موعظة يوم الأحد 18 نيسان 2021 موعظة الأحد الثالث من الزمن الفصحي
أع 3، 13 - 19 1 يو 2، 1- 5 لو 24، 35 – 48
«في ذَلكَ الزَّمان: رَوَى تِلميذا عِمَّاوُس لِلرُسُل ما حَدَثَ في الطَّريق، وكَيفَ عَرَفا يَسوع عِندَ كَسْرِ الخُبْز. وبَينَما هُما يَتَكَلَّمان، إِذا بِه يقومُ بَينَهم فيَقول: «السَّلامُ علَيكُم!». فأَخَذَهُمُ الفَزَعُ والخَوفُ، وَتَوَهَّموا أَنَّهم يَرَونَ رُوحًا. فقالَ لَهم: «ما بالُكم مُضطَرِبين، ولِمَ ثارَتِ الشُّكوكُ في قُلوبِكم؟ أُنظُروا إِلى يَدَيَّ و رِجلَيَّ. أَنا هو بِنَفْسي. المسوني وانظُروا، فإِنَّ الرُّوحَ ليسَ له لَحمٌ ولا عَظْمٌ كما تَرَونَ لي». قالَ هذا وأَراهُم يَدَيهِ وَرِجلَيهِ. غَيرَ أَنَّهم لم يُصَدِّقوا مِنَ الفَرَحِ، وظَلُّوا يَتَعَجَّبون، فقالَ لَهم: «أَعِندَكُم ههُنا ما يُؤكَل؟» فناوَلوهُ قِطعَةَ سَمَكٍ مَشوِيّ. فأَخَذَها وأَكَلَها بِمرأًى مِنهُم. ثُمَّ قالَ لَهم: «ذلك كلامي الَّذي قُلتُه لكم إِذ كُنتُ مَعَكم، وهو أَنَّه يَجِبُ أَن يَتِمَّ كُلُّ ما كُتِبَ في شأني، في شَريعَةِ موسى وكُتُبِ الأَنبِياءِ والمَزامير». وحينَئِذٍ فَتحَ أَذْهانَهم لِيَفهَموا الكُتُب. وقالَ لَهم: «كُتِبَ أَنَّ المَسيحَ يَتأَلَّمُ ويقومُ مِن بَينِ الأَمواتِ في اليَومِ الثَّالِث، وتُعلَنُ بِاسمِه التَّوبَةُ وغُفرانُ الخَطايا في جَميعِ الأُمَم، اِبتِداءً مِن أُورَشَليم. وأَنتُم شُهودٌ على ذَلِكَ. وإنِّي أُرسِلُ إلَيكُم ما وَعَدَ بهِ أَبي. فَامكُثوا أَنتُم في المدينَة، إلى أَن تُلبَسوا قُوَّةً مِنَ العُلى»
الموعظة
«فبَدأَ مِن مُوسى وجَميعِ الأَنبِياء يُفَسِّرُ لَهما جميعِ الكُتُبِ ما يَختَصُّ بِه». يدعو يسوع تلميذي عمّاوس لكي يقرؤوا معه حياته وموته ضمن إطار تاريخ الخلاص لكي يأخذوا معناهم. والتلاميذ بدورهم تمسكوا، من جيل إلى جيل بهذه القراءة لحياتهم لكي يكتشفوا حضور الله فيها.
فهناك إذن تقليد طويل يدعونا لنكتشف من خلال هذه القراءة تقدماً روحياً. من المهم جداً ألا ننسى بأن الموضوع هو مسيرة حياة وأن للذاكرة دور مهم للغاية في هذا المجال: «أنا هو الرب إلهك الذي أخرجك من دار العبودية، لا يكن لك إله غيري...». فلا وجود لحياة مسيحية دون جذور كتابية عميقة.
كما أن لا وجود لتقدم روحي خارجاً عن الزمن، خارجاً عن الماضي الموجود من خلال استقبال المستقبل. فالزمن بالنسبة لنا عامل مهم للغاية. وقراءة الحياة، «توسع فينا مساحة المحبة» كما كان يقول القديس اغسطينس. هذا الإرث الروحي الذي بناه الكتاب المقدس، لسنا الوحيدين الذين نمارسه ونعيشه، فالمؤرخين والعاملين في المجال النفسي، يجعلوا من هذه القراءة أساس المستقبل وأحد ينابيع الحرية.
والكتاب المقدس، هو قبل كل شيء خبرة روحية حقيقية. وتجاهل هذه الخبرة يعني التعرض لأخطاء كبيرة حول طبيعة ومحتوى الكتاب المقدس وفي نفس الوقت فقدان تعليم مهم ينير طريقنا كقراء لهذا الكتاب وكمسيحيين. فالكتابة تعني بكل بساطة أخذ البعد اللازم والضروري عن الحدث الذي نريد كتابته. إنها إعادة قراءة الحدث.
من خلال رواية تلميذي عمّاوس يروي لنا الإنجيلي لوقا خبرة روحية أخذها من الجماعات المسيحية الأولى ويريد أن يصف لنا الطريق الذي من خلاله يمكننا أن نكتشف في يسوع الناصري، الذي صلب، السيد القائم من بين الأموات، وأن نوطد إيماننا به. هذا الطريق يعبر من خلال تذكار الحوادث التي تمت، لكي نقرأ الله في حياتنا اليوم فننيرها.
