موعظة يوم الأحد 17 كانون الأول 2023. موعظة الأحد الثالث من زمن المجيء
أش 61، 1- 11 1 تس 5، 16-24 يو 1، 6- 28
«ظَهَرَ رَجُلٌ مُرسَلٌ مِن لَدُنِ اللهِ ٱسْمُه يوحَنَّا. جاءَ شاهِدًا لِيَشهَدَ لِلنُّور فَيُؤمِنَ عن شَهادتِه جَميعُ النَّاس. لم يَكُنْ هو النُّور بل جاءَ لِيَشهَدَ لِلنُّور. وهذه شَهادَةُ يوحَنَّا، إِذ أَرسَلَ إِلَيه اليَهودُ مِن أُورَشَليمَ بَعضَ الكَهَنَةِ واللَّاوِيِّينَ يَسأَلونَه: «مَن أَنتَ؟» فٱعتَرفَ ولَم يُنكِرْ، اِعتَرَفَ: «لَستُ المسيح». فسأَلوه: «مَن أَنتَ إِذًا؟ أَأَنتَ إِيلِيَّا» قال: «لَستُ إِيَّاه». «أَأَنتَ النَّبِيّ؟» أَجابَ: «لا!» فقالوا له: «مَن أَنتَ فنَحمِلَ الجَوابَ إِلى الَّذينَ أَرسَلونا؟ ماذا تَقولُ في نَفسِكَ؟» قال: «أَنا صَوتُ مُنادٍ في البَرِّيَّة: قَوِّموا طَريقَ الرَّبّ. كَما قالَ النَّبِيُّ أَشَعْيا». وكانَ المُرسَلونَ مِنَ الفِرِّيسِيِّين، فسَأَلوهُ أَيضًا: «إِذا لم تَكُنِ المسيحَ ولا إِيلِيَّا ولا النَّبِيّ، فلِمَ تُعَمِّدُ إِذًا؟» أَجابَهُم يوحَنَّا: «أَنا أُعَمِّدُ في الماء، وبَينَكم مَن لا تَعرِفونَه، ذاكَ الآتي بَعدِي، مَن لَستُ أَهلًا لِأَن أَفُكَّ رِباطَ حِذائِه». وجَرى ذٰلك في بَيتَ عَنْيا، عِبْرَ الأُردُنّ، حَيثُ كانَ يوحَنَّا يُعمد».
الموعظة
في هذا الأحد الثالث من زمن المجيء، نسمع نداءات الفرح. بالمقابل، يسأل الكثير من الناس أنفسهم السؤال: كيف يمكننا أن نكون سعداء مع كل ما يحدث لنا؟ الأزمة الصحية بسبب الوباء، والأزمة الاقتصادية ونتائجها، الوحدة، العنف، الحروب، الاضطهاد؟ هناك الكثير من الناس الذين يعيشون في اليأس. ومع ذلك، ففي قلب تجاربنا وهمومنا يأتي صوت الأنبياء لينضم إلينا. هذه هي الرسالة التي نجدها في القراءة الأولى:
قبل مجيء يسوع بوقت طويل، كان النبي يتحدث إلى شعب تم ترحيله إلى أرض غريبة، بابل، لمدة خمسين عاما، عانى هناك من الظلم والقهر والفقر. وهنا يتدخل النبي إشعياء: يعلن البشرى السارة للفقراء، ويعزي منكسري القلوب، ويحرر المأسورين، ويعلن زمن نعمة لمن يضعون ثقتهم في الرب. لا تزال هذه الأخبار السارة ذات صلة بعالمنا المعذب: الرب موجود في قلب حياتنا. إنه البشارة المعلنة للفقراء والمستبعدين ولجميع المتألمين.
لقد جاء ليعيد لجميع البشر حريتهم وكرامتهم كأبناء الله. وكما قال البابا يوحنا بولس الثاني: «هو الذي أعطى الله للناس والناس لله». إنها هدية لا يمكن أن يقدمها لنا غيره هو. وهذه بشرى سارة: «يُظهر الرب البر لجميع الأمم». إن هذه العدالة وهذا السلام وهذه الأخوة هي بمثابة بذور يجب أن نزرعها بعناية كبيرة. وهذا يُترجم إلى لفتات استقبال ومشاركة تجاه أولئك المستبعدين. الفرح المسيحي هو هبة من الله ونتيجة انتصارنا على أنانيتنا.
