الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 7 أيار 2023. موعظة الأحد الخامس من الزمن الفصحي

2023-May-07 | عظات | 1358

أع 6، 1 – 7    1 بط 2، 4 – 9   يو 14، 1 – 12   

 

«لا تَضْطَربْ قُلوبُكم. إنَّكُم تُؤمِنونَ بِاللهِ فآمِنوا بي أَيضاً. في بَيتِ أَبي مَنازِلُ كثيرة ولَو لم تَكُنْ، أَتُراني قُلتُ لَكم إِنِّي ذاهِبٌ لأُعِدَّ لَكُم مُقاماً؟ وإِذا ذَهَبتُ وأَعددتُ لَكُم مقاماً أَرجعُ فآخُذُكم إِليَّ لِتَكونوا أَنتُم أَيضاً حَيثُ أَنا أَكون. أَنتُم تَعرِفونَ الطَّريقَ إِلى حَيثُ أَنا ذاهِب". قالَ له توما: "يا ربّ، إِنَّنا لا نَعرِفُ إِلى أَينَ تَذهَب، فكَيفَ نَعرِفُ الطَّريق؟" قالَ له يسوع: "أَنا الطَّريقُ والحَقُّ والحَياة. لا يَمْضي أَحَدٌ إِلى الآبِ إِلاَّ بي. فلَو كُنتُم تَعرِفوني لَعَرفتُم أَبي أَيضاً. مُنذُ الآنَ تَعرِفونَه وقَد رأَيتُموه". قالَ له فيلِبُّس: "يا ربّ، أَرِنا الآبَ وحَسْبُنا".  قالَ له يسوع "إِنِّي معَكم مُنذُ وَقتٍ طَويل، أَفلا تَعرِفُني، يا فيلِبُّس؟ مَن رآني رأَى الآب. فكَيفَ تَقولُ: أَرِنا الآب؟ أَلا تُؤِمِنُ بِأَنِّي في الآبِ وأَنَّ الآبَ فيَّ؟ إنَّ الكَلامَ الَّذي أَقولُه لكم لا أَقولُه مِن عِندي بلِ الآبُ المُقيمُ فِيَّ يَعمَلُ أَعمالَه. صَدِّقوني: إِنِّي في الآبَ وإِنَّ الآب فيّ وإِذا كُنتُم لا تُصَدِّقوني فصَدِّقوا مِن أَجْلِ تِلكَ الأَعمال. الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: مَن آمَنَ بي يَعمَلُ هو أَيضاً الأَعمالَ الَّتي أَعمَلُها أَنا بل يَعمَلُ أَعظَمَ مِنها لأَنِّي ذاهِبٌ إِلى الآب».

 

الموعظة

لقاء يسوع مع تلاميذه، قبل ساعات قليلة من موته، يمسنا لأنه يعبر عن شكوكنا العميقة. الشك الأول نجده في السؤال الذي طرحه توما: «يا ربّ، إِنَّنا لا نَعرِفُ إِلى أَينَ تَذهَب، فكَيفَ نَعرِفُ الطَّريق؟» شعر التلاميذ أن يسوع سيتركهم. فهموا أيضاً أنهم سيجدون أنفسهم بمفردهم وهم في حالة ذهول. ونحن أيضا تعبر بنا هذه المخاوف.

إلى أين نذهب؟ ما معنى حياتنا؟ ماذا بعد الموت؟ يمكننا تخيل ما سيحدث بعد ذلك. الجحيم، المطهر، الجنة، ما زلنا لا نعرف شيئاً. هناك من يقول إنهم اختبروا الحياة بعد الموت، لكن من يصدقهم فعلاً؟ وعندما يصيبنا الموت، فإننا غالبًا ما نبقى في حالة من عدم الفهم والحزن اللامتناهي. والسؤال عن معنى حياتنا ينتهي، على ما يبدو، بمأزق أو بطريق مسدود.

هذا ما سمعناه في بداية الصوم الكبير: «تذكر يا إنسان أنك تراب وإلى التراب تعود!». ثم هناك السؤال الآخر، سؤال فيليبس: «أرنا الآب وحسبنا». يؤمن اليهود بالله، مثل معظم البشر على هذه الأرض، مثلنا جميعًا، ولكن مثل موسى وفقًا للكتاب المقدس، لا يمكننا رؤية الله وجهًا لوجه وإلا نموت «لا يراني الإنسان ويحيا» (خر 33، 20).

