الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 19 آذار 2023. موعظة الأحد الرابع من زمن الصوم

2023-Mar-19 | عظات | 205

1 صم 16، 1 – 13    أف 5، 8 – 14    يو 9، 1 – 42 

 

«في ذلك الزّمان: بَينَما يَسوعُ سائِر، رأَى رَجُلاً أَعْمى مُنذُ مَولِدِه. فسأَلَه تَلاميذُه: «رابِّي، مَن خطئ، أَهذا أَم والِداه، حَتَّى وُلِدَ أعْمى؟ فأَجابَ يسوع: «لا هذا خَطِئَ ولا والِداه، ولكِن كانَ ذلك لِتَظهَرَ فيه أَعمالُ الله». يَجِبُ علَينا، مادامَ النَّهار، أَن نَعمَلَ أَعمالَ الَّذي أَرسَلَني. فاللَّيلُ آتٍ، و لا يَستَطيعُ أَحَدٌ أَن يَعمَل فيه. ما دُمتُ في العالَم. فأَنا نورُ العالَم. قالَ هذا وتَفَلَ في الأَرض، فجَبَلَ مِن تُفالِه طينًا، وطَلى بِه عَينَي الأَعْمى، ثمَّ قالَ له: «اِذهَبْ فَاغتَسِلْ في بِركَةِ سِلوامَ»، أَي الرَّسول. فذَهَبَ فاغتَسَلَ فَعادَ بَصيرًا. فقالَ الجيرانُ والَّذينَ كانوا يَرونَه مِن قَبلُ لأَنَّه كانَ شحَّاذًا: «أَما هو ذاكَ الَّذي كانَ يَقعُدُ فيَستَعْطي؟» ومنهم من قال: «إِنَّه هو». ومنهم من قال «لا، بل يُشبِهُه». أَمَّا هوَ فكانَ يقول: «أَنا هو». فقالوا له: «فكَيفَ انفَتَحَت عَيناكَ؟» فأَجابَ: «إِنَّ الرَّجُلَ الَّذي يُقالُ لَه يسوع جَبَلَ طينًا فطَلى بِه عَينَيَّ وقالَ لي: «اِذهَبْ إِلى سِلوامَ فَاغتَسِل. فذَهَبتُ فَاغتَسَلَتُ فَأَبصَرتُ». فقالوا له: «أَينَ هو؟» قال: «لا أَعلَم» فَذَهبوا إِلى الفِرِّيسيِّبنَ بِذاكَ الَّذي كانَ مِن قَبْلُ أَعْمى. وكانَ اليَومُ الَّذي فيه جَبَلَ يسوعُ طينًا وفَتحَ عيَنَيِ الأَعمى يَومَ سَبْت. فسأَلَهُ الفِرِّيسيُّونَ أَيضًا كَيفَ أَبصَر. فقالَ لَهم: «جَعَلَ طينًا على عَينَيَّ ثُمَّ اغتَسَلتُ وها إِنِّي أُبصِر». فقالَ بَعضُ الفِرِّيسيِّين: «لَيسَ هذا الرَّجُلُ مِنَ الله، لأَنَّه لا يَحفَظُ شَريعةَ السَّبْت». وقالَ آخَرون: «كَيفَ يَستَطيعُ خاطِئٌ أَنَ يَأتيَ بِمثِلِ هذهِ الآيات؟» فوَقَعَ الخِلافُ بَينَهم. فقالوا: أَيضًا لِلأَعمى: «وأَنتَ ماذا تَقولُ فيه وقَد فَتَحَ عَينَيكَ؟» قال: «إِنَّهُ نَبِيّ». على أَنَّ اليَهودَ لم يُصَدِّقوا أَنَّه كانَ أَعْمى فأَبصَر، حتَّى استَدْعَوا والِدَيه. فسأَلوهما: «أَهذا ابنُكما الَّذي تَقولانِ إِنَّه وُلِدَ أَعمى؟ فكَيفَ أَصبَحَ يُبصِرُ الآن؟» فأَجابَ والِداه: «نَحنُ نَعلَمُ أَنَّ هذا ابنُنا، وأَنَّه وُلِدَ أَعْمى. أَمَّا كَيفَ أَصبَحَ يُبصِرُ الآن، فلا نَدْري، ومَن فَتَحَ عَينَيه فنَحنُ لا نَعلم. اسألوه، إِنَّه مُكتَمِلُ السِّنّ، سَيَتكلَّمُ هو بِنَفسِه عن أَمرِه». وإِنَّما قالَ والِداهُ هذا لِخَوفِهِما مِنَ اليَهود، لأَنَّ اليَهودَ كانوا قدِ اتَّفَقوا على أَن يُفصَلَ مِنَ المِجمَعِ مَن يَعتَرِفُ بِأَنَّه المسيح. فلِذَلكَ قالَ والِداه: إِنَّه مُكتَمِلُ السِّنّ، فاسأَلوه. فَدَعَوا ثانِيَةً الرَّجُلَ الَّذي كانَ أَعمى وقالوا له: «مَجِّدِ الله، نَحنُ نَعلَمُ أَنَّ هذا الرَّجُلَ خاطِئ». فأَجاب: «هل هو خاطِئٌ لا أَعلَم، وإِنَّما أَعلَمُ أَنِّي كُنتُ أَعْمى وها إِنِّي أُبصِرُ الآن». فقالوا له: «ماذا صَنَعَ لكَ؟ وكَيفَ فتَحَ عَينَكَ؟» أَجابَهم: «لقد قُلتُه لَكم فلَم تُصغُوا، فلِماذا تُريدونَ أَن تَسمَعوه ثانِيَةً؟ أَتُراكم تَرغَبونَ في أَن تَصيروا أَنتُم أَيضًا تَلاميذَه؟» فشَتَموه وقالوا: «أَنتَ تِلميذُه، أَمَّا نَحنُ فَإِنَّنا تَلاميذُ مُوسى. نحَنُ نَعلَمُ أَنَّ اللهَ كَلَّمَ مُوسى، أَمَّا هذا فلا نَعلَمُ مِن أَينَ هو». أجابَهُمُ الرَّجُل: «فعَجيبٌ أَن لا تَعلَموا مِن أَينَ هو وقَد فتَحَ عَينَيَّ. نَحنُ نَعلَمُ أَنَّ اللهَ لا يَستَجيبُ لِلخاطِئين، بل يَستَجيبُ لِمَنِ اتَّقاهُ وعَمِلَ بِمَشيئتِه. ولَم يُسمَعْ يَومًا أَنَّ أَحدًا مِنَ النَّاسِ فتَحَ عَينَي مَن وُلِدَ أَعْمى. فلَو لم يَكُن هذا الرَّجُلُ مِنَ الله، لَما استَطاعَ أَن يَصنَعَ شَيئًا». أَجابوه: «أَتُعَلِّمُنا أَنتَ وقد وُلِدتَ كُلُّكَ في الخَطايا؟» ثُمَّ طَردوه. فسَمِعَ يسوع أَنَّهم طَردوه. فلَقِيَه وقالَ له: «أَتُؤمِنُ بِابنِ الإِنسان؟» أَجاب: «ومَن هو. يا ربّ، فأُومِنَ به؟» قالَ له يسوع: «قد رَأَيتَه، هو الَّذي يكَلِّمُكَ». فقال: «آمنتُ، يا ربّ» وسجَدَ له. فقالَ يسوع: «إِنِّي جِئتُ هذا العاَلمَ لإِصدارِ حُكْمٍ: أَن يُبصِر الَّذينَ لا يُبصِرون ويَعْمى الَّذينَ يُبصِرون». فسَمِعَه بَعضُ الفِرِّيسيِّينَ الَّذينَ كانوا معَه فقالوا له: «أَفنَحنُ أَيضًا عُمْيان؟» قالَ لَهم يسوع: «لو كُنتُم عُمْيانًا لَما كانَ علَيكُم خَطيئة. ولكِنَّكُم تَقولونَ الآن: إنَّنا نُبصِر فخَطيئَتُكُم ثابِتَة».»

