الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 16 حزيران 2024. موعظة الأحد الحادي عشر من الزمن العادي

2024-Jun-16 | عظات | 184

حز 17، 22 – 24   2 كور 5، 6 – 10    مر 4، 26 – 34

 

«وقال: "مَثَلُ مَلَكوتِ اللهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ يُلْقي البَذْرَ في الأَرض. فسَواءٌ نامَ أو قامَ لَيلَ نَهار، فالبَذْرُ يَنبُتُ ويَنمي، وهو لا يَدري كيفَ يَكونُ ذلك. فَالأَرضُ مِن نَفسِها تُخرِجُ العُشبَ أَوَّلاً، ثُمَّ السُّنُبل، ثُمَّ القَمحَ الَّذي يَملأُ السُّنبُل. فما إِن يُدرِكُ الثَّمَرُ حتَّى يُعمَلَ فيه المِنجَل، لأَنَّ الحَصادَ قد حان". وقالَ: "بِماذا نُشَبِّهُ مَلَكوتَ الله، أَو بِأَيِّ مَثَلٍ نُمَثِّلُه؟ إِنَّه مِثلُ حَبَّةِ خَردَل: فهِيَ، حينَ تُزرَعُ في الأَرض، أَصغَرُ سائرِ البُزورِ الَّتي في الأَرض. فإِذا زُرِعَت، اِرتَفَعَت وصارَت أَكبَرَ البُقولِ كُلِّها، وأَرسَلَت أَغْصاناً كَبيرة، حتَّى إِنَّ طُيورَ السَّماءِ تَستَطيعُ أَن تُعَشِّشَ في ظِلِّها". وكانَ يُكَلِّمُهُم بِأَمْثالٍ كَثيرةٍ كهذِه، لِيُلْقِيَ إِلَيهم كلِمةَ الله، على قَدرِ ما كانوا يَستَطيعونَ أَن يَسمَعوها. ولَم يُكَلِّمْهُم مِن دُونِ مَثَل، فَإِذا انفَرَدَ بِتَلاميذِه فَسَّرَ لَهم كُلَّ شَيء».

الموعظة

في هذا الأحد نستأنف القراءة المستمرة لإنجيل مرقس والتي سنستمر فيها حتى الأحد الأخير من السنة الليتورجية، في نهاية تشرين الثاني. يقدم لنا هذا التسلسل الأمثال التي يحاول يسوع من خلالها توضيح ما أتى لتحقيقه: «لقد اقترب ملكوت الله توبوا وآمنوا بالبشارة» (مر 1، 15). لكن مستمعي يسوع، وبالتالي يسوع نفسه، واجهوا صعوبة. كيف وماذا فهم اليهود ما قاله يسوع عندما سمعوا منه إعلان ملكوت الله؟ إلى أي مدى لم يميلوا إلى مفهوم الملكوت الدنيوي؟

بعبارة أخرى، هل مجيء ملكوت الله سيكون استعادة مملكة داود، وطرد المحتلين الرومان، باختصار وجه جديد للمجتمع السياسي الذي عاشوا فيه؟ لم يكن من السهل التوضيح لهم، ماهية الملكوت. لهذا السبب، يلجأ يسوع إلى العديد من الأمثال: «كانَ يُكَلِّمُهُم بِأَمْثالٍ كَثيرةٍ كهٰذِه، لِيُلْقِيَ إِلَيهم كلِمةَ الله، على قَدرِ ما كانوا يَستَطيعونَ أَن يسمعوها». ويضيف «لَم يُكَلِّمْهُم مِن دُونِ مَثَل، فَإِذا انفرد بِتَلاميذِه فَسَّرَ لَهم كُلَّ شَيء».

هكذا نرى مستويين من المستمعين يظهرون في رسالة المسيح، أولئك الذين تلقوا بالفعل تعليما معينا في خطاب المسيح، وخاصة أولئك الذين التزموا باتباعه وأصبحوا تلاميذه، الذين يشرح لهم كل شيء. ولكن، كما سنرى لاحقاً، مهما كانت تفسيراته واضحة، فإنها لم تكن كافية لتنوير التلاميذ. من ناحية أخرى، لم يستطع الحشد الكبير من المستمعين قبول خطاب المسيح إلا بقدر فهمهم، ولهذا السبب يعبر عن نفسه لهم في الأمثال. المثلين الصغيرين اللذين سمعناهما عن ملكوت الله يشددان على جانب مهم للغاية: ليس الناس من يبنون ملكوت الله، ولا حتى التلاميذ، ولكن الله نفسه هو الذي يمنحه الحياة والنمو «إن لم يبني الرب البيت فباطلاً يتعب البناؤون» (مز 127، 1).

