الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 28 آب 2022. موعظة الأحد الثاني والعشرين من الزمن العادي

2022-Aug-28 | عظات | 201

يشوع بن سيراخ   3، 17 – 29    عب 12، 18 –   24    لو 14، 1؛ 7 – 14

 

«في ذلك الزمان: دَخَلَ يسوع، يَومَ السَّبتِ، بَيتَ أَحَدِ رُؤَساءِ الفِرِّيسِيِّينَ لِيَتَناوَلَ الطَّعام، وكانوا يُراقِبونَه. وَضَرَبَ لِلمَدعُوِّينَ مَثَلاً، وقد رأى كيفَ يَتَخَيَّرونَ المَقاعِدَ الأُولى، قال لَهُم: إِذا دُعيتَ إِلى عُرْس، فلا تَجلِسْ في المَقعَدِ الأوّل، فَلرُبَّما دُعِيَ مَن هو أَكرَمُ مِنكَ، فَيَأتي الَّذي دَعاكَ ودَعاه فيقولُ لَكَ: أَخْلِ المَوضِعَ لِهذا. فتَقومُ خَجِلاً وتتَّخِذُ المَوضِعَ الأَخير. ولكِن إِذا دُعيتَ فامَضِ إِلى المَقعَدِ الأَخير، واجلِسْ فيه، حتَّى إِذا جاءَ الَّذي دَعاكَ، قالَ لكَ: قُمْ إِلى فَوق، يا أَخي. فيَعظُمُ شَأنُكَ في نَظَرِ جَميعِ جُلَسائِكَ على الطَّعام. فمَن رفَعَ نَفْسَه وُضِع، ومَن وَضَعَ نَفْسَه رُفِع. وقالَ أَيضًا لِلَّذي دَعاه: إِذا صَنَعتَ غَداءً أَو عَشاءً، فلا تَدْعُ أَصدِقاءَكَ ولا إِخوَتكَ ولا أَقرِباءَكَ ولا الجيرانَ الأَغنِياء، لِئَلاَّ يَدْعوكَ هُم أَيضًا فتَنالَ المُكافأَةَ على صنيعِكَ. ولَكِن إِذا أَقَمتَ مَأَدُبَة فادعُ الفُقَراءَ والكُسْحانَ والعُرْجانَ والعُمْيان. فطوبى لَكَ إِذ ذاكَ لِأَنَّهم لَيسَ بِإِمكانِهِم أَن يُكافِئوكَ فتُكافَأُ في قِيامَةِ الأَبرار».

الموعظة

الرسالة الأولى ليوحنا تتحدث عن ثلاثة أنواع من الرغبة أو الشهوة غير المنضبطة: شهوة الجسد، وشهوة العين، الكبرياء. (1 يو 2، 16). بنية العالم وتنظيم حياة الكون بعيدًا عن الله، يستند إلى هذه الشهوات الثلاث التي يمكن الإشارة إليها أيضًا على أنها شهوة الامتلاك، وشهوة القوة، وشهوة الظهور.

بمفهوم المنطق المسيحي، العالم منظم وفقًا لقانون الحب وهو منطق الحب في الحقيقة. في هذا المنطق، لا يكون الإنسان كبيراً بما لديه، بل بما يقدمه. كما أنه لا يطمع في القوة التي تهيمن، بل يرغب بالقوة التي تخدم بتواضع. لذلك، فإن الإنجاز البشري الحقيقي ليس في القدرة على الهيمنة، بل في القدرة على الخدمة.

لإعادة التأكيد على أولوية الحب، يقول يسوع في إنجيل اليوم أن الأمر المهم ليس الظهور بل التواضع. والقديس أغسطينوس يقول «اسمع يا أخي، الله مرتفع جدًا. إذا صعدت، فهو يرتفع أكثر. ولكن إذا أخفضت نفسك، يأتي إليك». يسوع المصلوب هو على مستوى الله، لأن ارتفاع الصليب هو على مدى ارتفاع حب الله، ارتفاع نكران الذات والتكريس للآخرين.

