الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 20 حزيران 2021، موعظة الأحد االثاني عشر من الزمن الفصحي

2021-Jun-20 | عظات | 584

أيوب 38، 1. 8 – 11     2 قور 5، 14 – 17   مر 4، 35 – 41

 

«وقالَ لَهم في ذلكَ اليومِ نفسِه عندَ المساء لِنَعبُرْ إِلى الشَّاطِئِ المُقابِل. فتَركوا الجَمعَ وساروا به وهُو في السَّفينة، وكانَ معَهُ سُفُنٌ أُخرى. فعَصَفَتْ رِيحٌ شَديدة وأَخَذَتِ الأَمواجُ تَندَفِعُ على السَّفينة حتَّى كادَت تَمتَلِئ. وكانَ هُو في مُؤخَّرِها نائماً على الوِسادَة، فأَيقَظوه وقالوا له: يا مُعَلِّم، أَما تُبالي أَنَّنا نَهلِك؟ فاَستَيقَظَ وزَجَرَ الرِّيحَ وقالَ لِلبَحْر: اُسْكُتْ! اِخَرسْ! فسكنَتِ الرِّيحُ وحدَثَ هُدوءٌ تَامّ. ثُمَّ قالَ لَهم ما لَكم خائفينَ هذا الخَوف؟ أَإِلى الآنَ لا إِيمانَ لَكم؟  فخافوا خَوفاً شَديداً وقالَ بَعضُهُم لِبَعْض: مَن تُرى هذا حتَّى تُطيعَه الرِّيحُ والبحر؟»

الموعظة

يسوع نائم. نائم في عمق العاصفة. لا شك أننا نعرف جدياً هذه الرواية الإنجيلية خصوصاً أنها تحدثنا عن الكثير من قصصنا وواقعنا. كم وكم من الأزمات عبرناها مع الشعور المزعج بالوحدة في المركبة، في العالم؟ كم من المرّات وقعنا في تجربة التفكير بأن يسوع قد تخلّى عنّا؟

بالطبع، الأمواج التي يتحدث عنها النص لا علاقة لها إلاَّ قليلاً بفرح وجودنا على شاطئ البحر أو بالنزهات التي قد نقوم بها على المراكب التي تأتي على أذهاننا بشكل عفوي، خصوصاً ونحن على أبواب العطلة الصيفية. الأمواج والمياه هنا تذكرّنا بالأحرى بالفوضى الأولى في سفر التكوين.

إنها صورة العدم التي منها سيُخرج الله الخلق، إنها البحر الأولّي الذي يرجعه إلى الوراء ليُظهر الأرض؛ إنها في الوقت نفسه علامة قوى الشر الذي يريد أن يعيدنا إلى العدم. وعلى البحر هناك المركبة! والإنسان يلجأ إليها ليكمل الخلق والتاريخ المقدس. هنا يمكننا أن نتذكّر سفينة نوح، أو مهد موسى، الطفل الذي أُنقذ من المياه.

من المحتمل جداً أن يكون الإنجيلي مرقس قد رأى في المركبة على البحيرة صورة الكنيسة؛ الكنيسة التي تتقاذفها كل الجهات، وتبدأ بالغرق: «كادت السفينة أن تمتلئ» يقول لنا النص. واليوم قد نميل كثيراً لهذه الملاحظة التي تتعبنا وتُثقلنا: الاهتمام الديني والممارسة الدينية في كنائسنا بانخفاض ملحوظ.

انخفاض كبير في الدعوات الكهنوتية والرهبانية؛ وكلمة الكنيسة غير مسموعة... ولكن الأنانية، الكبرياء، التعصب، والادعاء في الحكم على الآخرين، كل ذلك يستمر في حياة شعب الله. باختصار الكنيسة تواجه تحديات عدة خارجية وداخلية. السفينة تمتلئ بالمياه من كل صوب: «إننا نهلك» يقول التلاميذ.

ونحن بشكل عام واليوم بشكل خاص نردد كثيراً بأننا نهلك، فالواقع ليس كما نريده أن يكون، لا يتطابق مع تصوراتنا عنه وعن مخططاتنا، مهما كانت شرعية، ويقودنا هذا الواقع إلى اختبار المحن والتجرد (مين كان يقول إن بلدنا ستصل إلى ما هي عليه الآن).

في هذه الأثناء يسوع ينام! وهذا النوم يُقلق التلاميذ. ظاهرياً هم ناقمون عليه «أما تبالي أننا نهلك؟». ونحن مع التلاميذ لدينا آلاف الأسباب، وآلاف الطرق لنقول لله «لماذا أنت نائم؟ أما تبالي أننا نهلك؟» (مز 44). يسعى التلاميذ لإيقاظ يسوع. لقد فقدوا السيطرة على الأحداث ويبحثون عن طريقة لاستعادة السيطرة وبسرعة، لأن غرق السفينة قد يحدث مع الموجة القادمة.

ولكن التباين يأتي من كون التلاميذ ليسوا هم من أيقظوا يسوع، إنما يسوع هو من أيقظ إيمانهم المتأرجح بينما هم غارقون بالخوف من العاصفة. عندما تضحك لنا الحياة، قد ننسب النجاح لأنفسنا، أو ننسب نجاحنا لأمانتنا لله، فنعطي الأهمية إلى ما يمكننا أن نصنع من وجودنا أكثر ممّا نعطيها لما يستطيع الإيمان أن يفعله فينا.

ولكن الإيمان لا يعبّر عن ذاته على هذا الصعيد، بل من خلال إمكانيتنا لتمييز القادر على كل شيء وراء قناع الضعف، المعلّم تحت كسوة الخادم، المخلّص تحت ملامح المسيح الصامت، المعلم الخلاّق تحت مظاهر السلبية.

فيسوع لن يهدئ العاصفة إلاَّ بعد امتحان إيمان التلاميذ. فهو ليس هنا لكي يؤدي خدمة لمن يبقوا على عتبة الإيمان، إنما لكي يقصي الخوف الذي يحتفظ بنا بعيدين عنه وعن أبيه. بمعنى آخر عالم الخوف هو العالم الذي لم يستسلم بعد كلية لله.

ألم نختبر أحياناً وجود سلام داخلي عميق لدى بعض الأشخاص الذين يواجهون عواصف هائلة في حياتهم؟ ونحن أيضاً نختبر مثل هذه الحالات حيث سلام القلب لا يأتي من أهليتنا للسيطرة على الواقع، بل هو مُعطى لنا بكل بساطة.

أثناء آلامه يختبر يسوع صمت الله «إلهي إلهي لماذا تركتني». ولكن هل يمكن لله أن يتكلم، أن يظهر بينما يتفق البشر على إلزامه الصمت؟ ففي قلب صمت الحبّ يضع يسوع نفسه بين يدي الله: «يا أبت، إني في يديك أجعل روحي».

نعم وبدون شك، ما حدث في السفينة هو تحضير للأيام حيث، بكل ثقة وبالرغم من الوحدة الجذرية التي تسحقه، ينام يسوع في هذا الموت الذي يريد أن يُلزم الكلمة الخلاّقة بصمت القبر. ولكن «كبرياء الأمواج» الذي يلمّح لسفر أيوب يصل إلى حدوده: لا يمكن قتل ابن الله الذي هو أيضاً ابن الإنسان.

SHARE