الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 30 نيسان 2023. موعظة الأحد الرابع من الزمن الفصحي

2023-Apr-30 | عظات | 398

أع 2، 14. 36 – 41  1 بط 2، 20 – 25   يو 10، 1 – 10 

 

«الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: مَن لا يَدخُلُ حَظيرَةَ الخِرافِ مِنَ الباب بل يَتَسَلَّقُ إِلَيها مِن مَكانٍ آخَر فهُو لِصٌّ سارِق. ومَن يدخُلُ مِنَ الباب فهُو راعي الخِراف.لَه يَفتَحُ البَوَّاب. والخِرافُ إلى صوتِه تُصغي. يَدعو خِرافَه كُلَّ واحدٍ مِنها بِاسمِه ويُخرِجُها فإِذا أَخرَجَ خِرافَه جَميعًا سارَ قُدَّامَها وهي تَتبَعُه لأَنَّها تَعرِفُ صَوتَه.أَمَّا الغَريب فَلَن تَتبَعَه بل تَهرُبُ مِنه لأَنَّها لا تَعرِفُ صَوتَ الغُرَباء».ضرَبَ يسوع لَهم هذا المَثَل، فلَم يَفهَموا مَعنى ما كَلَّمَهم بِه.فقالَ يسوع: «الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: أَنا بابُ الخِراف.جَميعُ الَّذينَ جاؤوا قَبْلي لُصوصٌ سارِقون ولكِنَّ الخِرافَ لم تُصْغِ إِلَيهم.أَنا الباب فمَن دَخَلَ مِنِّي يَخلُص يَدخُلُ ويَخرُجُ ويَجِدُ مَرْعًى.لا يأتي السَّارِقُ إِلاَّ لِيَسرِقَ ويَذبَحَ ويُهلِك. أَمَّا أَنا فقَد أَتَيتُ لِتَكونَ الحَياةُ لِلنَّاس وتَفيضَ فيهِم. أَنا الرَّاعي الصَّالِح والرَّاعي الصَّالِحُ يَبذِلُ نَفْسَه في سَبيلِ الخِراف وأَمَّا الأَجير، وهو لَيسَ بِراعٍ ولَيستِ الخِرافُ له فإِذا رأَى الذِّئبَ آتِيًا تَرَكَ الخِرافَ وهَرَب فيَخطَفُ الذِّئبُ الخِرافَ ويُبَدِّدُها. وذٰلِكَ لأَنَّهُ أَجيرٌ لا يُبالي بِالخِراف. أَنا الرَّاعي الصَّالح أَعرِفُ خِرافي وخِرافي تَعرِفُني كَما أَنَّ أَبي يَعرِفُني وأَنا أَعرِفُ أَبي وأَبذِلُ نَفْسي في سَبيلِ الخِراف. ولي خِرافٌ أُخْرى لَيسَت مِن هٰذِه الحَظيرَة فتِلكَ أَيضًا لا بُدَّ لي أَن أَقودَها وسَتُصغي إِلى صَوتي فيَكونُ هُناكَ رَعِيَّةٌ واحِدة وراعٍ واحِد. إِنَّ الآبَ يُحِبُّني لِأَنِّي أَبذِلُ نَفْسي لِأَنالَها ثانِيَةً ما مِن أَحَدٍ يَنتَزِعُها مِنِّي بل إِنِّي أَبذِلُها بِرِضايَ. فَلي أَن أَبذِلَها ولي أَن أَنالَها ثانِيَةً وهٰذا الأَمرُ تَلَقَّيتُه مِن أَبي»

الموعظة

«لقد كنتم كالغنم ضالين، واما الآن فقد رجعتم إلى راعي نفوسكم وحارسها». هكذا عبَّر بطرس عن يسوع: إنه يشير إلى يسوع على أنه الراعي. هذه الصورة تشكل مركز إنجيل اليوم: يتحدث يسوع عن «راعي الخراف»، ثم يقدم ذاته: «أنا الراعي الصالح». نجد هذه الصورة بالفعل في المزمور 23. سوف أتوقف على المزمور الذي يأخذ صدى جديد بالكامل على ضوء الإنجيل.

يقول المزمور: «الرَّبُّ راعِيَّ فما مِن شيَءٍ يُعوِزني. في مَراعٍ نَضيرةٍ يُريحُني». كانت صورة الراعي عزيزة على العالم القديم. هاجم أنبياء العهد القديم الرعاة السيئين الذين أساءوا استخدام قوتهم وتركوا القطيع يهلك. ردوا على ذلك باهتمام الله الذي «يَرْعى قَطيعَه كالرَّاعي ويَجمَعُ الحُمْلانَ بِذِراعِه» (أش 40، 11). كانت الصورة مألوفة أيضًا في العالم اليوناني واللاتيني.

هذه الصورة بالتحديد هي التي ألهمت المسيحيين في القرون الأولى عندما وضعوا على القبور منقوشاً يمثل يسوع الراعي، لكنهم غيروا المعنى: يسوع ليس راعًيا من بين آخرين، إنه الراعي، إنه راعيَّ، وهذا لأنه مخلصي وبفضله «لا ينقصني شيء». حتى لو جُربت ـــ وجميعنا اليوم نُجرب ــــ، أعلم أنه دائمًا يقدم لي الراحة والعزاء والسلام: «في مَراعٍ نَضيرةٍ يُريحُني».