التواضع هو الفضيلة التي تسمح لنا بفهم المكان الذي اختاره الحب لنا واستقبال هذا الحب الذي يأتي ليعيش معنا. وما يريده الله، هو أن يكتشف كل إنسان مكانه. وبالتالي، ليس المهم أن نكون في الأمام أو في الخلف، إنما في المكان الذي أعده الله لنا: هناك كمن سعادتنا واتمامنا. وهذه هي دعوتنا.

في إنجيل اليوم، كما في المناسبات المفرحة الأخرى، الوليمة هي صورة الحياة. الوليمة المسيحية للحياة، وليمة الملكوت هي نسيج علاقتنا مع بضعنا البعض ومع الله. فالمائدة ترمز في الكتاب المقدس إلى ملكوت الله. ويسوع يستخدم هذه الرمزية كثيرًا في خطاباته ومن خلال المشاركة الفعالة في لحظات الفرح والبهجة.

هذه الرمزية هي علامة استباقية للمائدة الإفخارستية وللشركة النهائية مع الله في المستقبل: «ٍأقولُ لَكم: لَن أَشرَبَ بَعدَ الآن مِن عَصيرِ الكَرْمَةِ هذا حَتَّى ذٰلك اليَومِ الَّذي فيهِ أَشرَبُه مَعَكُم جَديدًا في مَلكوتِ أَبي».

والسؤال المطروح، في النهاية، هو من سيشارك في وليمة الملكوت؟ نحن مدعوين إلى العيش مع المسيح، ولنغذي أنفسنا بجسده الإفخارستي. «فالاحتفالية» التي يجب اتباعها هي «احتفالية» التواضع. ممارسة هذه الفضيلة لا تعني التأكيد على أننا لا شيء وأن لا قيمة لنا. الإنسان المتواضع يعطي أفضل ما في نفسه، ويفتح قلبه بقدر ما يستطيع.

والتواضع تجاه الآخرين هو التفهم والقبول والخدمة. بينما التواضع تجاه الله هو العبادة والشكر والصلاة والمحبة. ولكن، لكي نكون متواضعين وننمو فعلياً، علينا أن نحب. هذا ما فعله يسوع. الحب جعله يأخذ جسدنا ويصبح واحداً منا. دفعه إلى البحث عن المرضى والخطأة والمتألمين. هذا الحب، الذي هو عطاء الذات، قاده، إلى وجهته، إلى الجلجلة، حيث «تواضع، وأطاع حتى الموت، الموت على الصليب» (فيل 2، 8).

«كان التواضع هو الشكل الخارجي لمحبته الإلهية». تواضع يسوع هو كشف لحب الله الذي صار إنسانًا بالكامل، متجسداً من أجل خلاص البشرية جمعاء. جعل من نفسه «لا شيء» لكي يكون الإنسان «كل شيء». يصبح طعامًا إفخارستياً لوليمة حيث، في القداس، يكون حاضراً تحت شكل الخبز والخمر ليعطي نفسه ويؤكل.

فالقداس يتحقق في المشاركة الإفخارستية التي فيها يسلم نفسه لنا كليًا إلى حد الزوال. إنه لأمر مدهش أن نتأمل في تواضع ابن الله وهو يقول، «لم آت لأعمل بمشيئتي، بل بمشيئة الذي أرسلني». لكني أجد أنه من المدهش أكثر أن نسمع الخالق المتواضع يقول لمخلوق متواضع: «أنت أمي». هذا هو الإله الذي أظهر نفسه لنا: محبة تفرغ نفسها لأن الحب عطية.

والقديس فرنسيس الأسيزي يقول بأن المسيح هو التواضع: تواضع المسيح في لحظة ولادته، في آلامه، في الإفخارستيا. التواضع والمجانية يقودونا إلى الفهم بأن المكان الأفضل، المكان الأول هو بجوار المسيح.

 

SHARE