الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 25 شباط 2024. موعظة الأحد الثاني من زمن الصوم

2024-Feb-25 | عظات | 209

تك 22، 1 –18     رو 8، 31 – 34     مر9، 2 – 10 

 

«في ذلك الزَّمان: مضى يسوعُ بِبُطرُسَ ويعقوبَ ويوحَنَّا فانفَرَدَ بِهِم وَحدَهم على جَبَلٍ عالٍ، وتَجَلَّى بِمَرأَى منهم فَتَلألأَت ثِيابُه ناصِعَةَ البَياض، حتَّى لَيَعجِزُ أَيُّ قَصَّارٍ في الأَرضِ أَن يأَتِيَ بمِثلِ بَياضِها وَتَراءى لَهم إِيليَّا مع موسى، وَكانا يُكَلِّمانِ يَسوع فخاطَبَ بُطرُسُ يسوعَ قال: «رابِّي، حَسَنٌ أَن نَكونَ ههُنا. فلَو نَصَبْنا ثَلاثَ خِيَمٍ، واحِدَةً لَكَ، وواحِدةً لِموسى، وواحِدَةً لإِيلِيَّا». فلم يَكُن يَدْري ماذا يَقول، لِما استَولى علَيهِم مِنَ الخَوف.  وإِذا غَمامٌ قد ظَلَّلَهم، وانطَلَقَ صَوتٌ مِنَ الغَمامِ يَقول: «هذا هُوَ ابنِيَ الحَبيب، فلَهُ اسمَعوا». فأَجالوا الطَّرْفَ فَوْرًا في ما حَولَهم، فلَم يَرَوا معَهم إِلاَّ يسوعَ وَحدَهوبَينَما هم نازِلونَ مِنَ الجَبَل أَوصاهم أَلاَّ يُخبِروا أَحدًا بِما رَأَوا، إِلاَّ متى قامَ ابنُ الإِنسانِ مِن بَينِ الأَموات».

الموعظة

في هذا الأحد الثاني من الصوم الكبير، لدينا ثلاثة جبال. مع يسوع المتجلي في الإنجيل، صعدنا إلى طابور؛ جميع حجاج الأراضي المقدسة يتسلقون طابور لإحياء ذكرى تجلي يسوع، في مكان ما على طريق آلامه. في القراءة الأولى، كنا على جبل مزعج في «أرض الموريا»، حيث اعتقد إبراهيم للحظة أنه كان عليه أن يكرم الله بذبح ابنه؛ قصة غريبة. أخيرًا، يتيح لنا بولس أيضًا في رسالته إلى أهل رومة أن نخمن جبلًا صغيرًا جدًا ولكنه الأعلى إلى حد كبير.

جبل الجلجلة حيث مات يسوع حقاً وبالفعل، لمرة واحدة، لأن البشرية رفعت يدها في ذلك اليوم... ولم يمنعها الله. إذن، هناك ثلاثة جبال تجعلنا نتأمل في السر نفسه: علينا أن نعبر بالموت لكي ندخل إلى الحياة. ومن الموت يصنع الله الحياة. إذا نظرنا إلى إبراهيم. فهل يتضح لنا على الفور أن مسألة ذبيحة إسحاق هذه هي بشرى سارة وقصة واعدة ومشجعة؟

وليس فقط لأنه يمكننا أن نقرأ فيها نهاية التضحيات البشرية، نهاية هذه الفكرة البدائية وغير المرحب بها، وهي أنه لإرضاء الله الخالق، لا شيء أفضل من التضحية بابنه. لقد كانت إنسانيتنا هكذا، ولا شك أنها تعرف كيف تفعل أشياء وحشية أخرى اليوم. ومع ذلك، أوقف الله ذراع إبراهيم وقال له مرة واحدة وإلى الأبد: لن نلعب هذه اللعبة بعد الآن! لكن القيمة الحقيقية للرواية ليست هنا. بل بالأحرى في ثقة إبراهيم المذهلة.