تتمحور أفكار تلميذي عمّاوس حول الأيام الدرامية التي عاشوها منذ ثلاثة أيام: «وكانا يتحدثان بجميع هذه الأمور التي جرت». هنا تكمن نقطة انطلاق لديناميكية نهايتها اعترافهم، بهذا المجهول الذي أتى للقائهما، بأنه المعلم الذي تبعوه.
مسيرة التلميذين تكمن في العبور من اللامعنى الذي يعيشوه كفشل لرجائهم المسيحاني إلى المعنى الذي يريد يسوع أن يكشفه لهم لكي يثبتهم في الإيمان. من اللامعنى البحت إلى ملء المعنى، هكذا تم تعبيد وتحديد معالم الطريق بين نقطة الانطلاق ونقطة الوصول.
لم يقترح عليهم يسوع شرحاً لما حدث، إنما يطرح عليهم سؤالاً: «ماهي؟» فيروون له ما حدث بيسوع الناصري. يعبرون عن خبرتهم مع من تبعوه: «ما يَختَصُّ بِيَسوعَ النَّاصِريّ، وكانَ نَبِيّاً مُقتَدِراً على العَمَلِ والقولِ عِندَ اللهِ والشَّعبِ كُلِّه. كَيفَ أَسلَمَه عُظَماءُ كَهَنَتِنا ورُؤَساؤُنا لِيُحكَمَ علَيهِ بِالمَوت، وكَيف صَلَبوه» هو الذي اعتبروه المسيح. هذا هو سبب فشل، زوال رجاء هذين التلميذين.
لكن بروايتهم للقصة أخذوا بعداً من اضطرابهم. لا شك هذا الاضطراب لا يزال موجود ويطبع نظرتهم للأمور، ولكن هذا البعد سيساعدهم لتحديد الأمر الذي عليهم إيجاد المعنى له: القبر الفارغ. بكلمات العقل والقلب يبدأ يسوع جوابه لهم: «يا قَليلَيِ الفَهمِ وبطيئَيِ القَلْبِ عن الإِيمانِ بِكُلِّ ما تَكَلَّمَ بِه الأَنبِياء». ثم يعرض لهم قراءته الشخصية للحوادث.
إنه يضعها ضمن إطار تاريخ شعبه: «فبَدأَ مِن مُوسى وجَميعِ الأَنبِياء يُفَسِّرُ لَهما في جميعِ الكُتُبِ ما يَختَصُّ بِه.» «أَما كانَ يَجِبُ على المَسيحِ أَن يُعانِيَ تِلكَ الآلام فيَدخُلَ في مَجدِه؟».
فما تقوله الكتب المقدسة ومعناها النهائي، لا يمكن أن يُكشف إلاَّ من قبل المسيح وعلى ضوء قيامته. معنى هذه القراءة لا يفرضه المنطق، بل الالتزام الإيماني والحرية. فقط استقبال يسوع الكلي والحر لإرادة الآب يمكنه أن يعطي مفتاح القراءة. وهذا ما تحقق.
إعادة قراءة يسوع للحدث تغذي القراءة التي بدأها التلميذين. قلبهم البطيء يتقد. لا يتمنون سوى متابعة الحوار معه، هذا الحوار الذي يلعب دور العلاج فيهم. ومبادرة التلميذين تقول لنا بأنهم مسكوا زمام قصتهم، وحياتهم عادت فوجدت بداية المعنى. لقد خرجوا من الفوضى. ويدعوه لمشاركتهم الطعام.
ما حدث على المائدة يعتبر المرحلة النهائية قبل أن يصلوا إلى ملء معنى الأحداث. بعد القراءة التي قام بها يسوع وحددت مكانه ضمن تاريخ شعبه، يأتي عمل كسر الخبز. ما كان سوى مجرد ذكرى من الماضي يظهر مجدداً ليربط الماضي بالحاضر حيث أدرك التلميذين بأن الأمر يعنيهم: فعرفوه.
وعبروا من المشاعر الغامضة والمتناقضة للحدث إلى رؤية أوضح لأنهم أخذوا البعد بالنسبة للحدث. وأخيراً وصلوا إلى ملء المعنى: الإيمان. وإعادة قراءة يسوع تصبح إعادة قراءتهم الشخصية. بعد أن تركوا المكان تابعوا مسيرتهم إنما بالاتجاه المعاكس. السيد اختفى ولكن ليس مهماً، بما أنهم يعلمون الآن بأنه حيّ. كانوا مستعجلين لمشاركة الآخرين بهذا الملء الذي يسكنهم.
لكن رواية لوقا تلزمنا هنا بوقفة. ليسوا هم أول من يتكلم عندما يلتقون الأحد عشر. عليهم أن يسمعوا شهادة من التحقوا بهم: «إن الربَّ حقَّا قام وتراءى لسمعان». هنا نعتقد أننا وصلنا إلى نهاية الطريق. كان لا بد لهذه المرحلة الأخيرة لبلوغ الهدف. إعادة قراءة التلميذين يجب تثبيتها من قبل الأحد عشر، وبشكل خاص من قبل بطرس.
لكي تكون خالية من الوهم، يقول لنا لوقا، على إعادة القراءة أن تكون أيضاً إعادة قراءة الجماعة. أعادة القراءة المسيحية في الإيمان لا تكون شرعية إلاَّ إذا كانت متطابقة مع إعادة قراءة الكنيسة، كنيسة بطرس.