الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 22 تشرين الأول 2023. موعظة الأحد الثامن والعشرين من الزمن العادي

2023-Oct-22 | عظات | 68

أش 45، 1. 4-6  1 تس 1، 1- 5   متى 22، 15- 21 

 

«في ذلك الزمان: ذَهَبَ الفِرِّيسيُّونَ وَتَشاوَروا لِيَصطادوا يسوع بِكَلِمَة. ثُمَّ أَرسَلوا إِليه تَلاميذَهم والهيرودُسِيِّينَ يقولونَ له: «يا مُعَلِّم، نَحنُ نَعلَمُ أَنَّكَ صادق، تُعَرِّفُ سَبيلَ اللهِ بِالحَقّ، ولا تُبالي بِأَحَد، لأَنَّكَ لا تُراعي مَقامَ النَّاس.  فقُلْ لَنا ما رأيُكَ: «أَيحِلُّ دَفعُ الجِزيَةِ إِلى قَيصَر أَم لا؟» فشعَرَ يسوع بِخُبْثِهم فقال: «لِماذا تُحاوِلونَ إِحراجي، أَيُّها المُراؤُون! أَروني نَقْدَ الجِزيَة». فَأَتَوهُ بِدينار. فقالَ لَهم: «لِمَن هذه الصُّورَةُ وهذه الكِتابة؟» قالوا: «لِقَيصَر». فقالَ لَهم: «أَدُّوا إِذًا لِقَيصَرَ ما لِقَيصر، وللهِ ما لله»

الموعظة

«نخيف بعضناً البعض ولا نعرف غير الكذب» تقول الشخصية الرئيسية شانتال في رواية «الفرح» للكاتب والروائي الفرنسي جورج برنانوس. أحداث الرواية تتم في منزل غني حيث المالك كليرجوري، كاتب غامض جداً، يعيش فيه في فترة الصيف. يدعو المالك شخصيات لامعة: محلل نفسي معروف جداً، كاهن عالم وباحث في مجال التصوف. يعيشون في الكذب، كذلك الأمر الجدة والخدم: خادمة وسائق. ما عدا فرناند الطباخة، جميعهم مُغلق عليهم بسر.

الجدة، لكي تخفي شيخوختها وخرفها، تتعلق بمجموعة من المفاتيح التي لا استعمال لها. والسائق يحمل هوية مزورة لأمير روسي مهاجر، والمحلل النفسي يخفي اهترائه بسبب المخدرات. المالك يُحضِّر لزواجه الثاني الضخم لكي يعطي لذاته صورة جيدة، ويخفي مستواه الرديء ويُرشح نفسه لمقعد في الأكاديمية. والكاهن يقوم بكل ما يلزم ليخفي فقدانه لإيمانه. الجميع، بطريقة أو بأخرى، يهتم ب شانتال ابنة مالك المنزل.

شانتال، على عكس الجميع، إنسانة شفافة. محيطها يميز بشكل جيد البعد الروحي لحياتها. لكونها موضع فضول الجميع، يقتلها السائق قبل أن ينتحر. الكذب والموت: هذا هو العنوان الذي يمكن إعطاءه لهذه الرواية. كما يمكن أن يكون عنوان لنص إنجيل اليوم. منذ فترة طويلة، يسوع موضع فضول الفريسيين والهيرودسيين الذين يراقبونه عن كثب. نظرتهم وعلاقتهم بالمجتمع متباعدة، متناقضة فيما بينهم: الفريسيين أعداء المحتل الروماني، بينما الهيرودسيين هم من المتعاونين.

ينسوا قناعاتهم ليصلوا إلى مشروع مشترك يخفي تعارضهم. هذه هي الكذبة الأولى. الفريسيين يطلبون اللقاء مع يسوع. فإذا ناشدوا الهيرودسيين وتلاميذهم، فلكي لا يتم كشفهم. هذه هي الكذبة الثانية. والكذبة الثالثة هي الأكثر وضوحاً. لا يؤمنون بأن يسوع «هو صادق، ويُعَلِّمُ سَبيلَ اللهِ بِالحَقّ»، كما يقولون له. يتخذون مظهر المحاورين الذين يطلبون المشورة، لكن رغبتهم في مكان آخر.

في الواقع، إنهم يهدفون إلى موته. يعطوا ليسوع دينارًا ويطرحون عليه سؤالاً حول دفع الضريبة. فإذا أجاب بنعم، سيعتبر في عيون الفريسيين على أنه من المتعاونين. لأن طاعة الإمبراطور الذي يدعي أنه إله ووجهه منحوت من النحاس هو الوقوع تحت شريعة اليهود التي تمنع السجود أمام صنم: «لدينا شريعة وحسب هذه الشريعة يجب أن يموت». إذا أجاب بـ «لا» فقد يعتبرونه الرومان محرضاً ثوروياً خطيراً.

يسوع يُفشل مشروعهم بفصله الصورة المطبوعة على العملة عما هو غير مرئي من الله: «أعطوا لقيصر ما هو لقيصر ولله ما هو لله». لكن، بما أنه لم يخفي يوما كشفه لله وبنوته له واتحاده معه، يأتي يوم الصليب حيث من نسميه «أبو الكذب» الذي يبدو أن له الكلمة الأخيرة، يُكشف على أنه العكس. يُكشف بأن الموت هو كذبة عندما ندعي بأنه النقطة النهائية للوجود. هذه الكذبة كُشفت لنا بالقيامة. ليس من الصعب أن ندرك بأن الكذب، في زمننا الحالي، حاضر في كل أنحاء العالم كما كان في أيام برنانوس.

فالدعاية تحاول أن تقنعنا أنه من مصلحتنا أن نشتري هذا أو ذاك المنتج بينما في الحقيقة، أصحاب المال هم المستفيدين من تصرفاتنا. قد لا يمكننا القيام بشيء، لكن على الأقل، لنكن واعين بأن الكذب يولد الموت. شعوب بأكملها تدفع ثمن آلية تجرد دولاً من ثرواتها الطبيعية. في علاقتنا الشخصية، لا شك أنه، غالباً، من غير الممكن أن نسلم ذاتنا بدون حذر لنظر الآخر. لا يخطر ببال أحد أن ينشر، على سيرته الذاتية، حدوده ونقائصه.

فلا يمكننا أن نأتمن على أسرارنا، لمن لا يمكنهم فهمها. وهذه حقيقة وليست بكذبة! إذا فكرنا جيداً بالأمر، نلاحظ أنه، في أغلب الأحيان، من يمنعنا من أن نسلم ذاتنا للآخر، بفقرنا، هو الخوف من الحكم: «نخيف بعضناً البعض ولا نعرف غير الكذب». من يسمح لنا بالمقاومة، هو تربية نظرنا. فإذا كان الكذب يولد من الخوف، فلنحاول أن نعيش حيث نستطيع أن ننظر إلى الآخر بلطف، أيًا كانت أخطاؤه.

ما وراء ما يمكن أن يخفيه علينا، يبقى كل إنسان موضوع كرامة علينا أن نسعى لاكتشافها. على هذا الصعيد يمكننا مقارنة نظرة يسوع لمعاصريه مع نظرة الهيرودسيين وتلاميذهم. هؤلاء يبحثون عن الخطأ الذي يحكم البريء بينما يسوع يبرر من يقصيهم القانون: العشارين، والبغايا، والمرأة الخاطئة. ونحن، يمكننا، بطريقة ما، أن ندع الحياة تنبعث حيث تهددها قوى الموت.

SHARE