موعظة يوم الأحد 6 حزيران 2021، موعظة أحد الجسد
خر 24، 3 – 8 عب 9، 11 – 15 مر 14، 12 – 16. 22 – 26
«في أَوَّلِ يَومٍ مِن الفَطير، وفيه يُذبَحُ حَمَلُ الفِصْح، قال له تَلاميذُه: إِلى أَينَ تُريدُ أَن نَمضِيَ فنُعِدَّ لَكَ لِتَأكُلَ الفِصْح؟ فأَرسَلَ اثنَينِ مِن تَلاميذِه وقالَ لَهما: اِذهَبا إِلى المدينة، فَيَلقاكُما رَجُلٌ يَحمِلُ جَرَّةَ ماءٍ فاتبَعاه، وحَيثُما دَخَل فَقولا لِرَبِّ البَيت: يَقولُ المُعَلِّم: أَينَ غُرفَتي الَّتي آكُلُ فيها الفِصْحَ مَعَ تَلاميذي؟ فيُريكُما عُلِّيَّةً كبيرَةً مَفْروشَةً مُهَيَّأَةً، فأَعِدَّاهُ لَنا هُناك. فذهَبَ التِّلميذانِ وأَتَيا المَدينة، فوجَدا كما قالَ لَهما وأَعدَّا الفِصْح. وبَينما هم يَأكُلون، أَخذَ خُبزاً وبارَكَ، ثُمَّ كَسَرَه وناوَلَهم وقال: خُذوا، هذا هُوَ جَسَدي. ثُمَّ أخَذَ كأَساً وشَكَرَ وناوَلَهم، فشَرِبوا مِنها كُلُّهم، وقالَ لَهم: هذا هو دَمي دَمُ العَهد يُراقُ مِن أَجلِ جَماعَةِ النَّاس. الحَقَّ أَقولُ لَكم: لن أَشرَبَ بَعدَ الآنِ مِن عَصيرِ الكَرمَة، حتى ذلك اليَومِ الَّذي فيه أَشرَبُه جديداً في مَلَكوتِ الله. ثُمَّ سَبَّحوا وخَرَجوا إِلى جَبَلِ الزَّيتون».
الموعظة
الإفخارستيا هي قبل كل شيء ذكرى. وبولس الرسول في رسالته إلى أهل قورنتس ينقل إلينا ما يشكل مركز الإفخارستيا: «فإني تسلمت من الربّ ما سلّمته إليكم، وهو أنّ الربّ في الليلة التي أُسلم فيها أخذ خبزاً وشكر وقال: هذا هو جسدي، إنه من أجلكم، اعملوا هذا لذكري. وصنع مثل ذلك على الكأس بعد العشاء وقال: هذه الكأس هي العهد الجديد بدمي. كلّما شربتم فاعملوه لذكري.
فإنكم كلّما أكلتم من هذا الخبز وشربتم من هذه الكأس تعلنون موت الربّ إلى أن يأتي». وما تبقى فهو يشكل نوع من الشرح والتوضيح لهذه لكلمات «خذوا فكلوا...خذوا فاشربوا». ولكن هناك، بالإضافة إلى الكلمات، الخبز والخمر، الذين يذكروننا بما أعطاه يسوع طعاماً وشراباً في ليلة آلامه. وموضوع الأكل والشرب يملأ صفحات الكتاب المقدس بعهديه.
فالخبز يعبر عن علاقتنا بالطبيعة، هذه العلاقة هي مصدر حياة (نحن نأكل من الطبيعة) وفي نفس الوقت الخبز يعبر عن سيطرتنا على هذه الطبيعة التي دُعينا للسيطرة عليها، كذلك الأمر بالنسبة للخمر، ولكنه يضيف إلى ذلك فرح العيد: «فقالت لهنَّ الكرمة: أأتخلى عن نبيذي الذي يُفرح الآلهة والبشر؟ ... الخمر والطّرب يسرّان القلب» (قض 9، 10).
