موعظة يوم الأحد 26 آذار 2023. موعظة الأحد الخامس من زمن الصوم
حز 37، 12 – 14 رو 8، 8 – 11 يو 11، 1 – 45
وكانَ رَجُلٌ مَريضٌ وهو لَعازَر مِن بَيتَ عَنيْا، مِن قَريَةِ مَريَمَ وأُختِها مَرْتا. ومَريَمُ هيَ الَّتي دَهَنَتِ الرَّبَّ بِالطِّيب ومسَحَت قَدَمَيهِ بِشَعرِها. وكانَ المَريضُ أَخاها لَعازَر. فأَرسَلَت أُختاهُ تقولانِ لِيَسوع: يا ربّ، إِنَّ الَّذي تُحِبُّه مَريض. فلمَّا سمِعَ يسوع قال: هذا المَرَضُ لا يَؤُولُ إِلى المَوت، بل إِلى مَجْدِ الله، لِيُمَجَّدَ بِه ابنُ الله. وكانَ يسوعُ يُحِبُّ مَرْتا وأُختَها ولَعازَر، ومعَ ذلك فلمَّا سَمِعَ أَنَّه مريض، بَقِيَ في مَكانِه يَومَين. ثُمَّ قالَ لِلتَّلاميذِ بَعدَ ذلِك: لِنَعُدْ إِلى اليَهودِيَّة. فقالَ له تَلاميذُه: رابِّي، قَبلَ قليلٍ حاوَلَ اليَهودُ أَن يَرجُموكَ، أَفَتعودُ إِلى هُناك؟ أَجابَ يسوع: أَلَيسَ النَّهارُ اثنَتَي عَشْرَةَ ساعَة؟ فمَن سارَ في النَّهار لا يَعثُر، لأَنَّه يَرى نورَ هذا العالَم. ومَن سارَ في اللَّيلِ يَعثُر: لأَنَّ النُّورَ لَيسَ فيه. وقالَ لَهم: بَعدَ ذلك: إِنَّ صَديقَنا لَعازَرَ راقِد، ولَكِنِّي ذاهِبٌ لأُوقِظَه. فقالَ له تَلاميذُه: يا ربّ، إِذا كانَ راقداً فسَيَنْجو. وكانَ يسوعُ يَتَكلَّمُ على مَوتِه، فظَنُّوا أَنَّهُ يَتَكلَّمُ على رُقادِ النَّوم. فقالَ لهُم يسوعُ عِندَئِذٍ صَراحَةً: قد ماتَ لَعاَزر، ويَسُرُّني، مِن أَجْلِكُم كي تُؤمِنوا، أَنِّي لم أَكُنْ هُناك. فَلْنَمْضِ إِلَيه! فقالَ توما الَّذي يُقالُ لَه التَّوأَمُ لِسائِرِ التَّلاميذ: فَلْنَمْضِ نَحنُ أَيضاً لِنَموتَ معَه! فلَمَّا وَصَلَ يسوع وَجَدَ أَنَّهُ في القَبرِ مَنذُ أَربَعةِ أَيَّام. وبَيتَ عَنيا قَريبَةٌ مِن أُورَشَليم، على نَحوِ خَمسَ عَشْرَةَ غَلَوة، فكانَ كثيرٌ مِنَ اليَهودِ قد جاؤوا إِلى مَرْتا ومَريَم يُعَزُّونَهما عن أَخيهِما. فلَمَّا سَمِعَت مَرتا بِقُدومِ يسوع خَرجَت لاستِقبالِه، في حينِ أَنَّ مَريَمَ ظَلَّت جالِسَةً في البَيت. فقالَت مَرْتا لِيَسوع: يا ربّ، لَو: كُنتَ ههنا لَما ماتَ أَخي. ولكِنِّي ما زِلتُ أَعلَمُ أَنَّ كُلَّ ما تَسأَلُ الله، فاللهُ يُعطيكَ إِيَّاه. فقالَ لَها يسوع: سَيَقومُ أَخوكِ. قالَت لَه مَرْتا: أَعلَمُ أَنَّه سيَقومُ في القِيامَةِ في اليَومِ الأَخير. فقالَ لَها يسوع: أَنا القِيامةُ والحَياة مَن آمَنَ بي، وَإن ماتَ، فسَيَحْيا وكُلُّ مَن يَحْيا ويُؤمِنُ بي لن يَموتَ أَبَداً. أَتُؤمِنينَ بِهذا؟ قالَت له: نَعَم، يا ربّ، إِنِّي أَومِنُ بِأَنَّكَ المسيحُ ابنُ اللهِ الآتي إِلى العالَم. قالت ذلك ثُمَّ ذَهَبَت إِلى أُختِها مَريَمَ تَدعوها، فأَسَرَّت إِلَيها: المُعَلِّمُ ههُنا، وهو يَدعوكِ. وما إن سَمِعَت مَريَمُ ذلك حتَّى قامَت على عَجَلٍ وذَهَبَت إِلَيه. ولَم يَكُنْ يسوعُ قد وَصَلَ إِلى القَريَة، بل كانَ حَيثُ استَقَبَلَتهْ مَرْتا. فلَمَّا رأَى اليَهودُ الَّذينَ كانوا في البَيتِ مَعَ مَريمَ يُعزُّونَها أَنَّها قامَت على عَجَلٍ وخرَجَت، لَحِقوا بِها وهم يَظُنُّونَ أَنَّها ذاهِبَةٌ إِلى القَبرِ لِتَبكِيَ هُناك. فما إِن وَصَلَت مَريَمُ إِلى حَيثُ كانَ يسوع ورَأَته، حتَّى ارتَمَت على قَدَمَيه وقالَت له: يا ربّ، لو كُنتَ ههُنا لَما مات أَخي. فلَمَّا رآها يسوعُ تَبكي ويَبكي معَها اليَهودُ الَّذينَ رافَقوها، جاشَ صَدرُه وَاضطَرَبَت نَفْسُه وقال: أَينَ وَضَعتُموه؟ قالوا لَه: يا رَبّ، تَعالَ فانظُر. فدَمعَت عَيْنا يسوع. فقالَ اليَهود: اُنظُروا أَيَّ مَحَبَّةٍ كانَ يُحِبُّه. على أَنَّ بَعضَهم قالوا: أَما كانَ بإِمكانِ هذا الَّذي فَتَحَ عَينَيِ الأَعمى أَن يَرُدَّ المَوتَ عَنه؟ فجاشَ صَدرُ يسوعَ ثانِيةً وذَهَبَ إلى القبر، وكانَ مغَارةً وُضِعَ على مَدخلِها حَجَر. فقالَ يسوع: ارفعوا الحَجَر! قالَت لَه مَرْتا، أُختُ المَيْت: يا ربّ، لقَد أَنتَن، فهذا يَومُه الرَّابع. قالَ لَها يسوع: أَلَم أَقُلْ لَكِ إِنَّكِ إِن آمَنتِ تَرينَ مَجدَ الله؟ فرَفَعوا الحَجَر ورفَعَ يسوعُ عَينَيه وقال: شُكراً لَكَ، يا أَبَتِ على أَنَّكَ استَجَبتَ لي وقَد عَلِمتُ أَنَّكَ تَستَجيبُ لي دائِماً أَبَداً ولكِنِّي قُلتُ هذا مِن أَجْلِ الجَمْعِ المُحيطِ بي لِكَي يُؤمِنوا أَنَّكَ أَنتَ أَرسَلتَني. قالَ هذا ثُمَّ صاحَ بِأَعلى صَوتِه: يا لَعازَر، هَلُمَّ فاخرُجْ. فخرَجَ المَيتُ مَشدودَ اليَدَينِ والرِّجلَينِ بالعَصائِب، مَلفوفَ الوَجهِ في مِنْديل. فقالَ لَهم يسوع: حُلُّوهُ ودَعوهُ يَذهَب. فآمَنَ بِه كثيرٌ مِنَ اليَهودِ الذينَ جاؤوا إِلى مَريَم ورَأَوا ما صَنَع.
الموعظة
يوم الأحد الماضي، تأملنا في معجزة الإنسان المولود أعمى ورأينا أن يسوع يفتح أعيننا على الواقع الكامل، ليجعلنا نرى الإنسان الجديد، الإنسان الحر على صورة الله. اليوم، يريد المسيح أن يفتح أعيننا على حقيقة نهرب جميعًا من مواجهتها: الموت. رغبتنا العميقة هي ألا نموت. نتوق إلى الحياة الكاملة والخلود، لكننا نعلم أنه لا يمكن إنقاذ أنفسنا من مياه الموت بمفردنا.
بفضل المسيح، لم يعد الموت نهاية حزينة لحياتنا. والمسيح، يكشف لنا أن الموت هو العبور الدرامي للدخول إلى الحياة النهائية. فالموت هو الباب الذي يفتحه الصليب، لندخل الحياة الحقيقية. بالتأكيد، نحن نواجه صعوبة في قبول منطق الصليب الذي يوضح لنا أن من يحبه الله لا يتخلى عنه أبداً. فالمسيح يخلصنا بالصليب وليس بالرغم من الصليب.