ويتابع المزمور: «مِياهَ الرَّاحةِ يورِدُ فيَّ ويُنعِشُ نَفْسي.  وإِلى سُبُلِ البِر يَهْديني إِكْرامًا لاْسمِه». يقول يسوع في الإنجيل أن البواب يفتح الباب للراعي، وأن الخراف «تسمع صوته»، وأنه «يدعو خرافه كل واحد منها باسمه ويخرجها». نتذكر هنا ما مرت به مريم المجدلية في صباح الفصح: لقد استمعت إلى صوت الذي تحدث معها، وقد دعاها باسمها مريم، ثم طلب منها يسوع أن تذهب لتجد إخوته ــــــ وبالتالي «الخروج» إليهم. الراعي هو القائم من بين الأموات، وهو الذي «يقودنا إلى مياه الراحة».

في يوم العنصرة يقول بطرس: «لْيَعتَمِدْ كُلٌّ مِنكُم بِٱسمِ يسوعَ المَسيح، لِغُفْرانِ خَطاياكم، فتَنالوا عَطِيَّةَ الرُّوحِ القُدُس». قادنا يسوع، الراعي، إلى مياه المعمودية، وهو سيقود أولئك الذين يستعدون للعماد. بهذه المعمودية يجعلنا نعيش مرة أخرى. لكن لا يكفي أن نعتمد، يجب علينا أيضًا أن نسمح لأنفسنا أن نُقاد من قبل الطريق الصحيح. يوما بعد يوم علينا أن نعيش تحت قيادة الراعي.

يتابع المزمور: «إِنِّي ولَو سِرتُ في وادي الظّلمات لا أَخافُ سُوءًا لأَنَّكَ مَعي. عَصاكَ وعُكَّازُكَ يُسَكِّنانِ رَوعي». صورة الراعي والخراف ليست صورة شاعرية تجعلنا نغلق أعيننا عن التجارب. كثيرون في عالمنا يعبرون وديان الموت هذه الأيام، سواء بسبب الوباءات أو لأسباب أخرى مثل المجاعة أو الصراع المسلح. نحن أنفسنا يمكن أن نختبر التجارب التي تؤثر علينا بعمق.

ولكن قد تنبع هذه الكلمة من قلوبنا: «إِنِّي ولَو سِرتُ في وادي الظّلمات لا أَخافُ سُوءًا لأَنَّكَ مَعي». يمكن أن نشعر في بعض الأحيان بالعجز، ومتروكين لأنفسنا، ونختبر التخلي؛ فليُعطى لنا بعد ذلك القدرة على الصراخ: في عمق المحنة أنت معي، لأن «عصاك ترشدني وتطمئنني». ما العصا؟ أحب آباء الكنيسة رؤية رمز الصليب هنا.

المسيح هو راعينا، ولكن إذا كان كذلك، فذلك لأنه أحبنا حتى النهاية، لدرجة بذل حياته من أجلنا، كما ذكّرتنا رسالة بطرس الأولى: «من أجلكم تألم المسيح أيضًا». الراعي نفسه ضُرب وتشتت الخراف (راجع زك 13، 7؛ مر 14، 27)، لكن بينما كانت الخراف تائهة، استطاعت، بفضل الصليب، العودة إلى راعيها «يرشدني ويطمئنني».

ويضيف المزمور: «تُعِدُّ مائِدةً أَمامي تُجاهَ مُضايِقيَّ وبِالزَّيتِ تُطَيِّبُ رأسي فتَفيضُ كأسي». يلمح المزمور الى الاعداء. وفي الإنجيل، لا يتحدث يسوع عن الراعي فقط، بل يتحدث أيضًا عن السارق الذي لا يدخل إلى الحظيرة من الباب، بل يتسلق إليها من مكانًا آخر، ويتحدث عن كل الذين أتوا قبله ليسرقوا، ويذبحوا.

ما وراء السياق المباشر لهذه الكلمات ـــ معارضة يسوع للفريسيين ــــ، يتعلق الأمر بالتهديد الذي يثقل كاهل تلاميذ المسيح عبر التاريخ: هناك الإرادة في جعل الخراف تعبر من باب آخر وإبعادها عن راعيها، في هذا الوقت يكون يسوع هو الباب والراعي. إن انتصار الفصح لا يحمينا من مثل هذه الهجمات: فهناك أصوات معادية كثيرة، وإغراءات كثيرة، وكثير من العنف والأكاذيب التي تتوسل إلينا للهروب من دعوة المسيح.

ومع ذلك، في خضم هذه المحن، علينا أن نسمح للراعي الصالح أن يحبّنا، ويعتني بنا ويغذّينا. «تُعِدُّ مائِدةً أَمامي تُجاهَ مُضايِقيَّ وبِالزَّيتِ تُطَيِّبُ رأسي فتَفيضُ كأسي». بالنسبة لكثير من المسيحيين، بالطبع، من الصعب ألا يتمكنوا من مشاركة خبز الإفخارستيا اليوم ... ربما يُعطى لنا أن نختبر هذه الفرصة، هذا الجرح المعروف من قبل جميع لمسيحيين الذين يتطلعون إلى شركة الكنائس.

معاناة عدم القدرة، على الرغم من أننا معمدين، على المشاركة بالطريقة المعتادة في نفس المائدة الإفخارستية. لكن الوعد مُعطى لنا: الراعي هو مرشدنا، وهو يقودنا إلى هذه المراعي حيث ستجتمع يومًا ما جميع الخراف المخلصين لصوته وستشبع من خيرات الملكوت. الرب ليس «راعيي» فقط، بل هو راعي كل من يحمل الاسم الجميل للمعمد.

لندع الراعي الصالح يلتحق بنا هو الذي ينادينا باسمنا ويدعونا لنكون جسد واحد ويخرجنا إلى عالمنا لنشهد للبشارة هناك. ودعونا نحمد الله بالكلمات التي ينتهي بها المزمور: «الخَيرُ والرَّحمَةُ يلازِماني جَميعَ أَيَّامِ حَياتي وسُكْنايَ في بَيتِ الرَّبِّ طَوالَ أَيَّامي». 

 

 

                           

SHARE