الموعظة

الإنجيلي يوحنا يكتب بأن يسوع «يرى» المولود الأعمى، مما يعني أنه «فهم» المأساة التي تغلقه على العالم؛ وبالتالي لم يسأله: موقفه يتكلم. هذا الإنسان لم يبلغ بعد الكلام الذي حُرم منه منذ ولادته. وعماه يأتي من هنا أيضاً. باعترافه به كشخص اعتباري حر بمستقبله يعيد له النظر والكلام معاً، جسد وهوية مع حق المبادرة والتفكير الشخصي وأن يجد مكاناَ في المجتمع.

تحول الفرد ليس بالأمر المباشر، إنه يتم بشكل تدرجي. فهو يجد أولاً النظر ثم الكلام وأخيراً المبادرة في الردّ على الأسئلة مع التساؤل حول ما اختبره. في المرحلة الأولى يجيب بحذر على السؤال حول كيفية عودة النظر إليه: «لا أعلم» لكي يتجرأ لا حقاً ويعلن بأن الإنسان الذي التقى به هو نبي وينتهي بتلقين الفريسيين، درساً لاهوتياً.

«نَحنُ نَعلَمُ أَنَّ اللهَ لا يَستَجيبُ لِلخاطِئين، بل يَستَجيبُ لِمَنِ اتَّقاهُ وعَمِلَ بِمَشيئتِه. ولَم يُسمَعْ يَوماً أَنَّ أَحداً مِنَ النَّاسِ فتَحَ عَينَي مَن وُلِدَ أَعْمى. فلَو لم يَكُن هذا الرَّجُلُ مِنَ الله، لَما استَطاعَ أَن يَصنَعَ شَيئاً». جرأة الإنسان الذي عاد إليه النظر في تصاعد، لكن مقابل هذه الجرأة، يريد هذا الرجل أن يعلم ما الذي حدث له. والآن هو من يتساءل ويقوم بإعادة قراءة الحدث بطرحه السؤال الأساسي: «من هذا الذي شفاه؟».

فهو الذي في النهاية يلتفت إلى يسوع: «ومَن هو. يا ربّ، فأُومِنَ به؟». يريد الآن أن يفهم. فانطلاقاً ممّا عاشه واختبره وبسؤاله حول المعنى يطرح سؤال هوية الآخر هوية الذي التقى به وبكلمته أعاد إليه النظر. إذا كان حدث رواية المولود أعمى هو قرار إنسان بأن يعيش رغبته في الحياة بتحرره من حكم الآخرين، فالحدث ضمن الحدث هو لقاء الله مع هذا الإنسان من خلال يسوع الناصري. وهذا اللقاء هو أساساً عمل إيمان.

المولود أعمى يثق بكلمة يسوع الموجهة له: يذهب إلى بركة سلوام التي تعني المرسل دون أن يطلب أي توضيح أو يطرح أي سؤال. والسؤال لماذا يثق بهذا الرجل؟ لأن كلمة يسوع بدون حكم تعطيه مساحة تسمح لرغبته في الحياة أن تعبر عن ذاتها، فهي غير منفية. لأنه يسمع في هذه الكلمة الموجهة إليه الرغبة في أن يحيا حرية كيانه.

يمكننا القول أكثر من ذلك: إنه يعترف للمرة الأولى برغبته الشخصية من خلال رغبة الآخر. آنذاك وآنذاك فقط هذا الآخر الذي يتحدث إليه يكشف عن ذاته أنه الله بأخذه مكان المخلص. وبطرحه السؤال الجوهري على يسوع «ومَن هو. يا ربّ، فأُومِنَ به؟» يعلن الأعمى إيمانه. في هذه اللحظة يمكن ليسوع أن يعلن له هويته «قد رَأَيتَه، هو الَّذي يكَلِّمُكَ».