لكن الخبز قد يصبح قاسياً، والنبيذ قد يعني كأس الألم الذي يجب شربها حتى النهاية. إضافة إلى أن الخبز والخمر يعبران أيضاً عن العلاقات الاجتماعية: علاقات قاتلة عندما يتقاتل البشر من أجل الخبز (لقمة العيش) أو عندما يحرر النبيذ شغف القتل؛ وعلاقات حب أيضاً عندما يجتمع الناس للمشاركة وفرح العرس. فالخبز والخمر عندما نأتي بهما إلى مائدة الإفخارستيا، فهم مُثقلين بالمعاني الحياتية، وسوف يعبرون من خلال تغيير رمزي يجعلهما تعبيراً عن عطاء لحب أعظم.
الكلمات التي نلفظها على الخبز والخمر، هذه الكلمات التي أتتنا من يسوع نفسه، سوف تغيّر معنى هذه الأغذية. ولكن لا يكفي التأمل فيها والاندهاش بمعناها الجديد: علينا أن نأكل ونشرب منها «المناولة». من يأكل يحيا، ومن لا يأكل يموت كما يقول لنا يسوع في إنجيل يوحنا الفصل 6.
هذا يعني أن الأكل والشرب هنا يتجاوزون ومن بعيد الطقس الإفخارستي: علينا أن نأخذ على عاتقنا ما يحدث في الإفخارستيا، عطاء الحياة، عطاء يمكن أن يتم من قبل أُناس غير مسيحيين. لقد اعتدنا أن نقول بأن الخبز والخمر يصبحان جسد ودم المسيح. لكنَّ العكس صحيح أيضاً: المسيح يصبح خبزنا وخمرنا، غذاء حقيقي ومشرب حقيقي: «لأن جسدي طعام حقّ، ودمي شراب حقّ» (يو 6، 55).
خبز أكثر من خبز موائدنا. والسؤال كيف يمكننا أن نُعطي ذاتنا غذاءً للآخرين؟ الجواب يرتبط بالظروف وبنداءات الروح القدس، لكن هناك أمر أكيد: لا ننقذ، لا نخلص إلاَّ ما نعطيه، وما نحتفظ به يموت. عطاء من وقتنا، من قوتنا، من خيراتنا، الخ.
ولكن علينا ألا ننسى بأن خطوتنا الأولى، الخطوة المؤسسة، ليست عطاء ذاتنا غذاء للآخرين، مهما كان المعنى الذي نعطيه لهذا العطاء، إنما أن نأكل ونشرب من جسد ودم المسيح، أن نترك ذاتنا تتغذى من حياة آخر، من حياة المسيح. آدم أكل من الثمرة الممنوعة ومات بسببها، من الآن فصاعداً نحن نأكل من شجرة الصليب ونحيا منها.
في سفر الخروج 16 نرى الجماعة مهددة بالموت جوعاً. فأعطاهم الله المنّ «خبز السماء» كما يُدعى. هذا المنّ، بحسب إنجيل يوحنا، ما هو سوى صورة عن الخبز الحقيقي «المسيح ذاته». المنّ، خبز لا يدوم، بمعنى أنه لا يمضي عليه الليل إلاَّ ويعفّن، لهذا السبب يطلب منهم الله عدم الاحتفاظ به.
هذا المنّ، سيحل محله الخبز الذي لا يفسد «لا تعملوا للقوت الفاني، بل اعملوا للقوت الباقي...»، يعبر الليل دون فساد، يعبر ليل الصليب، ليل الموت. والإنجيل، في حدث تكثير الخبز يعلن هذا الخبز الذي يبقى بما أنه، على عكس المنّ، جمعوا واحتفظوا بما بقي منه.
إحدى الجوانب المهمة في هذه الرواية هو التركيز على العدد الرمزي: 5 آلاف. وسفر الخروج يركز على المجاعة الجماعية، ممّا يعني أن هدف الإفخارستيا هو ولادة الجسد الجديد للمسيح: نحن واحد لأن المسيح يسكن فينا ونتغذى منه.
والقديس أغسطينس يتحدث عن 3 مستويات للإفخارستيا: في البداية هناك الرمز وحده، أي الخبز والخمر التي نأتي بهم إلى الهيكل. ثم تلتحق العلامة بالمعنى (الكلمة): يتم تقديسها، أي يُعطى لها معنى جديد. أخيراً تبقى «المادة» وحدها، الواقع الذي ولد من هذا السر: جسد المسيح الذي هو الكنيسة، الشعب المجتمع والموّحد في الحب، هذا الحب الذي قاد يسوع لعطاء حياته.