الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 17 آب 2025. موعظة الأحد العشرون من الزمن العادي

2025-Aug-17 | عظات | 155

إر 38، 4 – 10     عب 12، 1 – 4      لو 12، 49 – 53  

«جِئتُ لأُلِقيَ على الأَرضِ ناراً، وما أَشدَّ رَغْبَتي أَن تَكونَ قدِ اشتَعَلَت! وعَلَيَّ أَن أَقبَلَ مَعمودِيَّةً، وما أَشَدَّ ضِيقي حتَّى تَتِمّ! أَتَظُنُّونَ أَنِّي جِئتُ لأُحِلَّ السَّلامَ في الأَرْض؟ أَقولُ لَكُم: لا، بَلِ الِانقِسام. فيَكونُ بَعدَ اليَومِ خَمسَةٌ في بَيتٍ واحِدٍ مُنقَسمين، ثَلاثَةٌ مِنهُم على اثنَينِ واثنانِ على ثَلاثَة: سيَنقَسِمُ النَّاسُ فيَكونُ الأَبُ على ابنِه والابنُ على أَبيه، والأُمُّ على بِنتِها والبِنتُ على أُمِّها، والحَماةُ على كَنَّتِها والكَنَّةُ على حَماتِها».

الموعظة

لدينا بعض المراجع الكتابية عن النار. يمكننا أن نفكر بشكل خاص في معمودية الروح والنار (لوقا 3-16)؛ وفي سيناء أثناء إعطاء الشريعة. إنجيل اليوم يقيم توازي بين هذه النار على الأرض و«المعمودية» التي يجب أن يتلقاها يسوع. من الواضح أن هذه المعمودية الحارقة هي العبور من الموت. في الواقع، فصح المسيح سيحقق فصل، وتصنيف، وحكم.

ومع ذلك، في الكتاب المقدس، النار هي التي تنقي الذهب بفصله عما ليس عليه. «التجربة بالنار» هي تعبير يتردد كثيرًا: «فيُمَتَحَنُ بِها إِيمانُكم وهو أَثمَنُ مِنَ الذَّهَبِ الفاني الَّذي معَ ذلك يُمتَحَنُ بِالنَّار» (1 بط 3، 7). مرة أخرى نحن أمام «الأزمة الإنجيلية»، والتي ستكون ذروتها الآلام التي «ستغربل» حتى التلاميذ «قالَ الرَّبّ: سِمعان سِمعان، هُوذا الشَّيطانُ قد طَلَبكُم لِيُغَربِلَكُم كَما تُغَربَلُ الحِنطَة» (لوقا 22، 31).

سيصل هذا الحكم بالطبع إلى قلب كل إنسان، ويكشف فينا ما هو من الإيمان وما يوجد من عدم الإيمان «إِنَّ كَلامَ اللهِ حَيٌّ ناجع، أَمْضى مِن كُلِّ سَيفٍ ذي حَدَّين» (عب 4، 12). وكما نعلم، في حياتنا، ساعات الأزمة هي التي تكشف من نحن. لكن إنجيل اليوم يتحدث عن انقسام، عن انفصال بين الناس. هذا أمر يستحق التوقف عليه حتى ولو أنني سأكرر بعض الشيء.

 في البداية، يخلق الله عن طريق الانفصال، أي بإنتاج كون مفصلي، حيث تكون الكائنات مختلفة وضرورية لبعضها البعض من خلال اختلافاتهم ذاتها. إن الصورة الجيدة للخليقة الكاملة هي الجسد كما يراه بولس «فإِنَّنا اعتَمَدْنا جَميعًا في رُوحٍ واحِد لِنَكونَ جَسَدًا واحِدًا، أَيَهودًا كُنَّا أَم يونانِيِّين، عَبيدًا أَم أَحرارًا، وشَرِبْنا مِن رُوحٍ واحِد» (1 قور 12). فالوحدة النهائية ليست اللاتمييز، نحن لا نعود إلى الفوضى البدائية حيث يوجد كل شيء في كل شيء، بل هي التمفصل المثمر للاختلافات.

وبما أن الأمر يتعلق بالإنسان، فهذه الوحدة ليست مسألة تنسيق ميكانيكي أو بيئي بحت (الحشرات اللازمة للطيور، وما إلى ذلك) إنما الاتصال الكامل الذي يتم بحرية، وبالتالي يتم اختياره وبنائه. هذه البشرية الواحدة في اختلافاتها، صورة الله الواحد، هي إنسانية مبنية «بحسب الشريعة»، أي بحسب الحب. فالاختلاف هو في الواقع الأساس الضروري للحب.

لكي تكون الوحدة ثمرة الحرية، وهذا شرط أساسي ليكون الإنسان الواحد على صورة الله الحر، يجب ألا يفرض الحب نفسه. يكتفي بأن يعرض ويقدم نفسه. والخطيئة تتمثل في اتخاذ ذريعة الاختلاف، والتنوع الضروري للحب، لخلق الانقسام، نقيض الحب وبالتالي نقيض «الجسد المفصلي». فيروس الانقسام هذا هو هنا، موجود فينا. يتغذى من كل الذرائع (أخطاء الآخرين، الأمان).

في بعض الأحيان تكون الأزمة حادة والخطيئة تتخذ وجهها الأخير: القتل. في أغلب الأحيان يكون الانقسام كامنًا؛ لا يظهر ولكنه يبقى «رابضاً على بابنا» (تك 4، 7). ماذا سيفعل الله، الحب، لمواصلة بناء الجسد الذي يقول الكلمة الأخيرة للخلق؟ في البداية سيكشف الشر المخفي، المستتر، «المختبئ»، حتى يتمكن الإنسان، في مواجهة شره، وينكره بحرية.

والله يكشف الانقسام بفصل (مرة أخرى!) إسرائيل عن الشعوب الأخرى. من الآن فصاعدًا، هناك صراع حتى الموت بين اليهودي والوثني، بلورة الصراع الشامل للإنسان مع الإنسان. هذا القتال المميت سيبلغ ذروته في آلام المسيح. سيحمل يسوع شر الإنسان (خطيئة العالم).

حامل للاختلاف المطلق لأنه البار في وسط الخطأة، سوف يجذب إليه كل كراهية، كراهية اليهودي وكراهية الوثني. ضحية جريمة قتل بدون سبب (إنه الإنسان البار)، سوف يبرز أمام أعين الجميع، الجنون الموجود في سلوكنا القاتل. لا ننسى بأن القتل موجود في تصرفاتنا التي تبدو الأكثر عادية. يبقى لنا أن «ننظر إلى من طعنا»، أن نتجه نحوه.

بالعودة إلى الإنجيل، نقرأ أن المسيح، بكشفه من خلال عيشه لذروة الانقسام، يحمل هذا الانقسام إلى ذروته. هذا بالفعل الطريق لكي ينتهي الانقسام، ومع ذلك، عمل الفصح لا يضع حداً له. ودائمًا لنفس السبب: على الإنسان أن يبني نفسه بحرية. فالفصح، يقدم لنا من بين أمور أخرى، ثلاثة أشياء:

معرفة شرنا. والإعلان عن عبثية جنوننا القاتل: فالقتل لا ينجح بما أن الضحية يقوم من بين الأموات. وأخيراً، «سُلم» الروح (يوحنا 19، 30).

 ودوا الانقسام يجد داخل الإنسان نفسه، نقيضه: الروح، نداء الحب الخلاق.

SHARE