ولكن كيف يمكننا إذن أن نؤمن بالله؟ هل نؤمن بقانون الإيمان التي نردده كل يوم أحد؟ إلى جانب ذلك، يمكننا أن نعيش بدون الله، ونتحكم بشكل متزايد في الأرض التي نعيش فيها، ونحن قادرون أكثر فأكثر على قول من أين أتينا، وما نحن عليه، وكيف يعمل عالمنا، من أصغر الأمور حتى اللانهائي منها. ندعي أننا نعرف كل شيء ونتصرف لأنفسنا.

إلا أنه عندما يهاجم مخلوق صغير بحجم فيروس البشرية، فإنها تشعر بالذهول وتتوقف بشكل صارخ دون أن تعرف ما يمكن أن يحدث لها! فجواب يسوع بسيط: «أني في الآب وأن الآب فيّ». أي، انظروا إلي، أنا الجواب، أنا الله! وهكذا عندما يأتي يسوع ليُظهر نفسه على قيد الحياة لتلاميذه، بعد القيامة، بعد لحظة أخيرة من الشك، سيصيح توما: «ربي وإلهي».

ففي يسوع، يعلن الله ذاته. إنه الإنسان بامتياز، القريب من الناس، الذي يحب كل من يقابله، وليس فقط أصدقائه، الشخص الذي يعتني بالمرضى، ويخرج الشياطين، ويشع بالسلام والعدالة. إنه السيد، الشخص الذي يستطيع كل شيء لإخوته، وفي نفس الوقت هو الخادم، الطفل، الأصغر، المتألم، البريء الذي يموت مثل أكثر الناس تخلياً: إنه الإنسان بامتياز، إنه كل واحد منا أيّاً كنا، ويخبرنا أنه هو الله.

كشف مدهش يغير حياتنا اليوم ويعطيها كل معانيها. ليس علينا أن نبحث عن الله في السحاب، ولكن في كل لحظة من حياتنا، في الأفراح كما في الأحزان، في أعظم الأشياء كما في أصغرها: بكلمة واحدة، يدعونا إلى «البحث عن الله وأن نجده في كل شيء». بحياته الخاصة، يرينا يسوع الآب، كما يرينا الله. ويوضح لنا الطريق، أي كيف ننضم إليه في حياة لن تنتهي أبدًا.

«مَن آمَنَ بي يَعمَلُ هو أَيضًا الأَعمالَ الَّتي أَعمَلُها أَنا بل يَعمَلُ أعظم منها». السؤالين الوجوديين اللذين لطالما ابتليت بهما البشرية حول معنى الحياة ووجود الله يجدان إجابتهما في آنية الإنسان، في يومه الذي هو، بشكل لا ينفصل، يوم الله. هذا ما يوضحه بشكل رائع القديس يوحنا في رسالته الأولى: «إِنَّ اللهَ ما عايَنَه أَحَدٌ قَطّ. فإِذا أَحَبَّ بَعضُنا بَعضًا فاللهُ فينا مُقيمٌ ومَحبَّتُه فينا مُكتَمِلَة». (1 يو 4، 12).

كل شيء ممكن لأولئك الذين يؤمنون بالله، كل شيء ممكن لأولئك الذين يؤمنون بالإنسان. هذا ما يقوله الكاهن في تقدمة القداس بسكب قطرة الماء في الكأس: «ليكن هذا الماء رمزاً لاشتراكنا في لاهوت من شاركنا إنسانيتنا». كل شيء من الله! وكل شيء من الإنسان! اتبع المسيح، وتصرف مثل المسيح، غير العالم وأعطه ملء الرجاءً!

كما أن وضع أنفسنا في يد الله يعني أن نفعل كل ما في وسعنا من خلال السماح للآخرين بفعل ما يخصهم، دون الرغبة في أن نضع أنفسنا مكانهم، دون دينونة، ودون حكم، بإحسان وثقة. بالطبع كل هذا يُلزمنا، فماذا سنفعل؟ دعونا نطلب من الله أن ينيرنا حتى نجعل حياتنا، كل على طريقته الخاصة، وأيّاً كنا، ومهما كانت حالتنا، إعلاناً لمجده.

SHARE