الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 31 تشرين الأول. موعظة الأحد الواحد والثلاثين من الزمن العادي

2021-Oct-31 | عظات | 310

تث 6، 2 – 6     عب 7، 23 – 28     مر 12، 28 – 34  

 

موقفين نعيشهم أن نجدهم لدى الآخرين: «حرية الناس تتوقف حيث تبدأ شريعة الله». أي أن للدين والقوانين الدينية الأسبقية على كل ما هو إنساني، بما في ذلك حرية الإنسان نفسه. الموقف الثاني: «ما يطلبه منا الدين المسيحي، هو أن نحب بعضنا البعض». فأيهما على حق؟

إنجيل اليوم يقول لنا أن كاتباً يسأل يسوع عن أكبر الوصايا الموجودة في الكتاب المقدس، ويسوع يجيب بشكل مزدوج: دعوة للاعتراف بأن الله فريد ودعوة الإنسان لمحبته بكل كيانه. ويخلص بأن هذا الكاتب محق تمامًا، مضيفاً بأنه ليس بعيدًا عن ملكوت الله، أي أنه ليس فيه بعد. فما الذي ينقص هذا الكاتب إذن؟  لفهم إجابة يسوع تمامًا، يجب علينا أولاً أن نتساءل: لماذا يتكلم عن الوصية الأولى، ثم الثانية؟

لا يتحدث يسوع أولاً عن محبة الله، بل عن وحدانية الله: «الرب إلهنا هو الرب الأحد». عندما نقول عن حقيقة ما أنها فريدة من نوعها، فإننا نؤكد أنه لا يوجد شيء آخر يمكن مقارنته بها. وفي حالة الله، بما أنه لا توجد حقيقة نختبرها تقارن به، فإن فهمه يفلت من سيطرتنا، ويبقى لغزا. وبما أن الله هو المطلق، فلا يمكنه إلا أن يكون المطلق الوحيد.

وكل ما تبقى فهي أصنام أو آلهة مزيفة: القوة، والمال، والسلطة، والملذات، والشرف، والمجد، والقوانين، إلخ. وبين الأصنام أو الآلهة المزيفة، يجب أن نضيف الدين، عندما يدعي الدين أنه مطلق بينما الدين هو مجرد تعبير اجتماعي ثقافي عن تجربة دينية أصيلة بلا شك، ولكن مع كل حدود الأشخاص الذين يعبرون عنها في تلك اللحظة.

فالقبول بالعيش مع المطلق الذي يظل لغزًا، وبالتالي لا يمكن السيطرة عليه، وإقصاء كل المطلقات الكاذبة، أمر صعب للغاية ومع ذلك، فهو الشرط الأساسي للدخول في عالم المحبة، محبة الله ومحبة الآخرين. هذا هو السبب في أن يسوع لا يستطيع إطلاق دعوته إلى الحب دون التحدث أولاً عن وحدانية الله.

كلنا نعلم أو سمعنا عن «الانفجار الكبير». النظرية الأكثر انتشارًا في العالم العلمي لشرح ولادة الكون، وخاصة لتفسير سبب ابتعاد النجوم باستمرار عن بعضها البعض، مدفوعة من نفس النقطة، من انفجار أصلي. يوجد عنصران أساسيان في «الانفجار الكبير»: أولاً وقبل كل شيء الطاقة المركزية المذهلة، ثم الفضاء اللامتناهي أو الفراغ الذي يسمح بالتمدد بلا حدود، إلى اللانهاية.

فإذا كان «الانفجار الكبير» يعكس شيئًا من الله، فهو بمثابة تشبيه لفهم الواقع الروحي لله في حياتنا: كل شيء يبدأ من مركز أنفسنا، من عمق قلبنا. وبولس يقول: «إن محبة الله أٌفيضت في قلوبنا بالروح القدس الذي أُعطي لنا» (روم 5،5) بعد ذلك، يصبح التاريخ البشري امتدادًا لهذه المحبة التي تأتي من الله نفسه، على صورة الكون.

