الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 16 شباط 2025. موعظة الأحد السادس من الزمن العادي

2025-Feb-16 | عظات | 178

إر 17، 5-8   1 قور 15، 12-20   لو 6، 17. 20 - 27

 

«ثُمَّ نَزَلَ معَهم فوَقَفَ في مَكانٍ مُنْبَسِط، وهُناكَ جَمعٌ كَثيرٌ مِن تَلاميذِه، وحَشْدٌ كَبيرٌ مِنَ الشَّعْب مِن جَميعِ اليَهوديَّة، وأُورَشَليم، وساحِلِ صورَ وصَيْدا، وَرَفَعَ عَيْنَيْه نَحوَ تَلاميذِه وقال: «طوبى لَكُم أَيُّها الفُقَراء فإِنَّ لَكُم مَلَكوتَ الله. طوبى لَكُم أَيُّها الجائعونَ الآن فَسَوفَ تُشبَعون. طوبى لَكُم أَيُّها الباكونَ الآن فسَوفَ تَضحَكون. طوبى لَكُم إِذا أَبغَضَكُمُ النَّاس ورَذَلوكم وشتَموا ٱسمَكُم ونَبذوهُ على أَنَّه عارٌ مِن أَجلِ ٱبنِ الإِنسان. إِفرَحوا في ذٰلك اليَومِ وٱهتزُّوا طَرَبًا، فها إِنَّ أَجرَكُم في السَّماءِ عَظيم، فهٰكذا فَعَلَ آباؤهُم بِالأَنبِياء. لٰكِنِ الوَيلُ لَكُم أَيُّها الأَغنِياء فقَد نِلتُم عَزاءَكُم. الوَيلُ لَكم أَيُّها الشِّباعُ الآن فسَوفَ تَجوعون. الوَيلُ لَكُم أَيُّها الضَّاحِكونَ الآن فسَوفَ تَحزَنونَ وتَبكون. الوَيلُ لَكُم إِذا مَدَحَكم جَميعُ النَّاس فَهٰكذا فَعَلَ آباؤُهم بِالأَنبِياءِ الكَذَّابين».

الموعظة

«طوبى لكم أيها الفقراء»، «الويل لكم أيها الأغنياء!» يبدو الأمر كما لو أنه على الإنسان أن يشعر بالذنب لكونه غني أو سعيد، والمثالي هو أن يكون جائعًا وحزينًا. من الواضح أن مثل هذا التفسير لا معنى له. ولا ننسى بأن يوسف الرامي، كان رجل ميسور الحال للغاية، والأناجيل كرمته بتسليط الضوء على لفتته المتمثلة في دفن يسوع. فكيف إذن نقرأ هذه التطويبات؟ إن مفتاح التفسير هنا هو رؤية معينة للحياة وللإنسان المدعوين إلى نمو لا حدود له.

فالحياة هي حركة دائمة لا تتوقف إلا بالموت: «الرِّيحُ تَهُبُّ حَيثُ تَشاء فتَسمَعُ صَوتَها ولكنَّكَ لا تَدْري مِن أَينَ تَأتي وإِلى أَينَ تَذهَب. تِلكَ حالَةُ كُلِّ مَولودٍ لِلرُّوح» (يو 3، 8). من طبيعة الحياة أن تتطور باستمرار، وأن تتكيف بلا حدود، وأن تتغير حتى نجد الإجابات الصحيحة، ثم نستأنف الرحلة عندما تظهر أسئلة جديدة. ففكرة الحياة كرحلة طويلة هي إحدى النقاط التي يركز عليها لوقا، على مسار عشر فصول حيث يقدم لنا يسوع ذاهباً إلى أورشليم ويعطي الجزء الأساسي من تعليمه للتلاميذ هناك (9، 51 – 18، 14).