رسالة بولس التي سمعناها مكتوبة للمجتمع المضطهد. وهو يحث المسيحيين على أن يستمدوا من مصادر الفرح التي في الله،. ولكي ننال هذا الفرح علينا أن نصلي بلا كلل ونطلبه. وهذا مهم لأنه قبل كل شيء هو عطية من الله. ولهذا يوصي بولس أن نصلي بلا انقطاع. يجب أن ننجح في جعل الصلاة عادة يومية. هذا هو المكان الذي نتعلم فيه أن نكون حاضرين أمام الله في كلماتنا، وصمتنا، وطرق تصرفاتنا ومشاعرنا.
الرب موجود دائمًا، حاضر جدًا، ولكن غالبًا ما نكون في مكان آخر. في زمن المجيء، يدعونا للعودة إليه. ومن خلال الاتصال المنتظم معه سنجد الفرح الحقيقي. إن إنجيل هذا الأحد هو إعلان من الذي يحمل الفرح الحقيقي للعالم. فالأمر لا يتعلق بيوحنا المعمدان؛ وهذا الأخير ما هو إلا شاهد النور. مهمته هي إظهاره والشهادة له: «بينكم من لا تعرفونه». وكما كانت شجرة الحياة في وسط جنة عدن كذلك يسوع في وسطنا.
يقدم نفسه للجميع. يمكن للجميع الوصول إليه. إنه تواضع الإله الذي صار إنسانًا وعاش ثلاثين عامًا كإنسان. لقد جاء يوحنا المعمدان ليعلن النور في عالم مظلم. جاء ليعلن الكلمة في عالم الصمت. يجب أن نعلم أنه لفترة طويلة، لم يعد هناك نبي يتحدث نيابة عن الله. لكن إنجيل هذا الأحد يعلن لنا التغيير: في يسوع، يأتي الله إلينا. فهو كلمة الله، ومعه ستعلن البشارة للفقراء والمستبعدين والسجناء.
لاحقًا، سيقول يسوع أن ابن الإنسان لم يأتِ من أجل الأصحاء، بل من أجل المرضى. هذه هي رسالة الفرح التي تصل إلينا في عالم يعاني من العنف والظلم والأنانية. ولكننا، مثل يوحنا المعمدان، مدعوين للشهادة لمن هو مصدر كل فرح. مهمتنا هي أن نقودهم إلى يسوع؛ ولكن إذا أردنا أن نكون صادقين، فلا بد أن مروره في حياتنا ويحولها ويحررها ويضيئها. فلكي نشرق بنور الله، علينا أن نبقى في علاقة دائمة وحميمة، نصلي بلا انقطاع، ونرجع دائمًا إلى الله.
في غضون أيام قليلة سنحتفل بعيد الميلاد. الشيء الأكثر أهمية ليس إعداد حفل بل استقبال من يأتي ليبحث ويخلص أولئك الذين هلكوا. هناك، في صحراء حياتنا، يجب أن نسمع هذه الرسالة من يوحنا المعمدان: «بينكم من لا تعرفونه». مهمتنا هي الكشف عن حضور المسيح في عالمنا. وعندما نترك فرح هذا الحضور يسكننا نصبح عفوياً صانعي سلام وعملة فعالين في تحقيق العدالة بين الناس وننشره في محيطنا فتتحول حياتنا إلى تساؤل ونكون «دائِمًا مُستَعِدِّينَ لأَن تَرُدُّوا على مَن يَطلُبُ مِنكم دَليلَ ما أَنتم علَيه مِنَ الرَّجاء، ولكِن لِيَكُنْ ذلك بِوَداعَةٍ ووَقار» (1 بط 3، 15 -16).
فهو وحده يستطيع أن يساعدنا في تبشير عيد الميلاد لأنه الفاعل الرئيسي. نحن جميعًا مدعوين ومُنتظرين في المغارة. فليمنحنا الرب أن نستجيب بسخاء لدعوته.