موعظة يوم الأحد 20 شباط 2022. موعظة الأحد السابع من الزمن العادي
1 صم 26، 2 – 23 1 قور 15، 45 – 49 لو 6، 27 – 38
«في ذلك الزّمان، قالَ يسوعُ لتلاميذِهِ: «سَمِعتُم أَنَّه قيل: "العَينُ بِالعَين والسِّنُّ بِالسِّنّ". أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: لا تُقاوِموا الشِّرِّير، بَل مَن لَطَمَكَ على خَدِّكَ الأَيْمَن فاعرِضْ لهُ الآخَر. ومَن أَرادَ أَن يُحاكِمَكَ لِيَأخُذَ قَميصَكَ، فاترُكْ لَه رِداءَكَ أَيضًا. ومَن سَخَّرَكَ أَن تَسيرَ معه ميلاً واحِدًا. فسِرْ معَه ميلَيْن. مَن سأَلَكَ فأَعطِه، ومَنِ استَقرَضَكَ فلا تُعرِضْ عنه.
سَمِعتُم أَنَّه قِيل: «أَحْبِبْ قَريبَك وأَبْغِضْ عَدُوَّك». أَمَّا أَنا فأَقولُ لكم: أَحِبُّوا أَعداءَكم وصَلُّوا مِن أَجلِ مُضطَهِديكُم،
لِتَصيروا بني أَبيكُمُ الَّذي في السَّمَوات، لأَنَّه يُطلِعُ شَمْسَه على الأَشرارِ والأَخيار، ويُنزِلُ المَطَرَ على الأَبرارِ والفُجَّار. فإِن أَحْبَبْتُم مَن يُحِبُّكُم، فأَيُّ أَجْرٍ لكم؟ أَوَلَيسَ العَشّارون يفعَلونَ ذلك؟ وإِن سلَّمتُم على إِخواِنكم وَحدَهم، فأَيَّ زِيادةٍ فعَلتُم؟ أَوَلَيسَ الوَثَنِيُّونَ يَفعَلونَ ذلك؟ فكونوا أَنتُم كامِلين، كما أَنَّ أَباكُمُ السَّماويَّ كامِل.»
الموعظة
«أحبوا أعدائكم وأحسنوا إلى مبغضيكم. إذا أحببتم من يحبكم، فأي فضل لكم؟ لأن الخاطئين أنفسهم يحبون من يحبهم». لكي نحب الناس الذين يحبوننا، لسنا بحاجة إلى الإنجيل. يدعونا الإنجيل إلى الذهاب إلى أبعد، أن نحب أولئك الذين لا نحبهم. وهذا أمر متناقض! كيف نفهمها؟ أولاً، الوحي المركزي للكتاب المقدس هو هذه الآية من إنجيل يوحنا: «لقد أحب الله العالم حتى أنه أرسل ابنه الوحيد، حتى لا يهلك كل من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبدية».
أحب الله العالم. في إنجيل يوحنا، العالم ليس العالم الودود، اللطيف، بل العالم الذي يرفض الله. الكلمة جاء إلى العالم، والعالم لم يقبله. إنه العالم المتمرد على كلمة الله. عندما يقول الإنجيل إن الله يحب العالم، لا يعني أنه يحب العالم لأن العالم ودود، بل لأن الله حب. وجوهر الحب الكامل هو أن نحب الآخر كما هو، سواء وجدناه متعاطفًا، ودوداً أم لا.
يقول مارتن لوثر كينج: «لحسن الحظ لم يطلب مني يسوع أن أجد عدوي ودوداً. لا أستطيع أن أجد ودوداً من يرسل كلابه إلي ويدمر منزلي. بالمقابل، يمكنني أن أحبه». فالحب لا يعني «إيجاد الآخر ودود»، الحب، في الإنجيل، يعني السعي لكي نجعله ينمو. في إنجيل يوحنا، بعد أن قال يسوع «أحبوا بعضكم بعضاً»، يضيف: «ما من حب أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل أحبائه». أي يتخلى عن شيء من حياته ليجعل الآخر يكبر، ينمو في جميع أبعاد شخصه.
هكذا يحبنا الله. حب الله هو حب أبوي يكمن في أن يرى أبناءه يصبحون بالغين، قادرين على بلوغ كمال شخصيتهم. كلام يسوع يدعونا إذن لمحاولة تجاوز ردة فعلنا الأولى من الحقد والعنف وأن نأخذ الأمور بطريقة مختلفة، محاولين أن نُنمّي العدو في هذه الحالة. هل هذا الكلام واقعي؟ هل من الممكن أن نقوم بذلك مع إمكانياتنا البشرية؟ من الصعب أن نجيب عن أنفسنا لكن لدينا العديد من الأمثلة: القديسين مثلاً!
