موعظة يوم الأحد 6 شباط 2022. مزعظة الأحد الخامس من الزمن العادي
أش 6، 1 – 8 1 قور 15، 1 – 11 لو 5، 1 - 5
منذ بضعة أيام احتفلنا بتقدمة يسوع إلى الهيكل. انطلاقاً من إيمانها، تقدم مريم يسوع لله كالحمل الذي يحمل خطايا العالم. وضعته في أيدي سمعان وحنة كإعلان للخلاص. قدمته للجميع كنور على طريق الحقيقة والحب. إنجيل اليوم يبين لنا بطرس بعد أن أجاب يسوع «على كلمتك أرمي الشباك»، يتصرف انطلاقاً من الإيمان ويذهب على عكس خبرته كصياد التي تقول له لا فائدة من الصيد في النهار، خصوصاً بعد ليلة لم يحصل فيها على شيء.
فالإصغاء إلى كلمة يسوع، الثقة فيه أصبحت القاعدة الجديدة والمربكة لحياة الصياد الجديد بالنسبة لبطرس. ونحن أيضاً، نتصرف بإيمان من خلال الطاعة لدعوة المسيح، دعوة لاتباعه، لنجذب إليه جميع الناس ليخرجهم من المياه القذرة، ويدفعهم إلى بحر رحمة الله الذي هو الحياة ومصدر الحياة. رواية بطرس في إنجيل اليوم هي روايتنا جميعاً، تبدأ بمن يدعوهم الله ليصبحوا صيادي بشر.
إنها رواية كل واحد وواحدة منّا، مدعوين من قبل يسوع، بالعماد والميرون، لاتباعه وبالتالي مدعوين لنرمي الشباك في العمق. الإنجيل يتحدث عن دعوة بطرس المدعو ليغير مهنته كصياد بشري، عادي، إلى صياد للبشرية. بعد أن عاش خبرة الصيد العجيب ارتمى عند ركبتي يسوع وقال: «يا رب، تباعد عني، إني رجل خاطئ». ويسوع يجيبه: «لا تخف! ستكونُ بعد اليوم للبشر صياداً».
القراءات الثلاثة تحدثنا اليوم عن الدعوة. القراءة الأولى تروي لنا رؤية النبي أشعيا وهو في الهيكل: «رأيتُ السَّيِّدَ جالساً على عَرشٍ عالٍ رَفيع.... مِن فَوقِه سَرافونَ قائمون، وكانَ هذا يُنادي ذاكَ ويَقول: قُدُّوسٌ قُدُّوسٌ قُدُّوس، رَبُّ القُوَّات، الأَرضُ كُلُّها مَمْلوءَةٌ مِن مَجده». لقد كانت تجربة مؤثرة، صاعقة، لهذا النبي ولا يمكن أن تكون غير ذلك لأن دعوة الرب تغير تمامًا حياة المدعو لكونها تجعله يدرك عدم استحقاقه.
لهذا الغرض، يصف إشعياء اهتدائه لدعوته بهذه الطريقة: «ويلٌ لي، قد هَلَكتُ لِأَنَّي رَجُلٌ نَجِسُ الشَّفَتَين، وأَنا مُقيمٌ بَينَ شَعبٍ نَجسِ الشِّفاه، وقَد رَأَت عَينايَ المَلِكَ رَبَّ القُوَّات فطارَ إِلَيَّ أَحَدُ السَّرافين، وبِيَدِه جَمرَةٌ أَخَذَها بِمِلقَطٍ مِنَ المَذبَح ومَسَّ بِها فَمي وقال: «ها أَن هذه قد مَسَّت شَفَتَيكَ، فأُزيلَ إِثمُكَ وكُفِّرَت خَطيئَتُك».
إذن، بعد أن اختبر أشعيا تفاهته وكونه خاطئًا بحاجة إلى الغفران، قال "نعم" لله. القراءة الثانية تبين لنا، كالقراءة الأولى، كيف أن الشعور الأول الذي يلد من اللقاء مع الله هو الاندهاش بالرغم من الوعي بصغره وشقاءه وحاجته للرحمة الإلهية. في الواقع، القراءة الثانية تدعونا للإصغاء إلى بولس الرسول يروي لنا ظهور القائم من بين الأموات ومجيئه على طريق دمشق ليلتقي به «أصغر الرسل...وبنعمة الله ما أنا عليه».
في القراءات الثلاث تنطلق دعوة الله بعد خبرة لقاء المدعو معه. في هذا اللقاء يعرِّف الله عن ذاته بعظمته وطيبته. أمام حقيقة الله يكتشف الإنسان حقيقته كمخلوق ضعيف، هش، محدود وخاطئ وبحاجة للمغفرة. آنذاك يدعو الله هذا الإنسان للتعاون معه في تحقيق ملكوته في العالم ويعرِّف الناس على رسالته، رسالة الحياة والرحمة.
بمعنى آخر الإنسان يكتشف دعوته من هذه الخبرة مع الله، مع حب الله ومغفرته له. وبالتالي يريد أن يجيب على هذا الحب بحب مماثل قدر المستطاع «ها أنذا أرسلني» يقول أشعيا بعد لقائه مع الله. في هذه الخبرة حيث يجد الإنسان ذاته أمام حقيقة الله يكتشف ويعترف بصغره وهشاشته كخاطئ: «يا رب، تباعد عني، إني رجل خاطئ» يقول بطرس بعد أن اكتشف فيض حب الله.
لكنه يكتشف أيضاً بأن العمل مع الله، يد بيد، إن صح التعبير بإمكانه تحقيق ما يتجاوز المنطق والمشاريع البشرية وهذا هو معنى «سر في العرض وارمي الشباك».
ولكن، كما حصل مع النبي أشعيا، وبولس وبطرس، الله كان الدليل أو المرشد الذي أشار إلى الطريق وجعل كلمة النعم الأولية خصبة، ممزوجة بالحماس والخوف معاً. الملفت للانتباه أن لوقا، للإشارة إلى الرسالة التي يعطيها يسوع لبطرس ولنا، يستعمل عبارة «لا تخف! ستكون بعد اليوم للبشر صياداً». الكلمة اليونانية المترجمة بالصياد، هي كلمة جديدة والتي لا توجد سوى مرتين بالإنجيل تعني «خذ حيَّاً».
إذن، الخطأة الذين يدعوهم يسوع هم «صيادي حياة» ـ أشخاص يأخذون أشخاصاً آخرين أحياء ليحافظوا عليهم في الحياة. فصيادي يسوع يرمون شباكهم في بحر العالم ليقدموا للبشر الحياة، ليخرجوهم من المياه القذرة ويعيدوهم إلى الحياة الحقيقية. بطرس والرسل الآخرين، ونحن الذين نبحر في هذا العالم، يمكننا أن نواصل، إذا أردنا، وحيث نحن، نفس الرسالة الرائعة كمرسلين من الآب من أجل «إنقاذ ما فقد».