موعظة يوم الأحد 18 شباط 2024. موعظة الأحد الأول من زمن الصوم
تك 9، 8 – 15 1بط 3، 18 – 22 مر 1، 12 – 15
«في ذلك الزمان: أَخَرجَ الرُّوحُ يسوعَ إِلى البَرِّيَّة، فأَقام فيها أربَعينَ يَومًا يُجَرِّبُهُ الشَّيطانُ وَكانَ معَ الوُحوش، وكانَ المَلائِكَةُ يخدُمونَه. وبَعدَ اعتِقالِ يوحَنَّا، جاءَ يسوعُ إِلى الجَليل يُعلِنُ بِشارَةَ الله، فيَقول: «حانَ الوقت وَاقْتَرَبَ مَلَكوتُ الله. فَتوبوا وآمِنوا بِالبِشارة»
الموعظة
إذا كنا مجتمعين في هذا القداس، فباسم الله مجتمعون. باسم الآب والابن والروح القدس. الحياة المسيحية كلها تحت علامة الثالوث الأقدس، كلها موجهة إليه، وكلها منجذبة نحوه. ولنتذكر بداية القداس: «نعمة ربنا يسوع المسيح، ومحبة الله الآب، وشركة الروح القدس تكون معكم جميعاً». وفي الصلاة الإفخارستية، ستتمكن حياتنا من تقديم نفسها في تقدمة المسيح: «فبالمسيح ومع المسيح وفي المسيح نرفعُ إليك، أيها الآبُ القدير، في وَحْدةِ الروحِ القدس، كلَّ إِكرامٍ ومجد، إلى أَبدِ الدهور».
عندها ستنضم «آميننا» إلى كلمة المسيح. نعم، يسوع هو الابن الذي يستقبل ذاته من الآب ويسلمه إياها مرة أخرى، في شركة وحب أبديين. ورباط الحب هذا هو الروح القدس. هذا الروح الذي علينا استقباله طوال حياتنا. إنه يوحدنا بالآب والابن. يُظهر لنا إنجيل اليوم يسوع تحت حركة الروح. «وأَخرَجَه الرُّوحُ عِندَئِذٍ إِلى البرِّيَّة». فالصوم الكبير لا يتعلق في المقام الأول بجهودنا للتوبة، مهما كانت ضرورية.
الصوم الكبير، في أعماقه، هو دعوة إلى السماح لروح الله بأن يقودنا إلى الصحراء. إنها الدعوة إلى أن نكون هناك مع المسيح، لنتعلم من خلاله، معه وفيه، لنتعلم ما تعنيه الحياة بحسب الله، الحياة بحسب الروح. قراءات اليوم تعطينا بعض المعالم وبعض الكلمات التي تساعدنا على هذا الطريق. العهد، الصحراء، المدة، الاهتداء، الإنجيل…
هبة الله أقوى من الموت. الموت حاضر هنا في عالمنا وفي قلوبنا. نحن جميعًا على دراية بالعنف والكراهية والأنانية والخطيئة. كل هذا هو مصدر للموت. ورواية الطوفان تكررها بطريقتها الخاصة: «ورأَى الرَّبُّ أَنَّ شَرَّ الإِنسانِ قد كَثُرَ على الأَرضِ وأَنَّ كُلَّ ما يَتَصوَّرُه قَلبُه مِن أَفْكارٍ إِنَّما هو شَرٌّ طَوالَ يَومِه. فنَدِمَ الرَّبُ .... وتأَسَّفَ في قَلبِه» (تك 6، 5 - 7). فهل يجب على الله أن يمحو الإنسان من الأرض؟ هل يستغرق الفيضان أربعين يومًا وأربعين ليلة ليغسل كل شيء؟
العهد مع نوح نبوي. بار واحد، وتُخلَّص البشرية من الدمار. الخليقة لا تُمحى، بل تُعطى من جديد، وتتجدد. تتحالف الماء مع الشمس في قوس القزح هذا، رمز للسلام الذي نحن في أمس الحاجة إليه. فالله يريد الحياة، يريد السلام لأرضنا ولكل واحد/واحدة منا. من خلال العهد، من خلال عطيته المجانية، ينقذنا الله من الموت. وهذا يُهيئنا بالفعل لسر الفصح.