تماما كما أن الإنسان الذي يزرع بذرة في الأرض لا يمكنه أن يجعلها تنمو برغبته أو بقواه الشخصية، ولا تعطي ثمارا بجهوده، خاصة مثل تلك التي نعرفها، بذرة الخردل، كذلك الأمر، فإن ملكوت الله ليس في نهاية جهودنا. فهو ليس تطبيق مبادئنا وقواعدنا لتحويل المجتمع وفقا لرغباتنا. إنه قوة خفية إذا أخذنا في الاعتبار كيف أن البذرة المزروعة في الأرض تنمو وتُعطي الحبوب. قوة خفية وقوية، تعبر الأحداث ومسار تاريخ البشر، دون تحويلها بطريقة مرئية على الفور.

لا لأن ملكوت الله أصبح قريبا، وأن الرومان قد غادروا وأن ملكوت داود قد استعيد. ليس لأن ملكوت الله قريب منا، سيبدأ جميع الناس في عصرنا بالعيش وفقا لوصايا الله. وليس لأن ملكوت الله أصبح قريبا، ستتماشى مجتمعاتنا مع ملكوت الله. ونحن نعلم أن هذا إغراء دائم للمسيحيين، إما أن يرغبوا في نموذج المجتمع وفقا لوصايا الله بالقوة، والقتال، والنضال، وليس عن طريق اهتداء القلوب، أو، ما هو أكثر خطورة، الإيمان بأن الله عاجز أمام الأحداث التي نتعرض لها.

نتمنى أن يتصرف الله بطريقتنا الخاصة، كما نتمنى أن نجند قوة الله لتنفيذ أهدافنا، ولكن هذه ليست الطريقة التي يعلن بها المسيح ملكوت الله. فالله، يعمل في قلب الأحداث وهو يعمل في حرية وقلب كل الناس، ولكن بطريقة تفلت من سيطرتنا ولا نتحكم بها. هذا هو العيش في الإيمان، أي السير، ليس في الرؤية الواضحة ولكن في الثقة بالله الذي يعمل. كما يقول بولس الرسول: «فلَمَّا كُنَّا واثِقينَ في كُلِّ حين، على عِلمِنا بِأَنَّنا، ما دُمنا في هٰذا الجَسَد، نَحنُ في هِجرَةٍ عنِ الرَّبّ» (2 كور 5، 6).

نحن نعلم جيدا أن هذا العالم ليس ملكوت الله، ونعلم جيدا أنه يتعارض من نواحي كثيرة مع إرادة ووصايا الله. ولكن ليس لأننا لا نرى كيف سيتغير، علينا الشك بأن الله يعمل. ولا لأننا لا نملك رؤية واضحة علينا أن نفقد الإيمان بالرب. وهكذا، نحن مسيحيين اليوم، في مجتمعنا، علينا أن نسعى من كل قلوبنا إلى كيفية المساهمة في عمل الله في هذا العالم، وعلينا أن نؤمن من كل أرواحنا أن ضمير البشر لم يتم تخديره بعد.

علينا أن نأمل بكل قوتنا أن تستمر كلمة الله في التحدث إلى قلب كل إنسان. مهمتنا هي إعلان كلمة الله، إعلان الحياة الجديدة التي تلقيناها، لإعطاء إشارات مرئية في هذا العالم بأن هناك شيئا جديدا في التاريخ. ولكن علامات واضحة، علينا القبول بحملها في هذا الوقت الذي يخضع للموت، علينا أن نقبل حملها دون وجود رؤية واضحة للنتيجة.

فالله، لا يطلب منا أن نسيطر على العالم، بل يطلب منا أن نكون خمير هذا العالم، وملحا للأرض، ونورا للعالم، ويضمن لنا أنه هو الذي سيعطي النمو والخصوبة حتى يكون ملكوته مأوى لجميع الكائنات الحية.

SHARE