الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 20 آذار 2022. موعظة الأحد الثالث من زمن الصوم

2022-Mar-20 | عظات | 256

خر 3، 1 – 15    1 قور 10، 1 – 12    لو 13، 1 – 9

 

«وفي ذلك الوقت حضر أناس وأخبروه خبر الجليليين الذين خلط بيلاطس دماءهم بدماء ذبائحهم. أتظنون هؤلاء الجليليين أكبر خطيئة من سائر الجليليين حتى أصيبوا بذلك؟ أقول لكم: لا، ولكن إن لم تتوبوا، تهلكوا بأجمعكم مثلهم. وأولئك الثمانية عشر الذين سقط عليهم البرج في سلوام وقتلهم، أتظنونهم أكبر ذنبا من سائر أهل أورشليم؟ أقول لكم: لا ولكن إن لم تتوبوا تهلكوا بأجمعكم كذلك. وضرب هذا المثل: كان لرجل تينة مغروسة في كرمه، فجاء يطلب ثمرا عليها فلم يجد. فقال للكرام: إني آتي منذ ثلاث سنوات إلى التينة هذه أطلب ثمرا عليها فلا أجد، فاقطعها! لماذا تعطل الأرض؟ فأجابه: سيدي، دعها هذه السنة أيضا، حتى أقلب الأرض من حولها وألقي سمادا. فلربما تثمر في العام المقبل وإلا فتقطعها.»

الموعظة

 

في زمن الأناجيل لم يكن هناك صحفيون، لكن كما نرى في هذا النص لم يمنع هذا الخبر من الانتشار. يمكننا أن نتخيل كيف ستقدم وسائل الإعلام اليوم تقريراً عن هذين الحدثين. ستكون العناوين من نوع: «مذبحة في الأماكن المقدسة»، و «انهيار برج حصيلته 18 قتيلاً». جريمة سياسية وأخبار متفرقة. وهذا ما يحدث في عالمنا للأسف. هذا ما نجده في صحفنا اليومية وأخبارنا المتلفزة.

حقا، لم يتغير شيء. وفي مواجهة كل هذه الأحداث التي تصنع الأخبار وتحل محلها أحداث أخرى في اليوم التالي، كلنا نشعر بعدم الراحة. لا شك، سير العالم يجعلنا غير مرتاحين ونسأل أنفسنا: ما معنى كل هذا؟ كان شكسبير يتحدث عن قصة مليئة بالصوت والغضب، يرويها أحمق ولا معنى لها. بالفعل، هكذا تبدو لنا مسيرة العالم.

واليوم، كثرة المعلومات والأخبار تؤكد وتدعم هذا الانطباع. الواقع يقول بأن عالمنا ليس صحيحًا، وعندما يحدث خطأ ما، نميل إلى البحث عن مذنب. البحث عن مذنب هو ما يفعله هؤلاء الأشخاص الذين أتوا إلى يسوع. فهم لا يترددون في مقاطعة تعاليمه. ولكن، من خلال طرح الأسئلة، نتعلم، وظهور هذه الأسئلة يحافظ على يسوع في دوره كمعلم. لا شك إن تدخلهم صعب ومحرج.

لكن في الوقت نفسه، نشعر أن هذه التساؤلات صادقة تمامًا، وأنه لا يوجد أي شيء مشترك بينها وبين أفخاخ الفريسيين، وبالتالي فهي تستحق كل اهتمام يسوع. الوقائع مقلقة: تم ذبح جليليين أثناء تقديمهم ذبيحة لله. هل هذا يعني أن الله لم يقبل ذبائحهم؟ هل لدى لله شيء ضد الجليليين؟ نعم، يجب أن يكون هناك مذنب. إذن، من هو الجاني في هذه القضية المظلمة؟ بيلاطس؟ أم هؤلاء الجليليين؟

لهؤلاء الأشخاص المضطربين والمذهولين الذين يلجؤون إليه، إلى هؤلاء الأشخاص الذين يظلون مجهولين «حضر أُناس» يقول الإنجيل، يأخذ يسوع الوقت للرد. فيجيبهم في ثلاث خطوات: في البداية، يجيبهم بهذا الخبر، حدث انهيار برج سلوام، كان على ما يبدو حاضر في أذهان الجميع. قد نتوقع أن يدين يسوع الرجل السياسي المسؤول عن المذبحة، كما نفعل اليوم. لكن لا، لم يقل يسوع شيئًا عن بيلاطس. إنه يكتفي بالتذكير بحدث آخر يحتل أخبار ذلك الوقت، حدث لا علاقة له بالأول: انهيار برج سلوام، كما لو كان يقول لهم: لا شك، أن جريمة بيلاطس غير عادلة وعبثية، ولكن ليس أكثر من هذا الخبر الذي أسفر عن مقتل ثمانية عشر شخصا.