الصحراء هي زمن الامتحان والتجربة. ولكنها أيضًا مكان اللقاء مع الله الحي، من القلب إلى القلب معه. يأتي يسوع إلى هذا المكان البري. إنه يسلك طرق شعبه، طرق التجارب وطرق الخلاص التي يسلكها من أجلنا ومعنا. الشيطان حاضر هناك: هو الذي يقسم، ويكذب، ويريد موت الإنسان. وهكذا، فإن الصحراء هي مكان اللقاء مع الله ومكان اللقاء مع الشر: حيث نجد أنفسنا مرسلين إلى الجوهر.
أربعين يوما. إنها علامة صبر الله الذي يجعل كل شيء ممكنًا. لا شك أن صومنا سيكون أهدأ قليلاً من زمن الطوفان أو الخروج. ولكنه بالفعل الوقت المناسب، لحظة التوجه إلى الله والخير. هذه هي الأيام المعطاة لنا حتى نسمح لأنفسنا بأن يقودنا الروح أكثر. يأتي يسوع ويعلن: «حانَ الوَقتُ وَٱقْتَرَبَ مَلَكوتُ الله. فَتوبوا وآمِنوا بِالبِشارة». اهتداء، والتفاف. تغير في الروح، تغير في العقلية. تغيير الاتجاه، والنظر. تغيير الحياة.
هذا يعني أن نسمح لأنفسنا بأن يقودنا روح الله. نود بالطبع أن يكون ارتدادنا مرة واحدة وإلى الأبد، مثل المعمودية. مثل الخلاص الذي حمله إلينا المسيح. ولكننا نعلم هنا أن أشياء كبيرة تنتشر وتنكشف بمرور الوقت وفي المسار الطبيعي لحياتنا. وبالتالي، علينا ترجمة «نعم» الأساسية، والالتزام الأعمق، إلى «نعم» صغيرة كثيرة كل يوم. من هنا فائدة الصوم الكبير. أن نعيد اكتشاف قوة الانتماء ونجدد «نعمنا».
ولنكرر، على حد تعبير القديس بطرس، «الالتزام أمام الله بضمير مستقيم». لنفتح قلوبنا. خلال هذا الصوم، يمكن لكل واحد/واحدة منا أن يجد شيئًا صغيرًا ليعيش بشكل أفضل، وليحب بشكل أفضل، وليصلي بشكل أفضل. يمكننا أن نبحث ونجد شيئًا صغيرًا جدًا، شيئًا بسيطًا ومتواضعًا، والذي سيكون علامة الحياة في ظل حركة الروح. يبين لنا يسوع ذلك في الصحراء حيث علينا أن نبتعد عن أنفسنا وعن انغلاقاتنا المتعددة.
التوجه إلى الله الذي منه تأتي كل حياة وكل عذوبة وكل سعادة حقيقية. يسوع في الصحراء ليس لديه شيء. وهو الحرمان في حد ذاته. إنه الإنسان الضعيف، الأعزل، الذي لا سلاح له سوى حب الآب، ولا قوة له سوى الروح الذي يوحده مع أبيه. فهل سيلتهم الشر ذلك؟ لا، إن هذا الإخلاء للذات هو الذي جعل يسوع يتحرر من الشيطان. وهكذا، يقول لنا الإنجيل أن «يسوع يعيش مع الوحوش نفسها والملائكة تخدمه».
علامة انسجام غير متوقع، علامة سلام لا يأتي إلا من الله. فلندخل في طريق الإنجيل: طريق الانفتاح والاستقبال، طريق الحرمان والحياة. فلندخل في هذا الطريق مع المسيح ونتبعه، مدفوعين مثله بالروح. «حانَ الوَقتُ وَٱقْتَرَبَ مَلَكوتُ الله. فَتوبوا وآمِنوا بِالبِشارة» يقول لنا الرب.