موعظة يوم الأحد 7 تشرين الثاني 2021. موعظة الأحد الثاني والثلاثين من الزمن العادي
1 مل 17، 10 – 16 عب 9، 24 – 28 مر 12، 38 - 44
في ذَلِكَ الزمان، قالَ يَسوع في تَعليمِهِ: «إِيّاكُم وَالكَتَبَة. فَإِنَّهُم يُحِبّونَ المَشيَ بِالجُبَب، وَتلَقّي التَّحِيّاتِ في السّاحات،
وَصُدورَ المَجالِسِ في المَجامِع، وَالمَقاعِدَ الأَولى في المَآدِب. يَأكُلونَ بُيوتَ الأَرامِل، وَهُم يُظهِرونَ أَنَّهُم يُطيلونَ الصَّلاة. هَؤلاءِ سيَنالُهُمُ العِقابُ الأَشَدّ». وَجَلَسَ يَسوعُ قُبالَةَ الخِزانَةِ يَنظُرُ كَيفَ يُلقي الجَمعُ في الخِزانَةِ نُقودًا مِن نُحاس. فَأَلقى كَثيرٌ مِنَ الأغنِياءِ شَيئًا كَثيرًا. وَجاءَت أَرمَلَةٌ فَقيرَة، فَأَلقَت عُشَرين، أَي فَلسًا. فَدَعا تَلاميذَهُ، وَقالَ لَهُم: «الحَقَّ أَقولُ لَكُم: إِنَّ هَذِهِ الأَرملَةَ الفَقيرَةَ أَلقَت أَكثَرَ مِن جَميعِ الَّذينَ أَلقَوا في الخِزانَة. لِأَنَّهُم كُلَّهُم أَلقَوا مِنَ الفاضِلِ عَن حاجاتِهِم. وَأَمّا هِيَ، فَإِنَّها مِن حاجَتِها أَلقَت جَميعَ ما تَملِك، كُلَّ رِزقِها».
الموعظة
إذا كان الله والمال لا يمكن التوفيق بينهما، فذلك لأنهما ينتميان إلى منطقين ليسا مختلفين فقط، بل يستبعد أحدهما الآخر. إن ديناميكية الإنجيل هي دعوة للعطاء والمشاركة والحرية، بينما منطق المال هو التراكم والشراء والبيع بأفضل الأسعار. بين النهجين التناقض غير قابل للاختزال. بإدخال المال في السجل الشيطاني، يؤكد يسوع على القوة الرائعة للمال.
علاقتنا بالمال ليست محايدة ولا شفافة. المال له مغنطيسية، قوة جذب تمسنا جميعًا. كما يقول المثل الشرقي، هناك فرق كبير بين العطش إلى الماء والعطش للمال: عندما نشرب الماء، نرتوي. المال هو قوة روحية تميل لجذبنا إلى منطقها الخاص. كلنا نعرف أو سمعنا بأشخاص ضحوا بكل شيء ـــــ معاييرهم وأخلاقياتهم وشرفهم وسعادتهم ـــــ لزيادة ثرواتهم.
في رواية لقاء يسوع مع الرجل الغني (مرقس 10، 17 - 34)، يقدم الإنجيل رجلاً رائعًا أطاع كل وصايا الله منذ صغره. ولكن عندما طلب منه يسوع أن يعطي ماله، وجد نفسه في طريق مسدود، مصطدماً بحدود فضيلته. كان مستعدًا لفعل أي شيء ليتبع يسوع ... باستثناء التخلي عن ممتلكاته التي كانت ضرورية له.
أتاح هذا اللقاء ليسوع أن ينظّر علاقته بالمال في إحدى الجمل المتطرفة التي يتناثر بها الإنجيل: «أَن يَمُرَّ الجَملُ مِن ثَقْبِ الإِبرَةِ أَيسَرُ مِن أَن يَدخُلَ الغَنِيُّ مَلكوتَ الله». لاحظ التلاميذ صعوبة هذا الأمر فكانت ردة فعلهم: «إذن من يخلص؟ أجاب يسوع: «أَمَّا النَّاسُ فهذا شَيءٌ يُعجِزُهم، وأَمَّا اللهُ فإِنَّه على كُلِّ شيءٍ قَدير». وفقًا لهذه الإجابة، يمكننا أن نجد في الله الوسيلة حتى لا نقع في افتتان المال. إذا كان يسوع حذراً اتجاه المال، فهو لم ينسحب من العالم. وإذا كان يعيش كرجل فقير، لم يكن بائساً.
لقد عاش بين الناس ونعلم أن المال ضروري تمامًا ولا غنى عنه لإدارة العالم. إنه وسيلة تبادل وأداة مفيدة لتعزيز العلاقات بين البشر. يمكن أن يعزز النمو الاقتصادي وتنمية الشعوب. لم يدين يسوع المال أبدًا كأداة للتبادل. دفع ضرائبه (مت 17، 27)، وتلقى الدعم المالي من المتعاطفين (لوقا 8، 3)، وعين أمينًا للصندوق في مجموعة التلاميذ (يو 12، 6)، ولم يتردد في التعليم بأنه من الممكن استعمال المال لتكوين صداقات: «اصنعوا لكم أصدقاء بالمال الحرام» (لو 16، 9).
المال شيطاني والمال ضروري: كيف نخرج من هذه المعضلة؟ الإنجيل يساعدنا في الإجابة على هذا السؤال. عندما سأل الفريسيون والهيرودسيين يسوع عما إذا كان ينبغي عليهم دفع الضرائب، طلب منهم أن يروه عملة معدنية. مشيرًا إلى أنها تحمل صورة قيصر، وختم: «أعطوا لقيصر ما لقيصر وما لله لله» (مر 12، 17). يسوع ليس ضد المال، لكنه نزع صفة الألوهة عنه بحصره له في فائدته الوحيدة ـــــ من مجال قيصر.
عندما يتسلل إلى عالم الألوهة، يصبح المال إلهاً في ادعاءه بامتلاكنا. هناك قول مأثور مفاده أن المال هو خادم جيد ومعلم سيئ. فالمشكلة هي أنه عندما نحاول أن نجعله خادمًا لنا، فإنه يميل إلى أن يصبح سيدنا. لذا يقدم يسوع حلاً: «بيعوا أَموالَكم وتَصَدَّقوا بِها واجعَلوا لَكُم أَكْياساً لا تَبْلى، وكَنزاً في السَّمواتِ لا يَنفَد، حَيثُ لا سارِقٌ يَدنو ولا سوسٌ يُفسِد» (لو 12:33).
كنزنا الحقيقي ليس ما نملكه، إنما ما نتقاسمه. كما تشير هذه الآية بحق، قد نشهد غدًا انعكاسًا في الثروة يبتلع تراثنا وهذا ما نشهده اليوم، بينما لا يستطيع أحد أن يأخذ منا ما قدمناه بالفعل. إن فعل العطاء هو اللامركزية لأنه يستخدم المال بالشكل الصحيح: تكوين صداقات، وتحقيق المساواة. في حين أن منطق المال هو التراكم، العطاء يكسر الافتتان بالمال بجعله أداة لم تعد للاكتناز بل للمشاركة. فالعطاء يجرد المال ــــ الإله من قوته للسماح لنا باتباع معلمنا الحقيقي.