الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 3 أيلول 2023. موعظة الأحد الثاني والعشرين من الزمن العادي

2023-Sep-03 | عظات | 246

إر 20، 7 – 9    رو 12، 1 – 2   متى 16، 21 – 27 

 

«في ذلك الزَّمان: بَدأَ يسوعُ، مِن ذلِكَ الحينِ، يُظهِرُ لِتَلاميذِه أَنَّه يَجِبُ علَيهِ أَن يَذهَبَ إِلى أُورَشَليم، ويُعانِيَ آلامًا شَديدة مِنَ الشُّيوخِ والأَحبار والكَتَبَة، ويُقتَلَ ويقومَ في اليومِ الثَّالث. فَانفَرَدَ بِه بُطرُس وجَعلَ يُعاتِبُه فيَقول: «حاشَ لَكَ، يا رَبّ! لن يُصيبَكَ هذا!» فالتَفتَ وقالَ لِبُطرس: «إِذهَب عَنّي، يا شَيطان، فأَنتَ لي حَجَرُ عَثْرَة، لأَنَّ أَفكارَكَ لَيسَت أَفكارَ الله، بل أَفكارُ البَشَر». ثُمَّ قالَ يسوعُ لِتَلاميذِه: «مَن أَرادَ أَن يَتبَعَني، فَلْيَزْهَدْ في نَفْسِه ويَحمِلْ صليبَه ويَتبَعْني، لأَنَّ الَّذي يُريدُ أَن يُخَلِّصَ حَياتَه يَفقِدُها، وأَمَّا الَّذي يَفقِدُ حَياتَهُ في سبيلي فإِنَّه يَجِدُها. ماذا يَنفَعُ الإِنسانَ لو رَبِحَ العالَمَ كُلَّه وخَسِرَ نَفسَه؟ وماذا يُعطي الإِنسانُ بَدَلاً لِنَفسِه؟ سَوفَ يَأتي ابنُ الإِنسانِ في مَجدِ أَبيهِ ومعَه مَلائكتُه، فيُجازي يَومَئِذٍ كُلَّ امرِئٍ على قَدْرِ أَعمالِه».

الموعظة

الأحد الماضي اعترف بطرس بيسوع على أنه ابن الله الحي. واليوم يقدم لنا الإنجيل عجز بطرس عن فهم المسيح عندما يتحدث عن مصيره مصلوبًا. إنهما وجهان لنفس الحدث، الذي يقدم لنا جانبين متناقضين ظاهريًا: من ناحية، إيمان بطرس وسلطان الخدمة الموكلة إليه لأنه «فهم» من هو المسيح. ومن ناحية أخرى، سوء فهم سر الصليب من قبل أول الرسل والتوبيخ الذي وجهه إليه يسوع.

فضعف بطرس لا يتعارض مع كونه صخرة الكنيسة. هذا الضعف يعني أن بطرس هو على ما هو عليه بالنعمة، بحكم الاختيار الإلهي، وليس بصفاته الطبيعية. هذا التناقض الظاهري يعني أيضاً أن يسوع يريد من تلاميذه، بما في ذلك نحن، أن يسيروا على طريق يمتد من الإيمان به، ابناً الله، إلى الإيمان به، ابن الإنسان المتألم. في الواقع، إذا كان بإمكاننا القبول بأن يسوع هو الرب، فلا يمكننا أن نرفض بأن عليه أن يتألم.

بطرس ـــ ونحن معه ــــ لا يزال أسير منطق البشر ويحاول أن يمنع يسوع من التوافق مع منطق الله. عندئذ يجيبه يسوع: «انسحب ورائي يا شيطان!»، أي «ضع نفسك ورائي لتتبعني، وتعلم أن تفكر مثل الله لا مثل البشر، واتبع طريق الله لا طرق البشر». أخيرًا، لكي يشرح يسوع ماذا يعني «اتباعه»، يذكّر مرة أخرى تلاميذه: «من أراد أن يتبعني، فليكفر بنفسه، ويحمل صليبه، ويتبعني».