عندما يجد المولود أعمى هويته يصبح قادراً على أن يجد هوية من سمح له بمعرفتها: فالحدث ضمن الحدث. إنه يؤمن لأنه رأى: «آمنت يا رب». معرفته هي إذن من مجال الخبرة المعاشة، خبرة لقاء حرره فعلياً. وليس كالفريسيين والكتبة الذين يختذلون قراءة الكتب المقدسة بالمعرفة اللاهوتية. فاللقاء مع يسوع هو لقاء مع إنسان يكشف الله عن ذاته من خلاله، إله الكتاب المقدس، إله الأنبياء. لمرة أُخرى يبين الإنجيلي يوحنا في رواية المولود أعمى كيف أن الله موجود «مسجل»، إن صح التعبير، في الوجود الإنساني ويكشف عن ذاته من خلاله.

إنه يعطي إمكانية أن «يُرى» لمن يؤمن بالحياة، لمن يؤمن برغبته في الحياة. يستفيد يوحنا هذه المرة ليتحدث عن «نور العالم»، موضوع غالي عليه جداً مشيراً بذلك إلى يسوع. بهذا المعنى يدعو يسوع الإنسان للخروج من «الليل» ليحيا في وضح النهار مع ذاته كالآخرين. ما الذي يميز الفريسيين عن المولود أعمى؟ ما يلفت الانتباه لدى الفريسيين هو عدوانيتهم وتصلبهم.

إنهم مسمرين في المعرفة لدرجة أنهم ينكرون البديهي: الأعمى وجد في النهاية البصر! إنهم ينكرون الواقع ولكن من أجل أية فائدة؟ كل شيء يتم كما لو أن الخطاب، هنا حول السبت، يشكل هويتهم: بدونه لا وجود لهم. وكل ما يمكن أن يعرّض للخطر منطق هذا الخطاب يعتبر أمر لا يطاق ولا يحتمل لأنه يهددهم جسدياً. لهذا السبب علاقتهم مع الواقع مختلفة تماماً عن علاقة المولود أعمى.

فالفريسيون لا يرغبون في الحياة، إنهم يخافون الرغبة وكل ما يكشفهم لنفسهم. إنهم يفضلون التمسك بنص لا يحتوي على أية مفاجأة بما أنه

يقول مسبقاً ما يجب القيام به وما يجب ألا يقام. إنهم يريدون بشكل خاص أن لا شيء يتحرك من مكانه؛ بطريقة ما هم أنفسهم لا جسد لهم، سوى جسد الخطاب الذي حفظوه عن ظهر قلب؛ إنهم في موقف الميت. أمّا المولود أعمى فهو على العكس. إنه في انتظار الحياة، هذه الرغبة التي لا تطلب سوى التعبير عن ذاتها بمجرد أن تجد الفرصة التي تسمح لها بذلك. إنه كالجنين في وضعية الحيّ المشدود باتجاه المستقبل.

معنى سر العماد موجود في وسط وجود الإنسان ــــ ولادته ــــ الموصوفة من قبل يوحنا في هذه الرواية. فالسر لا يأتي إضافة، إنه يشترك في العملية ويجعلها ممكنة ويُظهر ما هو جوهري في الموضوع؛ إنه اللغة. فالعماد هولقاء الله مع رجل أو امرأة يطلب أن يحيا في حقيقة وجوده ليحقق ذاته رجل أو امرأة. فالله هو الذي يفتح الإنسان على واقعه ككائن يطلب الحب، على حريته ككائن بحسب الرغبة والذي في الوقت عينه يعني حبّه.

إنه العبور من الموت ـــــ الموقف الفريسي ــــ إلى الحياة وهو موقف المولود أعمى. إنها ولادة على البعد الإنساني كما هي مُعلنة من قبل الأنبياء وكما هي مكشوفة في كلام وأعمال المسيح.        

SHARE