الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 3 تشرين الثاني 2024. موعظة الأحد الواحد والثلاثين من الزمن العادي

2024-Nov-03 | عظات | 162

تث 6، 2 – 6     عب 7، 23 – 28     مر 12، 28 – 34 

 

«ودَنا إِلَيه أَحدُ الكَتَبَة، وكانَ قد سَمِعَهم يُجادِلونَهُ، ورأَى أَنَّه أَحسَنَ الرَّدَّ علَيهم، فسأله: «ما الوَصِيَّةُ الأُولى في الوَصايا كُلِّها» ؟ فأَجابَ يسوع: «الوَصِيَّةُ الأُولى هيَ: اِسمَعْ يا إِسرائيل: إِنَّ الرَّبَّ إِلهَنا هو الرَّبُّ الأحَد. فأَحبِبِ الرَّبَّ إِلهَكَ بِكُلِّ قلبِك وكُلِّ نَفْسِكَ وكُلِّ ذِهِنكَ وكُلِّ قُوَّتِكَ. والثَّانِيَةُ هي: "أَحبِبْ قريبَكَ حُبَّكَ لِنَفْسِكَ". ولا وَصِيَّةَ أُخرى أَكبرُ مِن هاتَيْن". فقالَ له الكاتب: "أَحسَنتَ يا مُعَلِّم، لقد أَصَبْتَ إِذ قُلتَ: إِنَّه الأَحَد ولَيسَ مِن دونِه آخَر، وأَن يُحِبَّهُ الإِنسانُ يِكُلِّ قلبِهِ وكُلِّ عَقلِه وكُلِّ قُوَّتِه، وأَن يُحِبَّ قَريبَه حُبَّهُ لِنَفْسِه، أَفضَلُ مِن كُلِّ مُحرَقَةٍ وذبيحَة". فلمَّا رأَى يسوعُ أَنَّه أَجابَ بِفَطَنة قالَ له: "لَستَ بَعيداً مِن مَلَكوتِ الله". ولَم يَجرُؤْ أَحَدٌ بعدَئذٍ أَن يَسأَلَهُ عن شَيء».

الموعظة

من المؤكد أننا تعبنا من تكرار السماع، إلى حد الاشمئزاز، أن الله حب، وأن الحب هو الشيء الأساسي، وما إلى ذلك. الحب، الحب، الحب... خاصة وأن هذه الكلمة تغطي حقائق مختلفة تمامًا: فنحن نستخدمها للإشارة إلى الإنسان الذي يبحث عن ملذاته بلا حدود، كما نستعملها للتعبير عن الرعاية المقدمة على مر السنين للزوج التي أصبح خاملاً. ومع ذلك، فمن الصحيح أن كل شيء في عالمنا يحركه انجذاب الآخرين، والنقص الذي يختبره كل فرد لما هو ليس عليه. ويتم التحقق من ذلك على المستوى الأساسي للمادة.

إن هذه «الحركة نحو» هي عمق الأشياء، وهي ما يشكلنا. كل شيء هو «حب». ولدى البشر يصبح الأمر أكثر تعقيدا. هناك بالتأكيد الانجذاب الغريزي الذي يمارسه علينا ما لا نملكه، الدافع الجنسي على سبيل المثال، لكنه يأخذ شكلا واعيا ويحشد الحرية. فالنتائج الاجتماعية والجماعية وما إلى ذلك للجواب على دعوة الحب، لم يعد بالإمكان تجاهلها، فيصبح هذا الجواب موضوع اختيار في نفس الوقت الذي تنظمه مجموعة من القوانين: كل رغباتنا، حتى لو كانت مجرد سيارة أو شقة، تخضع لقيود مختلفة.

يتم توجيه الحب البدائي، وتأطيره، وتطبيعه. فهل هذا أمر سيء؟ لا، لأنه يتعلق بالوصول إلى شكل أعلى من الحب. مع المسيح، نشهد لنوع من «هدم» للحب. تحول 180 درجة. في الواقع، لم تعد الحاجة، مولدة الرغبة، حاجتي إلى الآخر، هي التي تحدد بشكل قاطع، بل حاجة الآخر إليّ؛ ليعيش، وليكون سعيدا. وحتى عندما يوجد هذا الحب خارج النطاق المسيحي، فهو متأصل في سكن «الكلمة للجسد» بهدف تحقيق الإنسان المتمم.

وبالتالي، «من يعطي ذاته لأجل من يحبهم» يحقق هذا الأمر: لا الحب الأكبر؛ لا الإنسانية الأكبر. لهذا السبب لم تعد هناك حاجة للقانون، للإشراف على الحب. كل ما هو قانون، ويفرض احترام الآخر والآخرين، هو في الواقع مُمتص ومشبع في هذا الحب، الذي هو بصمة الروح نفسه فينا. يمكننا أن نقول بلغة أخرى أن الحب يكف عن أن يكون آسرًا ليصبح «تقدمة»، أي مجاني بالكامل. ومع ذلك، في إنجيل اليوم، إذا كان الحب، مُقدم على أنه أول الوصايا، إلا أنه معرف «بالوصية».

علينا أن نفهم بأن الكلمة تغير معناها عندما تنطبق على الحب: فهي لم تعد تشير إلى تعليم خارجي، بل إلى المنطق الداخلي للإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله. فهو ليس الأول على القائمة، بل خارج القائمة، مثل عبارة «بكر كل خليقة». إن عدم وجود وصايا حب الله والقريب في القائمة يصبح واضحًا عندما نرى أنها ليست جزءًا من الوصايا العشر. نجدهم في سفر تثنية الاشتراع (6، 4 - 5) وسفر اللاويين (19، 18)، وبالتالي منفصلتين.

وليس من العبث أن يسوع يجمعهم في وصية واحدة. فالإنجيلي متى يقول بأنهما «متشابهتان» (22: 36-40). مما يعطينا الرغبة بترجمتهما بكلمة «قابلة للتبديل»، والتي لن تكون دقيقة تمامًا. تبقى الحقيقة أننا لا نستطيع أن نحب الله بشكل مباشر: حبنا له يعبر من خلال الآخرين. «من لا يحب أخاه الذي يراه لا يستطيع أن يحب الله الذي لا يراه» (1يو 4، 20). وبالتالي، الآخرين بالنسبة لنا هم حضور الله ذاته، وفيهم يمكننا أن نضع أنفسنا في خدمته: «كل ما فعلتم لأحد إخوتي هؤلاء الصغار فلي أنا فعلتموه» (متى 25).

لكن الأمر يصبح معقدًا. في الواقع، يضيف الإنجيلي يوحنا في رسالته (الآية 21): «من أحب الله فليحب أخاه أيضًا». إذاً، حب الله هو الأول: حب الحب، حب الحقيقة، حب المسيح الذي يضع كل هذا الغير مرئي أمام أعيننا. في النهاية، ما نحبه في الآخرين هو صورة الله. حب الله، حب الذات الحقيقي، حب الآخرين: حقيقة واحدة.

ولكن ها هو الأمر: بما أننا لم نصل إلى نهاية مسيرة الخلق، فإننا لا نعرف بعد ما هو الحب، ولا حتى متى نحب بالفعل أو لا نحب. لذلك من الضروري أن نسلم ذاتنا لله.

SHARE