهِه عِندَ قَدَمَي يَسوعَ يَشكُرُه، وكانَ سامِرياً. فقالَ يسوع: "أَليسَ العَشَرَةُ قد بَرِئوا ؟ فأَينَ التِّسعَة ؟ أَما كانَ فيهِم مَن يَرجعُ ويُمَجِّدُ اللهَ سِوى هذا الغَريب؟" ثُمَّ قالَ له: "قُمْ فامضِ، إِيمانُكَ خَلَّصَكَ"».

 

الموعظة

الامتنان، الاعتراف بالجميل ليسوا بالأمر السهل على قلب الإنسان. والشكر ليس بالأمر البديهي، ولذلك علينا أن نعلّم الشكر للطفل، تعلّم صعب في أغلب الأحيان، بقدر ما يبدو له أن ما يستقبله، ما نعطيه إياه، الاهتمام والعطف اللذان يحظى بهما والعناية التي نؤمنها له، أمر بديهي وطبيعي لا يتطلب أبداً الشكر والاعتراف. فالشك والشكوى يشكلان الموقف العفوي لدى أغلبية الناس: فنحن نقارن دائماً أنفسنا بالآخرين، ولكن لكي نشتكي من عدم حصولنا على حظهم المرغوب، على صعيد الصحة، والغنى، والسمعة، والعطف.

مجتمع اليوم يدعم هذه النزعة عندما يقول لنا بأن لدينا حقوق، حقوق علينا المطالبة بالاعتراف بها، حقوق يجب تلبيتها في كل لحظة بما أن هذه الحقوق هي أمر بديهي فلا تتطلب الشكر والاعتراف، وخاصة لا تتطلب أيّ مقابل. إنجيل اليوم يدعونا لهذا الموقف العفوي للشكر والامتنان. واحد فقط من البرص العشر يعود ليمجد الله ويشكره. أمّا التسعة الآخرين اختفوا، تبخروا في الطبيعة إن صح التعبير.

يمكننا أن نتصورهم يقولون بأن شفائهم في النهاية أمر عادل لا بل واجب من خلاله انتهى إقصاؤهم من المجتمع وأن كل شيء عاد كما في السابق وأن على الله أن يصحح الأخطاء التي خضعوا لها عن غير حق. إنهم ضمن حقوقهم التي كانت مهضومة مطولاً دون زيادة أو نقصان. فلماذا الشكر على إعادة ما هو حق وانخراطهم في المجتمع؟ واحد فقط لم يعتبر شفاؤه أمر بديهي. واحد فقط عبّر عن شكره واعترافه. واحد فقط انفصل عن المجموعة ليمجد العمل الذي خلّصه.

الشكر والاعتراف ليسوا بالأمر العفوي لدينا، كما هو الحال لدى البرص التسعة. ومع ذلك القديس اغناطيوس دي لويولا في تمارينه الروحية، يعلن بأن الإنسان خُلق ليمجد الله ويخدمه. إنه خُلق ليمجد، وهذا هو الشرط الأساسي لخدمة الله إلاَّ إذا كنّا في موقف الخادم والعبد. فالإنسان لا يستطيع أن يخدم الله بحرية إلاّ إذا شكره، إلاّ إذا كانت خدمته هي استمرارية لهذا التمجيد، إلاّ إذا كانت خدمته هي بحد ذاتها تمجيد.

ما يقوله القديس اغناطيوس يذهب بعيداً لدرجة أنه لا يقول علينا شكر الله من وقت لآخر، ألا ننسى شكره من بعيد كما هو حال البرص التسعة. بل يقول بأننا خُلقنا للتمجيد، وأن التمجيد هو ما يكوننا في علاقتنا مع الله، وبالتالي عليه أن يشكل مناخ حياتنا. بدون التمجيد تفقد الحياة المسيحية معناها، لأن التمجيد هو الذي يجعلنا نبارك ونرتل لله، نبارك ونرتل للحياة التي نستقبلها منه. نبارك ونرتل بدلاً من البكاء والشكوى وأن نتحول إلى انتقاد كما يفعل من هم ليسوا براضيين على واقعهم بشكل دائم. هذا يجعلنا نفهم قول يسوع للأبرص الوحيد العائد ليمجده بأن إيمانه خلّصه: لقد انتزعه من جحيم الشكوى المستمرة، من الانتقاد الدائم حيث يعيش الإنسان وجوده كمناحة مستمرة، مناحة العبد الغير راضي أبداً.

فالتمجيد والاعتراف بالجميل ينتزعوننا من هذا الجحيم حيث كثير من الناس يعتقدون بأن راحتهم تكمن في الانغلاق فيه. مبدأياً نحن نعرف وندرك هذا الواقع: الحياة المسيحية هي إفخارستيا، عمل شكر، بركة، أو ما هي إلاَّ عبودية ثقيلة. الحياة الإنسانية، مع قصرها، ليست سوى عبودية في حال غياب الإعجاب والاندهاش منها، غياب الشكر على ما يحصل، أو في حال انغلقت في الشكوى الدائمة. فالتمجيد كالبركة، لا يعني نسيان أو جهل النواحي الأخرى الصغيرة من الحياة، لا يعني ألا نرى الشقاء الذي يُثقلنا.

التمجيد يعلّمنا بأن نحملها كنير خفيف، وليس كثقل يسحقنا. التمجيد وحده يسمح لنا بأن نكون على مستوى ما يحصل لنا وقد يكون ثقيلاً بدون شك. إنما التمجيد وحده قادر أن يحوّل كل شيء، حتى الأكثر قساوة، إلى طريق لله وإلى عمل شكر. فليعلّمنا الله أن نشكره ويساعدنا على اهتداء نظرنا لأن الموضوع في النهاية هو موضوع اهتداء: فلنسعى لشكر الله وتمجيده بكل ما نحن عليه.

      

SHARE