موعظة يوم الأحد 15 آب 2021، موعظة عيد انتقال السيدة العذراء
رؤ 12، 1 – 10 1 قور 15، 20 – 27 لو 1، 39 – 56
«وفي تلكَ الأَيَّام قَامَت مَريمُ فمَضَت مُسرِعَةً إِلى الجَبَل إِلى مَدينةٍ في يَهوذا ودَخَلَت بَيتَ زَكَرِيَّا، فَسَلَّمَت على أَليصابات. فلَمَّا سَمِعَت أَليصاباتُ سَلامَ مَريَم، ارتَكَضَ الجَنينُ في بَطنِها، وَامتَلأَت مِنَ الرُّوحِ القُدُس، فَهَتَفَت بِأَعلى صَوتِها: مُبارَكَةٌ أَنتِ في النِّساء! وَمُبارَكَةٌ ثَمَرَةُ بَطنِكِ! مِن أَينَ لي أَن تَأتِيَني أُمُّ رَبِّي؟. فما إِن وَقَعَ صَوتُ سَلامِكِ في أُذُنَيَّ حتَّى ارتَكَضَ الجَنينُ ابتِهاجاً في بَطْني فَطوبى لِمَن آمَنَت: فسَيَتِمُّ ما بَلَغها مِن عِندِ الرَّبّ. فقالَت مَريَم: تُعَظِّمُ الرَّبَّ نَفْسي .وتَبتَهِجُ روحي بِاللهِ مُخَلِّصي لأَنَّه نَظَرَ إِلى أَمَتِه الوَضيعة. سَوفَ تُهَنِّئُني بَعدَ اليَومِ جَميعُ الأَجيال لأَنَّ القَديرَ صَنَعَ إِليَّ أُموراً عَظيمة: قُدُّوسٌ اسمُه ورَحمَتُه مِن جيلٍ إِلى جيلٍ لِلذَّينَ يَتَقّونَه كَشَفَ عَن شِدَّةِ ساعِدِه فشَتَّتَ الـمُتَكَبِّرينَ في قُلوبِهم حَطَّ الأَقوِياءَ عنِ العُروش ورفَعَ الوُضَعاء أَشَبعَ الجِياعَ مِنَ الخَيرات والأَغنِياءُ صرَفَهم فارِغين نصَرَ عَبدَه إسرائيل ذاكِراً، كما قالَ لآبائِنا، رَحمَتَه لإِبراهيمَ ونَسْلِه لِلأَبد».
الموعظة
يقول لنا بولس الرسول في رسالة اليوم: «إِنَّ المسيحَ قد قامَ مِن بَينِ الأَموات وهو بِكرُ الَّذينَ ماتوا». ثم يقارن بين آدم، الإنسان الأرضي الأول، بالمسيح ويعارضه في أنٍ معاً: «عَن يَدِ إِنسان أَتى المَوتُ فعَن يَدِ إِنسانٍ أَيضا ً تَكونُ قِيامةُ الأَموات». أي أن المسيح لم يقم بصفته الوحيد من بين الأموات، بل كأول إنسان ضمن سلسلة، وقبل كل شيء باعتباره الشخص الذي يحيي الآخرين، كمبدأ فعال للقيامة.
يسوع ليس القائم من بين الأموات فحسب، بل هو أيضًا من يقيم من بين الأموات. وقيامة المسيح ليست حقيقة قديمة من الماضي، إنها وعد بالمستقبل، بداية قيامة أكبر، ضمن قيامة يسوع. وبالتالي، قيامة المسيح وقيامة الأموات يشكلان حقيقة واحدة وحيدة، ممّا يجعل يسوع يؤكد في إنجيل يوحنا: «أنا القيامة» (يو 11، 25). بالمقابل، يعلن إيماننا اليوم أن العذراء مريم، التي حبلت بالروح القدس وولدت يسوع، هي أيضًا أول من أقيمت بالروح والجسد.
فيمكننا بالفعل أن نردد مع الجماعة المسيحية الأولى: «قدِ ابتَلَعَ النَّصْرُ المَوتِ فأَينَ يا مَوتُ نَصْرُكَ؟ وأَينَ يا مَوتُ شَوكَتُكَ؟». فتأخذ القيامة لهجة الفرح والتحرير. لكن علينا ألاَّ نتسرع بإعلان صرخة الانتصار وننسى النضال أو المعركة! وبولس الرسول يذكرنا بأن صليب يسوع لم يكن فقط معركة ضد الظلمة، ولكن القيامة نفسها هي معركة.
معركة يقودها المسيح ضد «أعدائه»، أعداء الله، ضد «كل صاحب رئاسة وسلطان»، أي كل قوى الشر، وآخر عدو أباده هو الموت. هذه المعركة معبّر عنها في الكتاب المقدس، في قانون الإيمان ثم في الأيقونات، من خلال تعبير: «النزول إلى الجحيم». هذه المعركة، نجدها أيضاً في القراءة الأولى من سفر الرؤيا: «نشبت حرب في السماء» (12، 7).
