موعظة الأحد 2 تشرين الثاني 2025. موعظة ذكرى جميع الموتى
أش 25، 6 – 9 رو 14، 7 – 12 يو 14، 1- 12
«لا تَضْطَربْ قُلوبُكم. إنَّكُم تُؤمِنونَ بِاللهِ فآمِنوا بي أَيضاً. في بَيتِ أَبي مَنازِلُ كثيرة ولَو لم تَكُنْ، أَتُراني قُلتُ لَكم إِنِّي ذاهِبٌ لأُعِدَّ لَكُم مُقاماً؟ وإِذا ذَهَبتُ وأَعددتُ لَكُم مقاماً أَرجعُ فآخُذُكم إِليَّ لِتَكونوا أَنتُم أَيضاً حَيثُ أَنا أَكون. أَنتُم تَعرِفونَ الطَّريقَ إِلى حَيثُ أَنا ذاهِب". قالَ له توما: "يا ربّ، إِنَّنا لا نَعرِفُ إِلى أَينَ تَذهَب، فكَيفَ نَعرِفُ الطَّريق؟" قالَ له يسوع: "أَنا الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة. لا يَمْضي أَحَدٌ إِلى الآبِ إِلاَّ بي. فلَو كُنتُم تَعرِفوني لَعَرفتُم أَبي أَيضاً. مُنذُ الآنَ تَعرِفونَه وقَد رأَيتُموه". قالَ له فيلِبُّس: "يا ربّ، أَرِنا الآبَ وحَسْبُنا". قالَ له يسوع "إِنِّي معَكم مُنذُ وَقتٍ طَويل، أَفلا تَعرِفُني، يا فيلِبُّس؟ مَن رآني رأَى الآب. فكَيفَ تَقولُ: أَرِنا الآب؟ أَلا تُؤِمِنُ بِأَنِّي في الآبِ وأَنَّ الآبَ فيَّ؟ إنَّ الكَلامَ الَّذي أَقولُه لكم لا أَقولُه مِن عِندي بلِ الآبُ المُقيمُ فِيَّ يَعمَلُ أَعمالَه. صَدِّقوني: إِنِّي في الآبَ وإِنَّ الآب فيّ وإِذا كُنتُم لا تُصَدِّقوني فصَدِّقوا مِن أَجْلِ تِلكَ الأَعمال. الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: مَن آمَنَ بي يَعمَلُ هو أَيضاً الأَعمالَ الَّتي أَعمَلُها أَنا بل يَعمَلُ أَعظَمَ مِنها لأَنِّي ذاهِبٌ إِلى الآب».
الموعظة
إذا نظرنا عن كثب نلاحظ بأن يسوع يعرّف عن ذاته بثلاث كلمات: الطريق والحق والحياة، وهذا التعريف ينطبق على الله نفسه. فصعوبة فهم هذا النص تكمن في أن يسوع يؤكد في آنٍ معاً هويته وهوية الآب مع وجود بعد، مسافة. هويته: «من رآني فقد رأى الآب.. إني في الآب وأن الآب فيَّ...». بعد، مسافة بما أنه على يسوع الذهاب للالتحاق بالآب.
بالمقابل التلاميذ يعيشون في الغموض: يسوع، حضور الله، سيختفي عن أنظارهم، ولكن إذا ذهب، فلكي يعدّ لهم مقاماً حيث يذهب. ويضيف: «تعرفون أنّي في أبي وأنكم فيَّ وأنّي فيكم». فهناك إذن في الوقت عينه بعد ووحدة متبادلة. في هذه الحالة نحن نعيش اليوم. فالله هنا، يسكن فينا، ولكن علينا أن نوافق ونصادق على هذا الحضور من خلال حريتنا. هذا التصديق والموافقة يعود لإيماننا، لعلاقة واعية ومحبّة لله.
الإنجيلي متى يقول لنا بأن سكن الله فينا يتحقق في الإيمان المُعاش من خلال وحدتنا: «فَحَيثُما اجتَمَعَ اثنانِ أَو ثلاثةٌ بِاسمِي، كُنتُ هُناكَ بَينَهم» (18، 20). فالموضوع ليس عبادة فردية من خلالها نتحد فردياً بالله، إنما انفتاح على
الآخرين الذين من خلالهم يأتي الله إلينا، منتظراً استقبالنا. الرسالة الأولى ليوحنا تقول بأنه لا يمكننا أن نحب الله الذي لا نراه إن لم نحبّ أخوتنا الذين نراهم (4، 20). فالمسيح لم يعد تحت أنظارنا، لكننا نراه في أخوتنا البشر.
وهذا هو معنى ومبرر وجود الكنيسة، أي التجمع حيث الطقس المركزي فيه هو المشاركة بالغذاء. كما نلاحظ كل هذه الأمور مترابطة بقوة فيما بينها. كل شيء قد أُعطي واستُقبل، ومع ذلك علينا أن نعيد كل شيء. كليّة الزمن يسكنها حضور الله الخلاّق. الماضي «من رآني فقد رأى الآب»، والحاضر «منذ الآن تعرفون الآب ولقد رأيتموه... إنّي في الآب والآب فيَّ»، والمستقبل «سأرجع فآخذكم». فما نحن عليه الآن موجود منذ الأزل وإلى الأبد.
هنا أيضاً تباين مهم: المسيح سيأتي ليأخذنا بالقرب منه وسيقودنا إلى حيث هو ذاهب الآن. ومع ذلك، على التلاميذ أن يذهبوا إليه بحريتهم: فالموضوع هو الذهاب إلى الآب وهم يعرفون الطريق. هذا يعني أن مسيرتنا باتجاه الآب ترتبط باختيارنا، وفي الوقت نفسه لا يمكن أن تتحقق خارجاً عن المسيح بما أنه «الطريق والحق والحياة». من يتحد بالمسيح يلتقي الآب. ومنذ ذهابه لا يمكننا أن نتحد بالمسيح إلاَّ من خلال انفتاحنا على الآخرين، أخوتنا.
هذا يعيدنا إلى حياتنا اليومية المصنوعة من العلاقة مع الطبيعة (الغذاء)، ومع الآخرين. هنا من خلال الأمور الحياتية اليومية العادية جداً، يتم كل شيء. فلنعي للوجه الخفي لوجودنا، بما فيه من الروتين ومن الانتفاضات، دون أن ننسى بأن نوايانا العميقة تفلت من سيطرتنا في أغلب الأحيان، مقنّعة بحجج وتبريرات تولد من خوفنا من المغامرة. يبقى أن نثق ونسلم ذاتنا للذي يسكن فينا ويقودنا باتجاه حقيقتنا، أي باتجاه ملء خلقنا.
إنه هو الطريق والحق والحياة. فأن نُسكِته يعني اختيارنا للموت، موته هو وموتنا. ولكن لنحافظ على الرجاء الذي هو دعوتنا، فحتى هنا يأتي ليبحث عنّا ويجعل الحياة تنبعث مجدداً. فالكلمة الأخيرة هي في النهاية قيامة.