لقد وعده الله بنسل كثير، وأعطاه رغم كل التوقعات ابنًا يضمن هذا النسل، لكن إبراهيم مستعد، إن أراد الله، لخسارة هذا الابن المبارك. فهو يعتقد أن الوعد سيبقى صالحًا، حتى من خلال الموت نفسه. على الأقل هكذا فهم القديس بولس (رو 4 و عب) هذه القصة. يجدون فيها استباقًا للإيمان بالقيامة. لقد تجرأ إبراهيم على الإيمان بأن الله سيكون أمينًا للحياة، حتى بعد الموت. فالموت، الموت الرهيب لابن محبوب، لن يوقف طريق الحياة.

ولا يقطع رباط العهد الذي أقامه الله مع الناس. وهكذا أصبح إبراهيم أبًا بالفعل. إن الطريق إلى الأبوة وكل الخصوبة ينفتح عندما يتخلى المرء عن الاحتفاظ لنفسه، بما يولده، بل، على العكس من ذلك، يقدمه. عندما نترك الأمر في يدي الله، إله يُنظر إليه على أنه المصدر الوحيد للحياة التي لن تكفي التجارب ولا الخطيئة ولا الموت لإيقافها. لقد فهم إبراهيم هذا، فهو «أبو المؤمنين». سوف تتذكر جميع الأجيال القادمة أن الإيمان ـــــ الثقة يولد الحياة.

وأما إسحاق، فهو سهل الانقياد في الأمر كأنه طفل رضيع: فهو يشبهنا. لأن المعمودية التي قبلناها كانت لنا أيضًا انتزاع من الموت. وقد تم ذلك في شكل رمزي للغطس في الماء ثم الصعود مرة أخرى، ولكن الأمر كان في الواقع هو مسألة تخلي عن الوجود الذاتي من أجل الحصول عليه مرة أخرى، ليولد مرة ثانية بعد الموت، مزودًا بـ الإيمان بالله الحي. في هذا الشأن، ماذا تفعل قصة التجلي الإنجيلية؟ إنها لمحة مستبقة عن مجد الفصح الذي المُكتسب بموت الصليب.

لأن الناس، الذين هم نحن، هنا بالتأكيد لم يفهموا بعد أن سفك الدماء قد

انتهى. فيرفعون أيديهم على يسوع، وهو الابن الحقيقي، حبيب الآب الوحيد. حتى ذلك الحين، مع إبراهيم وكثيرين آخرين من بعده، كانوا مجرد شخصيات؛ لقد حان الوقت للإتمام. هذه المرة، الابن نفسه، وبوعي، سيدع نفسه يُقيَّد ويقدم حياته؛ والله لم يرفع يده ليوقف حماقة الناس.

لتحرير الإنسان من جنونه القاتل، سيكون من الضروري أن يؤتي الموت ثماره حتى النهاية، وأن يسمع نفسه، من الداخل، يقول: أوقف لعبتك، لقد انتهت! لا يكفي أن نوقف الموت قبل أن يتم؛ سيتعين علينا إيقافه من الداخل. إن كلمة الحياة، والوعد بتحالف الله مع البشر، يجب أن تصمد إلى أقصى الحدود. ثم سيعود «ابن الإنسان» إلينا، مستردًا كرامته كبذرة حياة، لحياة قيامة، معدة لتُعطى للجميع. معه سنبدأ حياة جديدة، موعودة بخصوبة هائلة.

هذا ما يُقترح علينا في هذا الأحد من الصوم الكبير. حجاج في الصحراء، منغمسون في واقع الحياة والموت القاسي، نختبر باستمرار إيماننا وثقتنا بالله، نرافق يسوع الذي يسير نحو جبل التضحية. ويأتي صوت معزي من السماء ليقول لنا: «له اسمعوا». اسمعوا الإنجيل، وادخلوا في الإيمان بيسوع، في الثقة الهائلة التي تربطه بأبيه.

معه، تعلموا أن تتخلوا عن كل شيء، وأن تتخلصوا مما يغلقكم على أنفسكم. فينطبق عليكم حينئذ ما أُعلن لإبراهيم: «لأنك سمعت لصوتي، يتبارك جميع أمم الأرض بعضهم بعضًا باسم نسلك». هذا يعني أنه، من خلال اسم يسوع، سيتأسس السلام على الأرض.

SHARE