والرؤيا تعني الكشف أو الوحي. ما يحدث في التاريخ، على الأرض هو أمر غامض. إنه مثل الوجه السلبي للفيلم أو للصورة. فلمعرفة ما يتم تصويره، نمر من خلال كاشف إن صح التعبير. بهذا المعنى، اللغة الرمزية لسفر الرؤيا هي الكاشف لحقيقة الواقع، للمعنى الفعال للتاريخ.
والقديس أغسطينوس بتأمله في تاريخ البشرية والمعروف «بمدينة الله»، يقول إن تاريخ العالم هو صراع بين حبَّين: حب الله حتى عطاء الذات وخلاص النفوس، وحب الذات لازدراء الله وكراهية الآخرين. نوعي الحب هذه يعبر عنهم سفر الرؤيا من خلال معركة المرأة والتنين التي سمعناها في القراءة الأولى حيث «التنين الكبير، والنار الحمراء» يرمزون إلى القوة المخيفة للأنانية المطلقة واللامبالاة والعنف.
في زمن القديس يوحنا، كان هذا التنين يمثل قوة الأباطرة الرومان الذين اضطهدوا المسيحيين. في القرن الماضي، اتخذت الأشكال الوحشية للحروب العالمية، والقنبلة الذرية، والديكتاتوريات الأيديولوجية، ومعسكرات الاعتقال والإبادات الجماعية. في الوقت الحاضر، يتجلى هذا التنين بطرق جديدة ومختلفة. والبابا فرانسيس يرسم صورة رائعة، تتراوح من عبادة المال الجديدة وثقافة الإقصاء والهدر إلى جميع أشكال تدهور نوعية الحياة البشرية والاجتماعية والبيئية.
يمثل التنين «جميع رذائل التدمير الذاتي» يقول البابا فرنسيس في رسالته «كن مسبِّحاً». والشخصية الأخرى في سفر الرؤيا هي المرأة التي تلبس الشمس: إنها العلامة المعزية لانتصار الحب وانتصار الله. هذه المرأة التي ظهرت في السماء تمثل الكنيسة. من ناحية، لديها «الشمس كمعطف»: الكنيسة مشاركة بالفعل بمجد الرب في السماء. ومن ناحية أخرى، «تصرخ من ألم المخاض»: إلى جميع الأجيال، تواصل الكنيسة حجها على طريق المحبة الرحيمة لتلد المسيح مرة أخرى «من خلال اضطهاد العالم وتعزية الله» دستور عقائدي في الكنيسة للمجمع الفاتيكاني الثاني (نور الأمم 8).
بمعنى ما، تشارك مريم أيضًا هذه الحالة المزدوجة. هذا هو السبب في أن المرأة التي تلبس الشمس وتصرخ من ألم المخاض قد فُسرت أيضًا على أنها العذراء مريم، والدة الله وأم الكنيسة. بالطبع، لقد دخلت مريم مجد السماء مرة واحدة وإلى الأبد، لكنها ليست منفصلة عنا. إنها تعلمنا صلاة الرجاء التي يمكن أن نتأملها في نشيدها: «شَتَّتَ الـمُتَكَبِّرينَ في قُلوبِهم. حَطَّ الأَقوِياءَ عنِ العُروش ورفَعَ الوُضَعاء».
تحدثنا كثيراً عن المعركة، فأين السلاح؟ الشاعر الفرنسي شارل بيغي الذي يقول بأن مريم أنقذته من اليأس: «أسلحة يسوع هي نزع السلاح». والبطريرك أثيناغوراس يشرح لنا ذلك في شهادة جميلة: «أنا أحارب نفسي لنزع سلاحي. للنضال بشكل فعال ضد الحرب، ضد الشر، من الضروري معرفة كيفية استيعاب الحرب من أجل التغلب على الشر في النفس ... من الضروري أن ينزع الإنسان سلاحه.
لقد حاربت هذه الحرب. كانت فظيعة، لكنني الآن بلا سلاح. لم أعد أخاف من أي شيء، لأن الحب يطرد الخوف. لم أعد أملك سلاح الرغبة في أن أكون على حق، وأن أبرر نفسي من خلال استبعاد الآخرين. لقد تخليت عن المقارنة. عندما لا يكون لدينا شيء، لا نخاف من أي شيء».
ونشيد مريم، يمكننا القول، بأنه ترنيمة لنزع السلاح، منسوجة من جميع خيوط الكتاب المقدس. فالأسفار المقدسة التي تحتوي على كلمة الله هي الآن وديعة الأسلحة التي نستمد منها القوة بلا انقطاع للمحبة والإيمان والرجاء. هكذا نشارك في انتصار القائم من بين الأموات تحت عباءة العذراء مريم.