نكران الذات يعني نكران فكرتنا عن الله، وتبني فكرة يسوع: ليس إلهًا مجيدًا وقويًا، بل إلهًا يُظهر نفسه بالحب وفي بذل ذاته. اليوم، يجدد المسيح دعوته الملحة لكل واحد وواحدة منا، لكي يحمل صليبه كل يوم، ويتبعه على طريق الحب الكامل لله الآب، وللبشرية: «مَن لم يَحمِلْ صَليبَه ويَتبَعْني، فلَيسَ أَهْلًا لي لأن من حفظ حياته يفقدها، ومن فقد حياته في سبيلي يحفظها». (متى 10، 38-39).

هذا هو في الواقع منطق حبة الحنطة التي تموت لكي تنبت ويسوع نفسه هو حبة الحنطة الآتية من الله. مع المسيح، يكشف الصليب حب الله المجاني والرحيم. فنكران الذات يعني تغيير منطق وجودها: لم تعد حياة نحياها من أجل منفعتنا الشخصية، بل حياة نعيشها كعطية للمشاركة في الخلاص الذي نلناه كنعمة. إنكار الذات يعني السير خلف المسيح بصليبنا لتصعد معه على صليبه. لأن «السير»، «التقدم»، «النمو» يعني أن نكون قادرين على هبة الذات التي يطلبها منا الصليب.

ولكنها تعني أيضًا أن نكون قادرين على قبول الهبة التي نتلقاها منه: حب باهظ الثمن. وبولس الرسول يقول عن الصليب: «إِنَّ لُغَةَ الصَّليبِ حَماقةٌ عِندَ الَّذينَ يَسلُكونَ سَبيلَ الهَلاك، وأَمَّا عِندَ الَّذينَ يَسلُكونَ سَبيلَ الخَلاص، أَي عِندَنا، فهي قُدرَةُ الله   فقد حَسُنَ لَدى اللهِ أَن يُخَلِّصَ المُؤمِنينَ بِحَماقةِ التَّبشير.. لَمَّا كانَ اليَهودُ يَطلُبونَ الآيات، واليُونانِيُّونَ يَبحَثونَ عنِ الحِكمَة، فإِنَّنا نُبَشِّرُ بِمَسيحٍ مَصْلوب، عِثارٍ لِليَهود وحَماقةٍ لِلوَثنِيِّين». (1 كور 1، 18 – 23).

ولكن لماذا تعتبر لغة الصليب أساسية جدًا لحياة المسيح ورسالته؟ لأن الصليب يكشف عن «قوة الله» (1 كور 1، 24) التي تختلف عن القوة البشرية؛ في الواقع، يكشف الصليب عن حبه: «الحَماقَةَ مِنَ اللهِ أَكثَرُ حِكمَةً مِنَ النَّاس، والضُّعْفَ مِنَ الله أَوفَرُ قُوَّةً مِنَ النَّاس» (1 كور 1، 25). والتاريخ يُثبت لنا بأن الصليب هو الذي انتصر وليست حكمة العالم الذي يقاوم الصليب. فالمصلوب يكشف من ناحية ضعف الإنسان، ومن ناحية أخرى، قوة الله الحقيقية، أي مجانية الحب.

هذه المجانية الكاملة للحب هي بالضبط الحكمة الحقيقية. ونحن جميعاً مدعوين لنطابق حياتنا مع هذه الحكمة الحقيقية. أي أن نعيش في الإيمان بذلك الإله الذي يمكننا جميعاً أن نقول عنه «لقد أحبنا فجادَ بِنَفْسِه مِن أَجْلِ خَطايانا». فكلية الحب هي إعطاء «القليل» من حياتنا لمن نحبهم. والموت هو بداية الحياة، والحياة نفسها هي ذبيحة حب.

فالصليب الذي يدعونا المسيح لحمله ليس «الصلبان» الحتمية المرتبطة بمحدودية حالتنا الإنسانية، أو الصلبان التي يضعها الآخرون على ظهورنا، أو حتى الصلبان التي تأتي إلينا بسبب مرض، أو لأي سبب آخر. الصليب الذي يطلب منا المسيح أن نعانقه هو الذي يولد من اتباعه، من الحرية في أن نُحب، دائمًا وبأي شكل، دون تمييز، حتى إلى درجة حب العدو، الذي يؤذينا.

SHARE