الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 23 أيار 2021، موعظة أحد العنصرة

2021-May-23 | عظات | 856

أع 2، 1 – 11   غلا 5، 16 – 25   يو 15، 26 – 27؛ 16، 12 – 15

 

«ومَتى جاءَ المُؤَيِّدُ الَّذي أُرسِلُه إِلَيكُم مِن لَدُنِ الآب رُوحُ الحَقِّ المُنبَثِقُ مِنَ الآب فهُو يَشهَدُ لي وأَنتُم أَيضاً تَشهَدون. لا يَزالُ عِنْدي أَشْياءُ كثيرةٌ أَقولُها لَكم ولكِنَّكُم لا تُطيقونَ الآن حَملَها. فَمتى جاءَ هوَ، أَي رُوحُ الحَقّ، أَرشَدكم إِلى الحَقِّ كُلِّه لأَنَّه لن يَتَكَلَّمَ مِن عِندِه، بل يَتَكلَّمُ بِما يَسمَع ويُخبِرُكم بِما سيَحدُث سيُمَجِّدُني لأَنَّه يَأخُذُ مِمَّا لي ويُخبِرُكم بِه. جَميعُ ما هو لِلآب فهُو لي ولِذلكَ قُلتُ لَكم إِنَّه يأخُذُ مِمَّا لي ويُخبِرُكم بِه».

 

الموعظة

أتى حدث العنصرة بعد خمسين يومًا من التأرجح والغموض والضياع الذي كان يعيشه التلاميذ. من جهة، قام يسوع من بين الأموات، فامتلأوا فرحاً، رأوه وسمعوه، وأكلوا معه أيضًا. من جهة أخرى، لم يتغلبوا بعد على الشكوك والمخاوف: لا يزالوا سجناء لها، غير قادرين على إعلان الحي.

ثم يأتي الروح القدس وتختفي المخاوف: الآن لم يعد الرسل يعرفون الخوف، حتى أمام من يلقي القبض عليهم؛ كانوا يهتمون أولاً بإنقاذ حياتهم، والآن لم يعودوا خائفين من الموت؛ كانوا منغلقين في العلية، والآن يعلنون البشرى لكل الشعوب. حتى لحظة صعود يسوع كانوا ينتظرون ملكوت الله من أجلهم، وهم الآن حريصون على الوصول إلى حدود غير معروفة.

نادرًا ما تحدثوا علنًا من قبل، والآن يتحدثون بصراحة للجميع. تحولوا الآن بفرح جعلهم يولدوا من جديد. هذا ما فعله الروح القدس. فالروح ليس شيئًا مجردًا، كما قد يبدو. إنه الشخص الأقرب والأكثر واقعية، الشخص الذي يغير حياتنا.

إذا نظرنا إلى الرسل، نرى أن الروح لم يسهل عليهم الأمر، ولم يصنع معجزات مذهلة، ولم يتجاهل المشاكل والمعارضين، لكن الروح جلب الانسجام الذي كان غائباً عن حياة التلاميذ. تخبرنا حياتهم أنه لا يكفي أن نعرف أن القائم من بين الأموات حياً إذا لم نحيا كقائمين.

والروح هو الذي يجعل يسوع يعيش ويعيش فينا ويعيد إحياءنا من الداخل. لهذا السبب، يكرر يسوع، في لقائه مع تلاميذه وهو يعطيهم الروح: «السلام عليكم!».  

السلام، لا يتعلق بحل المشاكل الخارجية ــــــ فالله لا يزيل الضيقات والاضطهادات عن شعبه ـــــ، ولكن في قبول الروح القدس. هذا السلام الذي لا يخلو من المشاكل ولكن في المشاكل، مُقدم لكل واحد منا. إنه سلام يجعل القلب مثل أعماق البحار التي تظل دائمًا حتى عندما تهيج الأمواج السطحية.

إنه انسجام عميق لدرجة يحول فيها الاضطهادات إلى تطويبات. بالمقابل، كم مرة نبقى على السطح! بدلاً من البحث عن الروح، نحاول الخروج منه، معتقدين أن كل شيء سيكون أفضل إذا مرت هذه المحنة، إذا لم نعد نرى هذا الشخص، إذا تحسن هذا الموقف. لكن هذا هو البقاء على السطح: بعد مشكلة واحدة، ستحدث أخرى وسيعود القلق من جديد.