ولكن ما هو الفقر وما هو الغنى؟ يقول يسوع: «ما أَعسَرَ دُخولَ مَلَكوتِ اللهِ على ذَوي المال. فَلَأَن يَدخُلَ الجَمَلُ في ثَقْبِ الإِبرَة أَيسَرُ مِن أَن يَدخُلَ الغَنِيُّ مَلَكوتَ الله» (لو 18، 24 - 25). ويقول أيضاً: «اتخذوا لكم أصدقاء بالمال الحرام» (لو 16، 9). بما أن جوهر الإنسان هو علاقة وحب، فالغنى هو كل ما يبعده عن جوهره ويفلقه على ذاته كما هو واضح في مثل الغني ولعازر. ويصف يسوع المال بالحرام لكونه سرعان ما يتحول إلى صنم ويمنع الإنسان من الانفتاح على الآخر، يمنعه من العطاء.

يصبح الغنى مشكلة عندما يوقف تطور الإنسان، مع الوهم بأنه ممتلئ ويملك كل الراحة الممكنة، وأنه لا يحتاج إلى أي تغيير من حوله. هذا ما نراه في مثل الشاب الغني الذي حقق وصايا الله منذ طفولته والذي يسأل يسوع ماذا يجب أن يفعل لكي ينال الحياة الأبدية. عندما دعاه يسوع إلى اتخاذ خطوة أخرى واتباعه على الطريق، عاد الرجل الغني حزينًا، غير قادر على التقدم أكثر، لأنه سجين ممتلكاته. ولكن ليس الغنى وحده هو الذي يمنع مسيرة الحياة الحقيقية ويدمرها.

هناك أيضًا الخوف بكل أشكاله، وهناك أيضًا العطش للسلطة، والتعلق بالشهرة والتقدير القادم من العالمين المدني والديني: «الويل لكم إذا مدحكم جميع الناس» يقول إنجيل اليوم. أما الفقر الحقيقي فهو حتما ليس الفقر المادي مع أنه يحتويه أيضاً. الفقر الحقيقي هو عندما يكون الإنسان قادراً على تسليم ذاته لله ويستقبل كل شيء منه ويعيده إليه، وقادر على العطاء، لا ينغلق على نفسه وعلى حياته: «مَن حَفِظَ حَياتَه يَفقِدُها، ومَن فَقَدَ حَياتَه في سبيلي يَحفَظُها.

لا شك أن هناك أنواع من الفقر يدمر، وهناك أنواع من الفقر يتحول إلى حقد وحسد ورغبة في الانتقام. لكن ما يجب أن نباركه هي الظروف

 المعيشية التي تسمح لنا بتجربة الحياة بكل حقيقتها والهروب من أوهامها المتعددة التي هي عبارة عن العديد من الفخاخ. علينا أن نبارك هذه الظروف التي تساعدنا على الاستمرار في التحرك والعطاء، والتي تبقي رغبتنا حية، في عالم أفضل. لكن السؤال الذي يطرح نفسه: بشكل عام، في ظل أي ظروف نستمر في المضي قدما؟

لسوء الحظ، في كثير من الأحيان، عندما لم يعد لدينا ما نخسره، نوافق على طرح الأسئلة الحقيقية، ونوافق على اتخاذ قفزات كبيرة إلى الأمام، كما كانت الحال أثناء وباء الكوفيد، وكما هي حالنا اليوم في سورية. فمن الطبيعي أن يكون الشاب في طريقه نحو عالم أفضل. في الثلاثينيات من عمره، تنقل يسوع عبر فلسطين ليخبرنا عن عالم أفضل. ونحن، أين نحن اليوم؟ اليوم، نحن، مسيحيي سوريا نعيش في الخوف وفي فقر قسري يُغلقنا على ذاتنا حيث لدينا الشعور بأن لا حول ولا قوة لنا!

وهذا يطرح علينا السؤال المهم: هل نحن قادرون على تحويل هذا الفقر القسري إلى فقر إنجيلي نختاره؟ هل نحن لدينا الإمكانية للعبور من التفكير بذاتنا فقط وعيش الفقر الإنجيلي الدي يدعونا إلى الانفتاح على الآخر، الآخر المختلف عنا لنمد لنشبك أيدينا ببعضها ونفكر بالوطن والمواطنة بالمعنى العميق للكمة وليس من أطراف شفاهنا؟ هل نتبع المسيح ونسير معه على الطريق الذي سلكه؟

SHARE