الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 26 أيلول 2021، موعظة الأحد االسادس والعشرين من الزمن العادي

2021-Sep-26 | عظات | 399

عد 11، 25 – 29         يع 5، 1- 6        مر 9، 38 - 48  

 

«في ذلِكَ الزَّمان: قالَ يوحَنَّا لِيسُوع: «يا مُعَلِّم، رَأَينا رجُلاً يَطرُدُ الشَّياطينَ بِاسمِكَ، فأَرَدْنا أَن نَمنَعَه لأَنَّه لا يَتبَعُنا». 
فقالَ يسوع: «لا تَمنَعوه، فما مِن أَحدٍ يُجْرِي مُعْجِزَةً بِاسْمي يَستَطيعُ بَعدَها أَن يُسيءَ القَوْلَ فيَّ. ومَن لم يَكُنْ علَينا كانَ مَعَنا. ومَن سقاكُم كَأسَ ماءٍ على أَنَّكم لِلمَسيح، فالحَقَّ أَقولُ لكم إِنَّ أَجرَه لَن يَضيع». ومَن كانَ حَجَرَ عَثرَةٍ لِهؤلاءِ الصِّغارِ المؤمِنين، فأَولى بِه أَن تُعَلَّقَ الرَّحَى في عُنُقِه ويُلقى في البَحْر فإِذا كانَت يدُكَ سَبَبَ عَثرَةٍ لَكَ فاقطَعْها، فَلأَن تَدخُلَ الحَياةَ وأَنت أَقطَعُ اليد خَيرٌ لَكَ مِن أَن تكونَ لَكَ يَدانِ وتَذهَبَ إِلى جَهَنَّم، إِلى نارٍ لا تُطفَأ وإِذا كانَت رِجْلُكَ سَبَبَ عَثرَةٍ لَكَ فاقطَعْها، فَلَأَن تَدخُلَ الحيَاةَ وأَنتَ أَقطَعُ الرِّجل خَيرٌ لَكَ مِن أَن تكونَ لَكَ رِجْلانِ وتُلْقى في جَهَنَّم
وإِذا كانَت عَينُكَ سَبَبَ عَثرَةٍ لَكَ، فَاقلَعْها؛ فَلأَن تَدخُلَ مَلَكوتَ اللهِ وأَنتَ أَعوَر، خَيرٌ لَكَ مِن أَن تكونَ لَكَ عَينان، وتُلْقى في جَهَنَّم، حَيثُ لا يَموتُ دُودُهم ولا تُطفَأُ النَّار».

الموعظة

«قبل أن يكون الإنجيل تعزية هو بالفعل حمل» يقول الكاردينال اللاهوتي جان نيومن. ونحن نختبر هذا الأمر اليوم خصوصاً أن يسوع يقدم لنا وجهين: الأول يبدو منفتح وظريف؛ والثاني متطرف وإلى حد ما متعصب. فعندما يقول: «من لم يكن علينا كان معنا». يمكننا أن نستخلص تسامح يسوع ممّا يناسب فكر العصر.

ولكن علينا ألاَّ ننسى بأن يسوع لم يتردد بالقول: «مَن لَم يكُنْ معي كانَ عليَّ، ومَن لم يَجمَعْ معي كان مُبَدِّداً» (متى 12، 30).  ولكن أليست المشكلة هي في «نحن» التعظيم؟ هذا الإنسان الذي يشفي ويمارس الخير باسم يسوع ليس من الذين يتبعوننا يقول يوحنا! بينما الوحيد الذي تتبعه الجموع هو المسيح.

فمن يمارس الخير ويشفي الآخرين يعمل انطلاقاً من روح المسيح. الأمر الأكيد هو أن ما من إنسان يستطيع أن يقترب من الله الحي، ما من أحد يستطيع أن يشفي باسم المسيح دون أن يكون، بوعي أو بغير معرفة، من المسيح. على هذا الصعيد لا وجود لموقف الوسط. وما يخص العلاقة مع المسيح، من لا يتقدم يتراجع.