نقطة التحول هي سلام يسوع وانسجام الروح. اليوم، في العجلة التي يفرضها علينا عصرنا، يبدو أن الانسجام يتم دفعه جانبًا: تمزقه ألف جزء، ونخاطر بالانفجار، بسبب التوتر المستمر الذي يجعلنا نتفاعل بشكل سلبي مع كل شيء. ونحن نبحث عن الحل السريع، حبة بعد حبة، والعاطفة بعد العاطفة لنشعر بالحياة.

مع الروح، هناك سلام في القلق، وثقة في الإحباط، وفرح في الحزن، وشباب في سن الشيخوخة، وشجاعة في التجربة. بين التيارات العاصفة في الحياة، هو الذي يثبت مرساة الرجاء. إنه المعزي الذي ينقل حنان الله إلينا. بدون الروح، تتآكل الحياة المسيحية، محرومة من الحب الذي يوحد الجميع.

بدون الروح، يبقى يسوع صفة من الماضي، مع الروح هو اليوم شخص حي. بدون الروح، الكتاب المقدس هو حبر على ورق، بالروح هو كلمة الحياة. المسيحية بدون الروح هي أخلاقية بدون فرح. بالروح هي الحياة. لا يجلب الروح القدس الانسجام في الداخل فحسب، بل في الخارج أيضًا بين الناس. إنه يجعلنا كنيسة، ويجمع أجزاء مختلفة في صرح واحد متناغم.

وبولس الرسول عندما يتحدث عن الكنيسة، يردد كلمة، «التنوع»: «تتنوع المواهب، وتتنوع الخدمات، وتتنوع الأنشطة». نحن مختلفون في تنوع الصفات والعطايا. ومن هذا التنوع، يبني الروح الوحدة. لقد كان يفعل ذلك منذ الخلق لأنه متخصص في تحويل الفوضى إلى كون، وتحقيق الانسجام.

اليوم في العالم، أصبحت التناقضات انقسامات حقيقية: هناك من لديه الكثير وهناك من ليس لديه شيء، هناك من يسعى ليعيش مائة عام وهناك من لم يولد. في عصر أجهزة الكمبيوتر، نبقى على مسافة: أكثر «اجتماعية» ولكن أقل اجتماعية. نحن بحاجة إلى روح الوحدة الذي يجددنا ككنيسة وكشعب الله وكبشرية.

الروح القدس، يربط المسافات ويوحدها ويعيد الضائع. يدمج نغمات مختلفة في تناغم فريد لأنه يرى الخير أولاً، ينظر إلى الإنسان قبل أخطائه، وينظر إلى الناس قبل أفعالهم. من يعيش في الروح، يجلب السلام حيث يوجد الخلاف، والوفاق حيث يوجد الصراع.

الرجال الروحيين يردون بالخير على الشر، وباللطف على الغطرسة، وبالصمت على الضجة، وبالصلاة على الثرثرة، وبالابتسامة على الانهزام. ولكن لكي نكون روحانيين، ونتذوق انسجام الروح، علينا أن نضع بصرنا أمام أعيننا. وهكذا تتغير الأمور.

بالروح، الكنيسة هي شعب الله المقدس، والرسالة هي عدوى الفرح وليس التبشير. لكن بدون الروح، تكون الكنيسة منظمة، والرسالة دعاية، والشركة جهد. الروح هو احتياج الكنيسة الأول والأخير. «يأتي حيث يُدعى، حيث يُنتظر ويُستقبل».

فلنصل له كل يوم. يا روح القدس، انسجام الله، أنت الذي يحول الخوف إلى ثقة والانغلاق إلى هبة، تعال إلينا. أعطنا فرح القيامة، شباب القلب الأبدي. أيها الروح القدس، انسجامنا، يا من تجعلنا جسداً واحداً، املأ الكنيسة والعالم بسلامك. اجعلنا صناع الوئام، وزارعي الخير، ورسل الرجاء.

 

SHARE