وإذا نظرنا إلى الصليب بعيون الإيمان، فسوف نفهم كيف أن أداة الموت تصبح أداة حياة. الصليب يفتح على القيامة التي تُظهر محبة الله القوية وتُوضح أن الكلمة الأخيرة ليست الموت، بل لله الذي هو حب ويعطي الحياة إلى الأبد. يريد الله أن يعطينا طريقة أخرى لعيش حدودنا، بما في ذلك حدود الموت. فالحد ليس نفي للذات.
الحد هو المكان الذي يمكنني من خلاله الدخول في علاقة لا تنتهي أبداً، مع الآخرين ومع الله. عندما يقول شخص ما لحبيبته: أنا أحبكي، فهذا يعني: لا تموتي، لكنه يعلم أنها ليست سوى رغبة قوية جدًا. ولكن، عندما يقول لنا الله أنا أحبك، فإن كلمة لا تموت هي حقيقة وليست أمنية بسيطة. بقيامة المسيح، يحمل الله في ملكوت حياته، الإنسانية المُستعبدة لملكوت الموت.
إن إقامة لعازر هي آخر «علامة» قام بها يسوع قبل مواجهة الآلام والتغلب على الموت على الصليب بفضل قيامته. لا بل، يمكننا أن نقول إنها العلامة بامتياز: يسوع ليس شافياً بسيطًا، إنه «القيامة والحياة» للجميع. هذا يعني أن قيامة المسيح هي مركز الإنجيل. في حديثه عن موت لعازر، يقول يسوع: «إنه راقد».
فالفرق بين النوم والموت هو أن الموت يشكل نهاية كل شيء بينما النوم هو مقدمة لبداية اليوم الجديد. وبالتالي، يمكننا القول إن موت المسيح ليس موتًا، إنه مقدمة للعودة إلى الآب وإعطاء الحياة للجميع. والمقارنة بين لعازر ويسوع واضحة في إنجيل اليوم. تتشابك رواية لعازر (أي نحن) مع رواية المسيح، لأن لعازر (وبالتالي نحن) متروك للموت، ويسوع متروك للصليب، وأيضًا لأن إقامة لعازر كلفت يسوع، حياته.
فقادة الشعب قرروا قتل يسوع لأنه أقام لعازر. ويسوع، الذي قال «ما من حب أعظم من أن يبذل الإنسان نفسه في سبيل أحبائه» (يو 15، 13)، قرر الذهاب إلى صديقه. الغريب، أن يسوع، الذي يحب لعازر حقًا، يتركه يموت. لماذا؟ يبقى الموت لغز مقلق، ويسوع بكى صديقه لعازر، وكأنه شعر بالضياع أمام اقتراب موته على الصليب.
فالموت، مثل الصليب، يبقى أمر غير مفهوم حيث نحن في مواجهة إله
يقول إنه يحبنا ولكن يبدو أنه يتخلى عنا. فسر وجود الإنسان، المحبوب من الله والذي تم التخلي عنه حتى الموت، ينعكس ويتضخم في سر صليب يسوع. لكن يمكننا حل هذا اللغز، إذا عرفنا كيف ننظر إل الصليب.
يمكننا أن ننظر إلى المسيح على الصليب بطريقتين: النظرة غير المؤمنة التي تقف عند الفضيحة وترى في موت الإنسان، كما في صليب المسيح، علامة الفشل. وهناك نظرة الإيمان التي تتجاوز الفضيحة، وترى أن القيامة تشرق في صليب يسوع وفي موت كل إنسان ـــ مريم لم تذهب إلى القبر.
فإذا أردنا أن نجد معنى الحياة ومعنى التاريخ، يجب أن نرى مجد الله في صليب المسيح. فالموضوع الرئيسي لإنجيل لعازر هو موضوع الحياة. «علامة الحياة» هي التتويج الأخير لرحلة المعمودية. الحياة، التي بدأت بالمعمودية، هي أبدية ولا تموت. فكيف يمكننا أن نعيش تجربة لعازر اليوم؟
أولاً وقبل كل شيء، بترك المسيح نفسه يقترب منا هو الذي لا يزال يقول حتى اليوم: لعازر، صديقنا، راقد. لكني سأوقظه. ثانيًا، باستقبالنا بإيمان متجدد إعلان القيامة: «أخوك سيقوم. انا القيامة والحياة. من يؤمن بي وإن مات فسيحيا». إن الحياة التي يمنحها يسوع ليست عودة إلى الحياة السابقة، بل هي هبة الحياة الأبدية التي لا تموت، لأن المسيح هو الحياة.
وكما يقول أحدهم: يعض الموت الابن في وهم الانتصار على الله. لكن الله أعد للموت، طعامًا سامًا: فالموت يتغذى منه لكنه يأكل نهايته.