الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 4 أيلول 2022. موعظة الأحد الثالث والعشرين من الزمن العادي

2022-Sep-04 | عظات | 211

حك 9، 13 – 18    فيلمون 1، 9 – 17    لو 14، 25 – 33

 

ما الذي تبحث عنه هذه الجموع الكثيرة التي تتبع يسوع على طريق القدس؟ كثيرون منهم يتخيلون بأن هذا الإنسان القادر على الشفاءات والأعاجيب الأخرى سوف يأخذ السلطة. ودخول يسوع إلى القدس ملكاً، «عيد الشعانين» يذهب بهذا الاتجاه. هذا ما كان يعتقده تلميذي عمّاوس الذين التحق بهما يسوع على الطريق: «كنّا نرجو أنه هو من سيفتدي إسرائيل».

في إنجيل اليوم يلتفت يسوع إلى الذين يتبعونه فيحررهم من هذا الوهم ويكشف لهم بأنه لن يذهب إلى القدس «لإعادة الملك لإسرائيل» (أع 1، 6). بل باتجاه فقدان كل ما يشكل حياتنا في هذا العالم، بهدف تجاوز لا يمكننا تخيّله. ملكوت، نعم، لكن ملكوت ليس من هذا العالم. يمكننا أن نتساءل ما الذي يرجوه مسيحيين اليوم الذين يشكلون الكنيسة حيث المسؤولون فيها لا يزالوا يمارسون «سلطة أرضية».

ممّا يشرح بدون شك أن جموع مسيحيين اليوم الذين رأوا أنفسهم محررين من هذا الوهم من قبل التطور التاريخي واكتشفوا بأن الله يترك لنا إدارة هذا العالم بشكل كليّ، تخلوا عن إتباع المسيح. ومع ذلك فهو يخط طريقاً، الطريق الوحيد الذي يكرره تاريخنا الفردي والجماعي. فالموضوع هو العبور باتجاه حياة الله. فعلى الطريق علينا أن نتخلى عن حقائبنا الواحدة تلو الأخرى. والتي تبدو لنا أكثر ضرورة تُسحب منّا. يسوع يعلم أنه يذهب باتجاه هذا التخلي دون أي تحفظ والذي يترك المكان الواضح للحياة الجديدة. فإتباعه يخيفنا وهذا أمر طبيعي: يسوع نفسه في جتسماني عرف هذا الخوف واضطر لتجاوزه. الترجمة الطقسية للنصوص تقول بأنه علينا أن نفضل المسيح على كل شيء، بما فيه الناس القريبين جداً لنا.

في إنجيل مرقس نرى يسوع يضع حب الأب والأم الذين يعانون من الصعوبات، فوق الطابع المقدس للتقدمة التي من خلالها يمكننا مساعدتهم (مر 7، 9 - 13). كما أنه في إنجيلي مرقس ومتى يشدد على الطابع المقدس لاتحاد الرجل بالمرأة ويعتبره فوق كل التقاليد والعادات وحتى الشريعة نفسها. فماذا تعني كلمة التفضيل إذن؟

لا ننسى أن يسوع ذاهب باتجاه القدس حيث سيفقد كل شيء بما فيه حياته. سواء عرفنا ذلك أم لا، سواء قبلنا بذلك أم لا فنحن جميعاً هنا. الكبار في السن يفهمون عليّ أكثر بدون شك: فمع الزمن نفقد شيئاً فشيئاً ما كان يشكل ويؤسس حياتنا: قوانا وصحتنا وكمال إمكانياتنا، رفاقنا في الحياة أطفالنا الذين يغادرونا بدون رجعة الخ.

في النهاية سنصل عاريين من كل شيء إلى اللحظة التي تُؤخذ فيها حياتنا. فالسؤال: هل سنضع ثقتنا في المسيح فوق العلاقة الصنمية إلى حد ما مع ما يشكل حياتنا؟ متجاوزين كل استعارة علينا إتباع المسيح إلى القدس بعبوره بالصليب لكي نجد أنفسنا مجدداً في قيامته. فلا داع لإغلاق أعيننا فنحن ذاهبون إلى هنا بكل الطرق.

فلنحاول إتباعه في هذا الفرح الذي لا يأتي إلاَّ من الإيمان. نص الإنجيل يتابع مع قصة رجل يريد بناء برج أو ملك ذاهب إلى الحرب. فالموضوع يتعلق بنوعية رغبتنا، أو بالأحرى بنوعية ما نرغب بشكل مباشر. هل نريد بناء برج بابل جديد؟ هل نقيس أنفسنا أقوى من حقيقتنا؟ رغبتنا في القدرة موضوعة هنا موضع تساءل.

نجد مجدداً ما قلناه سابقاً: ماذا نرغب بالتحديد؟ فإتباع المسيح ليس بالأمر السهل. لا ننسى بأنه لم يختار بذاته العبور من هنا. فالألم لا يأتي من الله الذي لا يريدها. المسيح يريد الالتحاق بنا في كل ما تعطينا الحياة أن نتحمله. فالبشر هم الذين ينصبون الصلبان. فالله يأتي ليسكن أسواء ما نخضع له لكي يخرجنا منه.

فعمل الله هو قيامة هذه الحياة التي أعطانا إياها وفقدناها بسبب عدم ثقتنا به وبحبه لنا. فنحن ذاهبون باتجاه الحياة وهذا ما علينا اختياره، حتى ولو كان علينا أن نفقد كل شيء على الطريق. مشكلتنا أننا نريد كل شيء. في هذه الحالة إتباع المسيح، التلمذة له أمر مستحيل كما تقول لنا الآية الأخيرة في نص اليوم. ومع ذلك إذا كان من الصعب علينا الالتحاق به في عبوره لتعاسة البشر، إن لم تكن لنا الجرأة حتى أن نتصور ذلك فلا داع للاستسلام.

فلنعد لتلميذي عمّاوس: لقد هجروا مدينة القدس حيث يتم كل شيء، ونحن مثلهم في أغلب الأحيان، مليئين بالأوهام بخصوص ما أتى يسوع ليتمه. لقد التحق بهم على طريقهم الخطأ والسيء وأعاد لهم فرح الحقيقة.

SHARE