هناك بعض الأشخاص الذين، في الحالات القصوى، استطاعوا تجاوز ردود أفعالهم الأولى. فإذا لم نستطع أن نحب من يسيئون إلينا، بإمكاننا على الأقل أن نصلي لأجلهم وهذا ما يطلبه منا يسوع, فالصلاة الحقيقية بإمكانها أن تغيرنا. فالمعركة الحقيقية التي نحن مدعوون إليها هي أن نعيش الإنجيل، أي أن نفعل أشياء لم نكن لنفعلها بدون الإنجيل.
إنها معركة الصلاة أو عمل الصلاة. فعمل الروحانية، بالمعنى الواسع للكلمة، هو التأكد تدريجياً من أن الإنجيل ليس مجرد فكرة متعاطفة تتقاطع مع طرق تفكيرنا، إنما يأتي ليعيش في أعماقنا، وردود أفعالنا، وطريقتنا في الوجود، رؤيتنا وتصرفنا مع مجمل بيئتنا وأصدقائنا وأعدائنا. وبولس الرسول يقول بهذا المعنى أننا لبسنا المسيح. ويوحنا يتحدث عن الإيمان بأنه مسكن.
لماذا علينا القيام بذلك؟ يجيب يسوع بأن أجرنا سيكون عظيماً. قد نعتقد أن هذا الأجر سيكون في الآخرة. لكن الأجر هنا على الأرض ويكمن في تحريرنا من المرارة والانزعاج. ويسوع لا يقول لا تحقدوا عليهم، إنما أحبوهم، أي لا يطلب منا الحياد، بل أن نكون فاعلين، عمليين. ويضيف بأننا نصبح أبناء الله ونعكس وجهه في هذا العالم «كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم».
كتبت فتاة صغيرة رسالة إلى الكاهن بعد أن سمعت وعظته حول حب الأعداء تقول له: «أبتي المحترم. سمعتك تتحدث عن حب الأعداء. عمري الآن 6 سنوات وليس لي أعداء. أتمنى أن يكون لي أعداء عندما أبلغ 7 سنوات». وجود الأعداء فرصة لكي نحبهم! ولكن، من هم أعدائنا؟ «أعداء الإنسان أهل بيته» يقول يسوع. ثم يتحدث عن الانقسام بين الإنسان وأبيه، بين البنت وأمها، بين الكنة وحماتها ويمكننا أن نوسع السلسلة.
أي أن العدو الذي يتحدث عنه يسوع هو قريب مني سواء بالقرابة أم في العمل أو حتى في الكنيسة. صعوبة عيش ما يطلبه منا يسوع يكمن في أنه يريدنا أن نحب الأشخاص القريبين جدًا منا، لكنهم آذونا بعمق. استغلونا وجعلونا ضحيتهم. من الصعب أن نحب عندما نتعرض للإهانة الشديدة وتدمير ثقتنا. إنها الخطوة الأخيرة في الغفران.
فالغفران بالكامل هو عندما نستطيع أن نبارك أولئك الذين أساءوا إلينا بعمق. لن نتحرر إلا عندما نحررهم إلى درجة أن نباركهم باسم الرب. كيف يمكننا عمليا أن نحب أعدائنا؟ أولاً، أن نسلم عليهم. إنها طريقة لنحبهم. غالباً تتم المقاطعة الكاملة، ندير لهم ظهرنا ولا نُصبِّح عليهم. يقول يسوع: «أحسنوا إلى مبغضيكم، باركوا لاعنيكم، صلوا لمن يسيئون إليكم».
هذا يعني أننا مدعوين لنتغلب على آلامنا وتفاهاتنا وأن ننظر إليهم كبشر لنرى فيهم صورة الله ويدركوا هم أن هناك شيئاً ملتوياً فيهم جعلهم يتصرفون بهذه الطريقة. يضيف يسوع «صلّوا من أجل مضطهديكم» وسفر الأمثال يقول: «الموت والحياة بيد اللسان، من يحبونه يأكلون ثماره». هذا يعني عدم التحدث عنهم بالسوء.
أعداءنا يكشفون عن نقاط ضعفنا ونكتشف مدى حاجتنا إلى الله. عندما تقول، يا رب، علمني أن أحب! ماذا تنتظر؟ أن يضعك الله في صحبة الطيبين ...؟ فلكي نتعلم أن نحب بالفعل، نحتاج إلى عدو! «يا رب، أنا أكره هذا الشخص، وأنت تعلم ذلك بالفعل! أطلب منك أن تحب هذا الشخص من خلالي، لأنني لا أستطيع أن أفعل ذلك بقوتي. أطلب حبًا لا أملكه ولا أستطيع عيشه».