موعظة يوم الأحد 26 تشرين الأول 2025. موعظة الأحد الثلاثون من الزمن العادي
سي 35، 12 – 18 2 تيم 4، 6 – 8؛ 16 – 18 لو 18، 9 – 18
«في ذلك الزمان: ضرَبَ يسوعُ أَيضًا هذا المَثَل، لِقَومٍ كانوا مُستيقِنين أّنَّهم أَبرار، ويَحتَقِرونَ سائرَ النَّاس: «صَعِدَ رَجُلانِ إِلى الهَيكَلِ لِيُصَلِّيا، أَحَدُهما فِرِّيسيّ والآخَرُ عَشّار. فانتَصَبَ الفِرِّيسيُّ قائِمًا يُصَلَّي فيَقولُ في نَفْسِه: «الَّلهُمَّ، شُكرًا لَكَ لِأَنِّي لَستُ كَسائِرِ النَّاسِ السَّرَّاقينَ الظَّالمِينَ الفاسقِين، ولا مِثْلَ هذا العَشّار! إِنَّي أَصومُ مَرَّتَيْنِ في الأُسبوع، وأُؤَدِّي عُشْرَ كُلِّ ما أَقتَني».أَمَّا العَشّار، فوَقَفَ بَعيدًا لا يُريدُ ولا أَن يَرَفعَ عَينَيهِ نَحوَ السَّماء، بل كانَ يَقرَعُ صَدرَهُ ويقول: «الَّلهُمَّ، ارْحَمْني، أَنا الخاطئ!». أَقولُ لَكم إِنَّ هذا نَزَلَ إِلى بَيتِه مَبرورًا وأَمَّا ذاكَ فلا. فكُلُّ مَن رَفَعَ نَفْسَه وُضِع، ومَن وَضَعَ نَفْسَهُ رُفِع»
الموعظة
أن يجد الإنسان مكانه في الحياة وأمام الله، أو على الأقل في صلاته، ليس بالأمر السهل. كل واحد وواحدة منّا يشعر بالحاجة ليطمّئن ذاته. ولكن بأي خصوص؟ بخصوص قيمته، أهليته لأن يكون مفهوماً، مقبولاً ومحبوباً. في أحسن الحالات، البعض يمكنهم التساؤل حول استحقاقهم في الحياة. فهل تعتقدون أنكم بعيدين عن ذلك؟ في الواقع هذه التساؤلات، التي نادراً ما تُطرح بشكل مباشر، هي حاضرة بشكل خفي وراء نشاطاتنا وتصرفاتنا.
ولتفادي وعيها وإدراكها، يعيش الكثير من الناس على السطح، في «التسليات المتنوعة». فيتم التحدث عما نسميه بالعاميّة «تغيير شكل». ولكن من ماذا؟ من أي هاوية ارتباك وحيرة؟ كل شيء ممكن أن يكون حجة، ملجأ، لتفادي السؤال الأساسي: البحث عن المال، المشاريع المتنوعة، كما يقول المزمور، والرغبة في إعطاء اسمنا لقطعة من الأرض، أو لمؤسسة ما أو لشارع معيَّن.
«تثبيت قيمتنا ومكانتنا»، هذا أمر لا ينتهي أبداً. بالطبع، نبقى مدعوين للخروج من همّ ذاتنا لنعبر إلى همّ الآخرين، الاعتناء بهم، مشاركتهم بما يعيشونه، وهنا تكمن حقيقتنا كإنسان على صورة الله كمثاله؛ بشرط أن لا تسمم همومنا طريقة اهتمامنا بالآخر. فنحن لا نصبح بالفعل أحراراً إلاَّ في اليوم الذي ننجح فيه بتجاوز الخوف من ألا نكون بالكفاية. فالجهد الذي نبذله للسيطرة على هموم ذاتنا يمكنه في النهاية أن يُضاعفها. على هذه الخلفية، يمكننا إعادة قراءة مثل الفريسي والعشّار، الأول يطمئن ذاته من خلال لائحة تصرفاته الجيّدة.
مع العلم أنَّ بإمكانه أن يُعطي لائحة بما لا يقوم به. في كلا الأحوال، بحسب منطق المثل، لا وجود لسبب يجعلنا نشك في تأكيداته. إنه يشكر الله وبهذا هو على حق: فالتمجيد والشكر هما قمة الصلاة، وقمة كل كلمة تتوجه إلى الله، ونقطة وصول كل مسيرة روحية. المشكلة أنه لا يشكر على ما أُعطي له إنما على ما يقوم به، كما لو أنه هو المصدر، وبالتالي يأخذ مكان الله بكل معنى الكلمة. يعتبر ذاته مختلف عن الناس الآخرين ومتفوق عليهم.
لا شك أنه في هذه الحالة هناك ما يلزم للاطمئنان على الذات. لم يبقى له سوى أن يشكره الله. إنه مكتفٍ ذاتياً. في النهاية، ليس بحاجة لكي يُبرَّر، أو على الأقلّ إنه يجهل التبرير. لهذا السبب لن يكون مُبرَّراً. لقد قارن ذاته بالآخرين وفضلّ ذاته، فالنتيجة أن الله سيفضل الآخرين عنه. حتى هذا العشّار، الخاطئ تحديداً بما أنه مُفترض أنه يعيش من المال الذي يسرقه بسبب عمله كجابي للضرائب.
في كلا الأحوال، كما أن لا وجود لسبب للشك في حقيقة المجاملات التي يوجهها الفريسي، يمكننا أن نأخذ على محمل الجدّ الاتهامات التي يحملّها العشّار لذاته: «إنني رجل خاطئ». خاطئ، لا يجد الأمان في ذاته ولا في تصرفاته، بل في رحمة الله. الرحمة، المسامحة، ولكنها مسامحة تأتي ممّا هو أعمق من ذاتها. الفريسي جعل من ذاته الله عندما اعتبر نفسه مصدر ومالك للخير الذي يجده في حياته، بينما الله جعل من نفسه إنساناً بأخذه على عاتقه ضعفنا.
فرحمة الله هي «نزول إلينا» كما يقول القديس يوحنا فمي الذهب. الرحمة هي الكلمة الأخرى للحبّ الذي يتطلب المشاركة بكل شيء بين المحبين، لكنها أصبحت غائبة اليوم من قواميسنا. وهنا يوجد أكثر من المغفرة؛ هنا يوجد شيء من زواج. فحيث يوجد العشّار المدرك لشقائه، يوجد الله. إله بائس ومصلوب. ولكن لا يحق لنا أن نقيم في جو من التعاسة. فالفريسي يصل مشعّاً بفرح مزيف، والعشّار «يقرع صدره».
فإذا أردنا تمديد المثل الذي ينتهي بالوعد برفع من يضع نفسه ويأتي مباشرة قبل بركة يسوع للأطفال الصغار، يمكننا شرعاً الافتراض بأن العشّار المُبرّر يعود إلى بيته فرحاً، فرح حقيقي لأنه يعترف بذاته كمستقبِل لحبّ الله. لقد أصبح إنساناً جديداً: مُبرَّر، لم يعد كما كان.