الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 2 حزيران 2024. موعظة عيد الجسد

2024-Jun-02 | عظات | 292

خر 24، 3 – 8   عب 9، 11 – 15   مر 14، 12 – 16. 22 – 26  

 

«في أَوَّلِ يَومٍ مِن الفَطير، وفيه يُذبَحُ حَمَلُ الفِصْح، قال له تَلاميذُه: إِلى أَينَ تُريدُ أَن نَمضِيَ فنُعِدَّ لَكَ لِتَأكُلَ الفِصْح ؟ فأَرسَلَ اثنَينِ مِن تَلاميذِه وقالَ لَهما: اِذهَبا إِلى المدينة، فَيَلقاكُما رَجُلٌ يَحمِلُ جَرَّةَ ماءٍ فاتبَعاه، وحَيثُما دَخَل فَقولا لِرَبِّ البَيت: يَقولُ المُعَلِّم: أَينَ غُرفَتي الَّتي آكُلُ فيها الفِصْحَ مَعَ تَلاميذي؟ فيُريكُما عُلِّيَّةً كبيرَةً مَفْروشَةً مُهَيَّأَةً، فأَعِدَّاهُ لَنا هُناك.  فذهَبَ التِّلميذانِ وأَتَيا المَدينة، فوجَدا كما قالَ لَهما وأَعدَّا الفِصْح. وبَينما هم يَأكُلون، أَخذَ خُبزاً وبارَكَ، ثُمَّ كَسَرَه وناوَلَهم وقال: خُذوا، هذا هُوَ جَسَدي. ثُمَّ أخَذَ كأَساً وشَكَرَ وناوَلَهم، فشَرِبوا مِنها كُلُّهم، وقالَ لَهم: هذا هو دَمي دَمُ العَهد يُراقُ مِن أَجلِ جَماعَةِ النَّاس. الحَقَّ أَقولُ لَكم: لن أَشرَبَ بَعدَ الآنِ مِن عَصيرِ الكَرمَة، حتى ذلك اليَومِ الَّذي فيه أَشرَبُه جديداً في مَلَكوتِ الله. ثُمَّ سَبَّحوا وخَرَجوا إِلى جَبَلِ الزَّيتون».

الموعظة

أجساد مصلوبة، دماء مهدورة، هذا هو المشهد اليومي الذي نعيشه بشكل خاص في هذه الأيام والذي يقدمه لنا العنف البشري، بحجمه الصغير، كل أنواع التعدي الذي نشهد له أو يُروى لنا، وبحجمه الكبير كل أنواع الحروب. ولكن ليس هناك فقط القتل أو الجريمة المُعرّفة على أنها كذلك، إذ أنّ هناك الاستهلاك الخبيث لبعض الأغنياء وأصحاب السلطة الذين يحصلون على ما يريدون من حياة الفقراء والضعفاء: «عندما يأكلون، فإنهم يأكلون شعبي» يقول المزمور (14، 4).

أمام كل هذه المشاهد يطرح المزمور السؤال: «أين هو إلهك؟». إن كان قادر على كل شيء، فلماذا لا يأتي وينظم الأمور؟ لماذا لا يأتي ويفرض إرادته؟ لأن ذلك يعني ممارسته العنف ضد الإنسان، وأن يجبره على التصرف بطريقة ما. أيُّ خير يمكننا القيام به إن كنّا مجرد أدوات بيد الله؟ أعمالنا تستمد قيمتها من كوننا قادرين على اتخاذ القرارات، سواء من أجل الخير أم من أجل الشر. لكن هل هذا يعني أن الله يتركنا وحدنا في شقاءنا وتعاستنا؟ حتما لا!