إذا كان من الممكن في الحالة الأولى أن يحمِّلوا بيلاطس المسؤولية، فمن المستحيل العثور على مسؤول في الحالة الثانية. ومع ذلك ... اليوم، فإن اهتمامنا بالعثور على المذنب كبير جداً لدرجة أننا ربما نرسل باني البرج إلى المحكمة، أو ربما نحمل المسؤولية مباشرة إلى الله ... لكن يسوع أظهر أنه لا جدوى من محاولة العثور على المذنب.

من خلال عدم إلقاء اللوم على أي شخص، يلغي يسوع الصلة الضمنية بين هذه الوفيات العنيفة وذنب الضحايا: لا، الضحايا ليسوا مذنبين، لا في حالة الذبح ولا في حالة البرج، على أي حال ليسوا مذنبين أكثر من الأشخاص الذين نجو من المأساة. في الخطوة الثانية، لا يعطي يسوع شرحًا لمحاوريه، لكنه يعطيهم تحذيرًا: إنه يدعهم يروا أن نفس الشيء، نفس الموت السخيف يمكن أن يفاجئهم.

ويستمر في عدم ربط الذنب والمصير الكارثي الذي وقع على هؤلاء الناس، أو بالأحرى يجعلهم يفهموا أن أولئك الذين عانوا من هذا الموت العنيف ليسوا مذنبين أكثر من أولئك الذين لم يعانوا منه، لأن الجميع في الواقع مذنبين، وكلهم منغلقين بنفس الذنب. ثم، ينتهي يسوع بإعطائهم مثل.

مثل شجرة التين التي في وسط الكرمة، عن شجرة تين بقيت عقيمة على الرغم من كل العناية التي تلقتها. تينة، يُعطى لها، حتى النهاية، كل الفرص للبقاء على قيد الحياة وإنتاج الثمار التي نود أن تحملها. على قلق محاوريه، يبدو أن يسوع لم يقدم أي إجابة، وعلى أي حال لم يقدم لهم أي تفسير للشر.

يمكننا أن نتخيل إحباطهم، لأن هذا الإحباط هو إحباطنا أيضًا. لكن علينا أن نواجه الحقائق، الكتاب المقدس لا يقول كل شيء، وإذا أردنا أن نجد إجابة لجميع أسئلتنا اللاهوتية في الكتاب المقدس، فإننا نجازف باختراع إجاباتنا الخاصة، وبالتالي، لن نكون في الحقيقة بعد الآن. لا، يسوع لا يجيب على قلق محاوريه، أو بالأحرى، يجيبهم، لكن يأتي جوابه على جانب الموضوع؛ إجابته تغير تساؤلاتهم وتساؤلاتنا في نفس الوقت.

يقوم يسوع بانزلاقه لها علاقة مع الموت: هناك موت هؤلاء الناس الذين سحقهم البرج، وهناك إعلان عن موت شجرة التين هذه؛ واحدة فيها موت عنيف، والأخرى موت بطيء، موت مؤجل قدر المستطاع، بعد استنفاذ كل المحاولات. هاتين الوفيتين ليست متشابهتين. يحقق يسوع هذا الانزلاق كما لو أنه يريد أن يقول لنا: نعم، في عالمنا الصاخب والغامض، يضرب الموت بوحشية وبشكل أعمى.

لكن الشخص الذي يعتني بالتينة يتخذ نهجًا معاكسًا. إنه يعطي شجرة التين الخاصة به كامل الوقت لكي تتشبث بالحياة، ويطيل عمر شجرة التين قدر الإمكان، وإذا كانت شجرة التين ستموت، فسيكون ذلك فقط لأنه لن يكون هناك أي أمل في الحياة فيها. أظهر يسوع لمحاوريه أن الاهتمام بذنب الآخرين لا فائدة منه، وأنه من الأفضل أن يأخذ المرء بعين الاعتبار ذنبه الشخصي، والذي يمكن الخروج منه من خلال الاهتداء.

بين الماضي الذي نعرفه والمستقبل الذي يهرب منا، بين لحظة ولادتنا ولحظة موتنا، في هذا الوقت الأرضي الذي يتسم بالمحدودية، لم يقدم لنا يسوع أي تفسير لكيفية الشر ولماذا، لكنه يقدم لنا مخرجًا، حتى لا يكون للموت الكلمة الأخيرة، ولكي نتمكن من الدخول في منطق الحياة.

 

 

 

SHARE