الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة أيوم الأحد 2 كانون الثامي 2022. موعظة أحد زيارة المجوس

2022-Jan-08 | عظات | 116

أش 60، 1 – 6      أف 3، 2 – 6      متى 2، 1 – 12 

 

خلال زمن الميلاد تجعلنا الكنيسة نتأمل تسلسلياً أربع وجوه للمسيح. في ليلة الميلاد تأملنا بطفل لأبوين فقيرين، أمام المولود البكر يندهش الملائكة والرعاة. في صباح الميلاد يقودنا الإنجيلي يوحنا إلى بدء العالم لنتأمل بالله الكلمة الذي أخذ جسداً إنسانياً في مركز التاريخ. والأحد الماضي، عيد العائلة المقدسة، رأينا يسوع الطفل في وسط علماء الشريعة، في مجمع القدس.

واليوم نحتفل بالظهور الإلهي. ظهور يسوع للعالم، للأمم البعيدة ولغير اليهود. ها نحن من جديد في بيت لحم في المغارة. مجوس علماء فلك ومنجمين وحكماء باحثون يأتون «ليسجدوا أمام ملك اليهود الذي ولد». النجاح الشعبي للملوك المجوس لم يمنع، بالرغم من التسمية التقليدية، بأن يسوع هو الملك الحقيقي والوحيد وليس المجوس. لأنه وحده فقط من سُمي ملكاً من قبل الله.

فإذا قاموا بهذه الرحلة ليأتوا ويعبدوا ملك اليهود، فهذا يعني أنه بطريقة ما هو ملك غير اليهود أيضاً. والأجيال المسيحية الأولى كانت تندهش أمام العديد من المزامير التي تتكلم عن المسيح المنتظر أو الملك المُعطى من الله، يتكلمون عن المسيح بذكاء وعمق مميزين.

هذه هي حالة المزمور 72. هذا المزمور الذي كُتب قرون قبل المسيح، يُفهمنا بعمق من هو ملك اليهود هذا الذي يبحث عنه المجوس الذين أتوا من المشرق. المزمور يتحدث لنا عن أربع وجوه لهذا الملك. إنه أولاً ملك العالم أجمع. الآية 8: «يملِكُ مِنَ البَّحرِ إِلى البَّحرِ ومِنَ النَّهرِ إِلى أَقاصي الأَرْض». والآية 11: «جَميعُ المُلوكِ لَه يَسجُدون كلّ الأمَمِ لَه يَخدُمون». والآية 17: «تَتَبارَكُ به قَبائِلُ الأَرضِ كلُها وتُهَنَئه الأُمَمُ جَميعُها».

إنه ملك للأبد: «اِسمُه لِلأبَد يَكون وتَحتَ الشَّمسِ يَدوم». هذا الملك يحمل العدل والسلام. ولكن ليس أيّ عدل. إنه يستقبل عدله من الله: «البِرُّ في أيَّامِه يُزهِر والسَّلامُ يَعُمُّ إِلى أَن يَزولَ القَمَر». أخيراً هذا الملك يهتم أولاً بالفقراء والتعساء. الآية 4: «وُضعاءُ الشَّعبِ يُنصِفُهم وبَنو المَساكينِ يُخَلِّصُهم. والظَّالِمونَ يَسحَقهم... مِنَ الظّلمِ والعُنفِ يَفتَدي نُفوسَهم ودَمُهم في عَينَيه ثَمين».

مع هذا الملك لا وجود إلاَّ للبشرى السارة. وصاحب المزمور يأخذ الطبيعة شاهداً على ذلك: «وَفُرَتِ الحِنطَةُ في البلاد». قراءة هذا المزمور تضعنا أمام سؤال واحد يحتوي على جوابه: من هو الإنسان الحكيم والمعقول الذي لا يضع كل علمه ليكون من جماعة هذا الملك، وليصبح من سكان مملكته؟

العنصر الغريب في رواية المجوس هو أن هؤلاء الرجال الذين أتوا من المشرق يختبروه «فرحاً عظيماً» حتى قبل أن يروا الطفل! بمجرد أن رأوا النجمة وقد توقفت. ليسوا بحاجة لأن يروا الطفل ليتأكدوا من صحة الخبر. والسؤال كيف يمكن ذلك؟ أليس من الطبيعي والمنتظر أن تكون رؤيتهم للطفل الذي يشكل هدف مسيرتهم هو مصدر فرحهم؟ ماذا تقول هذه النجمة؟

إنها نور العقل والتأمل يعطيها الله لكل إنسان، أو بالأحرى لكل إنسان يبحث عنه بالحقيقة. الإنجيلي متى والكنيسة من بعده، وثقوا بالإنسان وبذكائه وعقله. ليس فقط الذكاء العقلي إن صح التعبير بل الذكاء العقلاني والروحي للإنسان الذي يبحث. ذكاؤنا، عقلنا هو عطاء من الله وبحثنا الروحي يأتي منه أيضاً. «لقد خلقتنا من أجلك يا رب ولن يرتاح قلبنا إلاَّ فيك» يقول القديس اغسطينس. المجوس يفرحون لكون لقاء النورين، نور الكتب المقدسة ونور النجمة، يشيران للمكان عينه.

النجمة كشفت عن ذاتها كدليل أكيد، أكيد بمقدار نور الكتب المقدسة. فالواحد لا يناقض الآخر. على العكس. في عالم اليوم حيث يعتقد الكثيرون بأن الإيمان والعقل، الإيمان والعلم يتناقضان بالضرورة، يقول لنا متى الإنجيلي أصلهم المشترك وانسجامهم الأساسي. فنور الكتاب المقدس يلتحق ويلتقي بنور العقل، النور المشترك بين جميع البشر ومختلف الثقافات.

فلنشكر الله لأنه أعطانا ذكاء الأشياء الروحية بطريقة، حتى ولو لم يكن هناك من كتب مقدسة، فنحن نملك ما يكفي من المصادر بداخلنا لكي نسير نحوه. ولنشكره أيضاً لأنه أعطانا الكتب المقدسة التي لا تزال تتحدث حتى يومنا هذا عن «ابن الإنسان» الذي هو أيضاً «ابن داوود». ما من شيء اختاره الله يُرمى على الأرض. كل شيء سيتم. وكل البشر سيخلصون وعقلنا سيكون منوراً. فلنترك «فرحاً عظيماً» يفتح قلبنا وعقلنا.

SHARE