بما أننا نهدر الدماء ونقطّع الأجساد، يأتي الله ويتحد بضحايانا. الله المُحتقر، الله المنبوذ، الله المُستغّلّ. فلا يقول أحد: «إنني لست من طرف الجلاّدين». منذ اللحظة الأولى للغيرة، للحسد وللاحتقار وللغضب، نحن هنا؛ نوقَّع على خطيئة العالم. ونحن هنا جميعاً بدون استثناء، ضحايا وجلادين معاً. فالمسيح يأتي ليعطينا جسده ودمه. الحبّ المصلوب لا يختفي بالرغم من كلّ ذلك. بل على العكس، إنه يرتدد بقوة. وبولس الرسول يقول بأنه «يفيض». فالطريقة التي من خلالها يضع الله نفسه بين الضحايا هي طريقة حبّ فياض، «سوبر حبّ» إن صح التعبير.

كان بإمكانه أن يلتحق بمصير الذين يموتون جوعاً، والشيوخ المقصيين. لكنه اختار مصير الأشرار والمجرمين واللصوص، والذين اشتركوا في الحقد القاتل. وبولس يقول: «لقد جعل من نفسه خطيئة» (2 قور 5، 21). باتخاذه لهذا المكان، البار الوحيد أصبح غفراناً للمذنبين: لقد ذهب معهم. أليست المغفرة هي قمة الحبّ؟ بشكل لا واع نحن نحقد عليه بسبب ذلك، نحن الذين نعتبر ذاتنا بسهولة أننا لسنا بحاجة للغفران. حامل لخطيئتنا، صورة عن خطيئتنا، غفران لخطيئتنا، يصبح المسيح عذاءً لحبّ جديد، حبّ يتجاوز ضحايانا.

فالصليب هو مكان الارتداد الجذري: ما كان يجب أن يقتلنا، أن يقتل الحبّ يصبح نبع انبعاث جديد للحياة. كل ذلك لأن المسيح أعطى الحياة التي نريد أن نسلبه إيّاها: «خذوا فكلوا هذا هو جسدي، خذوا فاشربوا هذا هو دمي الذي يهراق من أجل الكثيرين». فالكلمة الأخيرة هي دائماً للحبّ. بطريقة ما، يخلّص يسوع حياته بتمريرها في الآخرين «خذوا فكلوا، خذوا فاشربوا»، حتى ولو سيتخلون عنها. إنه يعطي حياته للجميع، حتى لقاتليه.

من هنا، يأتمنهم عليها. والقيامة لا تُحدّ بهذا الأمر، إنما هي مسبقاً هنا: هذا هو الجسد الجديد للمسيح، الجماعة، المجتمعة ما وراء كل انقسام. فاليهود (رئيس الكهنة) والوثنيون (بيلاطس) اتفقوا على القتل. لاحقاً، سيتفقون للاعتراف بجريمتهم، قائد المئة وجمهور اليهود: «فَلَمَّا رأَى قائِدُ المائَةِ ما حَدَثَ، مَجَّدَ اللهَ وقال: «حَقًّا هٰذا الرَّجُلُ كانَ بارًّا!» وكذٰلِكَ الجَماهيرُ الَّتي ٱحتَشَدَت، لِترى ذٰلكَ المَشهَد فعايَنَت ما حَدَث، رَجَعَت جَميعًا وهي تَقرَعُ الصُّدور» (لو 23، 47 - 48).

لاحقاً أيضاً، العنصرة، وكل الشعوب سيتحدون ليعترفوا بابن الله. متشاركين بالخبز الواحد الذي هو جسد، متشاركين بالكأس الواحدة التي هي الدم، يمكننا أن نُسكت مُقاضاتنا، ونتجاوز عدم المساوات مصدر الصراعات، ونمجد الاختلافات التي تجعلنا مكملين لبعضنا البعض. والذين يرفضون الأكل من هذا الخبز لأنه جسد المسيح يهدمون كل ميزة ويكررون بدون ملل جريمة الفصح ويدفعون بالتالي على فيض الحب الذي، في الوقت نفسه، يكشفهم ويغفر لهم. كل ذلك، نعبّر عنه في كل مرّة نجتمع فيها في القداس.

ما وراء ذلك، نعلن بأن الله نفسه الغذاء الحقيقي للإنسان. «المسيح ثبّت بأن الكأس الآتية من الخلق كانت دمه، والخبز الذي يأتي من الخلق كان جسده» (القديس إيريناوس).

SHARE