ويسوع يقول ذلك بطريقة أكثر قسوة: «أَقولُ لكم: كُلُّ مَن كانَ له شَيءٌ، يُعْطى. ومَن لَيسَ لهُ شيء يُنتَزَعُ مِنه حتَّى الَّذي له» (لو 19، 26).

من له روح المسيح لا يمكن لأحد أن ينتزعه إياه، بما فيهم التلاميذ. ومن جهة أُخرى يقول القديس بولس: «ومن لم يكن فيه روح المسيح فما هو من خاصته» (رو 8، 9). فالقسم الأول من الإنجيل يدعونا للتأصل والتجذر في الانتماء للمسيح وهذا يجعلنا نتحرر من الغيرة. وروح المسيح أكبر من ال«نحن».

في القسم الثاني، عندما يتحدث يسوع عن «النار التي لا تُطفأ» وعن الأعضاء التي علينا بترها، يبدو لنا بأنه يُبالغ في القسوة. أعتقد أن هنا كل شيء يدور ويتمحور حول النار. هناك نار العليّقة المتقدة، ونار جهنم: نار تُحرق لكنها لا تلتهم والثانية نار تحرق وتهدم. ويسوع يسألنا: بأي نار نريد أن نُحرق؟ هذا هو السؤال!!

العاملين في مجال الإطفاء يقولون لنا أنه لإنقاذ غابة أو مدينة لا بد من التضحية بهضبة أو ببعض الهكتارات من الخشب. لا يمكن إنقاذ كل شيء. لا بد من الاختيار. يجب بتر يد لإنقاذ الجسد... وهذا ما يقوم به الجرّاح في بعض الأحيان عندما يأكل الالتهاب عضو معين من الجسد.

ولكن عن أي التهاب نتحدث؟ القراءة الأولى والقسم الأول من الإنجيل يدعونا لنرى في الغيرة الالتهاب الأخطر... طالما أنها تُغلف ذاتها بلباس الخير. مقابل النار التي لا تُبقي شيئاً منّا والتي يمكن تسميتها بالغيرة أو بالطموح، هناك نار أُخرى: النار التي أتى يسوع ليشعلها: «جِئتُ لأُلِقيَ على الأَرضِ ناراً، وما أَشدَّ رَغْبَتي أَن تَكونَ قدِ اشتَعَلَت!» (لو 12، 49).

ما هي هذه النار؟ إنها الله ذاته!! فالله هو أيضاً نار! يقول لنا موسى في سفر تثنية الاشتراع: «لأن الرب إلهك هو نار آكلة وإله غيور» (4، 24)، وأشعيا (29، 6). ولكن هذه النار لا تهدم، إنها تخلقنا من جديد وتساعدنا لنصبح ذاتنا. إنها النار التي تُحيّ، التي تشخصن إن صح التعبير، تنعش، وتحوّل، وتساعد على الكلام والشفاء والحب... إنها نار الحب القوية كالموت على حد قول سفر نشيد الأناشيد.

يسوع لا يُظهر ذاته في إنجيل اليوم على أنه قاسي. فهو ليس بسادي أو متحزب أو متعصب. إنه يقول لنا الحقيقة بكل بساطة: «ما من أحد يستطيع أن يعبد ربّين» عليه أن يختار بين روحين ونارين. في العنصرة استقبلنا الروح الذي كان يرجوه موسى: «لَيتَ كُلَّ شَعبِ الرَّبِّ أَنبِياءُ بِإِحْلالِ الرَّبِّ روحَه علَيهم»، روح حلَّ كألسنة من نار. فلنستقبله إذن!

فليساعدنا الله على أن نختاره هو وأن يفصلنا عن كل ما يبعدنا عنه وخاصة الغيرة التي تبعدنا عن الحب الحقيقي للقريب.

SHARE