للسماح بهذا التوسع، هناك حاجة إلى فضاء، وبالتالي موت كل المطلقات الكاذبة. هذا الحب يتسع بلا حدود تمامًا مثل الكون، لأنه يأتي من الله. هذا هو السبب في كون الوصية الأولى هي «أحبب الرب إلهك»، وهي أصل ونهاية كل ما هو موجود.

من ناحية أخرى، ما من أحد رأى الله، وبالتالي لا يمكننا أن نحب بشكل ملموس حقيقة لا نراها. بهذا المعنى تقول الرسالة الأولى ليوحنا: «إِذا قالَ أَحَد: إِنِّي أُحِبُّ الله وهو يُبغِضُ أَخاه كانَ كاذِبًا لأَنَّ الَّذي لا يُحِبُّ أَخاه وهو يَراه لا يَستَطيعُ أَن يُحِبَّ اللهَ وهو لا يَراه» (1 يو 4، 20)، فالطريقة الوحيدة لمحبة الله هي أن نبدأ بمحبة القريب. وبشكل أكثر تحديدًا، السعي لاكتشاف الاحتياجات الحقيقية للناس والعمل عليها هو الطريق إلى الله.

إن التفكير في إرضاء الله من خلال مضاعفة ما يسمى بالأعمال الدينية هو وهم هائل: «أن تحب الله من كل قلبك، ... أن تحب قريبك كنفسك، كل هذا أعظم من كل الذبائح وجميع القرابين» يقول لنا الإنجيل. فجواب يسوع يدعونا لكي نعي لوجود هذه المطلقات المزيفة في حياتنا ورفضها كمطلق.

هذا يمسح لنا بأن نكون منتبهين لما يدور في قلوبنا، مثل بركان ضخم، حب شديد لا يتطلب سوى التعبير عنه، مثل «الانفجار الكبير». هذا الحب له أبعاد الكون ولا يمكن إشباعه إلا من خلال لانهاية الله، لأنه ينبع من الله نفسه، ولكن لا يمكن التعبير عنه إلا من خلال البشر الذين يلتقي بهم هذا الحب ويسعى لتلبية احتياجات حقيقية.

فالاعتقاد بوجود تعارض بين القوانين الدينية واحتياجات الإنسان خطأ فادح: إذا كانت القوانين الدينية تعارض احتياجات الإنسان، فهي أصنام أو أشياء مطلقة كاذبة، لأن الاحتياجات الإنسانية الحقيقية لها مصدرها في الله نفسه، بما فيها الحرية. وتلخيص الإيمان المسيحي بحب بعضنا البعض هو اختزاله إلى مجموعة من التعاليم الأخلاقية التي يجب احترامها. هناك من يقول: ما الخطأ في هذه المبادئ الأخلاقية العظيمة للحب.

الحب ليس مسألة مبدأ، إنه انبعاث لما ينبع من أعماق قلب الإنسان، بركان ديناميكي لا تتبع حممه مسارات محددة سلفًا، ولكنها تتبع تقلبات الواقع المتغير. السؤال الأخير: ما الذي ينقص هذا الكاتب الذي يقدر يسوع تفكيره، وفقًا للإنجيلي مرقس؟ أمرين. الأول، لم يكتشف بعد أنه ليس الإنسان هو الذي يحب أولاً، بل الله هو أول من بادر بالحب، وأن وصية الحب التي يسميها لها وجه: يسوع.

والثاني: الحب الذي يتفتح سوف يلتقي بالألم والموت، وأن هذا الموت لا يتعارض مع الحب، بل يفتحه على بعد لا نهائي. هذا ما اختبره يسوع. ماذا يمكننا أن نستخلص من نص إنجيل اليوم؟ أولاً، حياة يسوع بأكملها هي تعبير عن محبة الله، الذي يدعوه «أبَّا»، وعن محبة قريبه الذي كان يحاول باستمرار أن يجعله يقف على قدميه كلما سقط. وأن ما كان يسكن يسوع يسكن فيَّ أيضًا. يبقى السؤال: إلى أي حد أنا مستعد لإطلاق العنان لطاقة الحب الهائلة هذه، وبالتالي للتخلص من كل دياناتي الشخصية؟

SHARE