موعظة يوم الأحد 31 آذار 2024. موعظة أحد القيامة
رو 6، 3 – 11 مر 16، 1 – 7
«ولَمَّا ٱنقَضَى السَّبتُ ٱشتَرَت مَريمُ المِجدَلِيَّة ومَريمُ أُمُّ يَعقوبَ وسالومة طِيبًا لِيَأتينَ فيُطَيِّبنَهُ. وعِندَ فَجْرِ الأَحَد جِئنَ إِلى القَبْرِ وقد طَلَعَتِ الشَّمْس. وكانَ يَقولُ بَعضُهُنَّ لِبَعض: «مَن يُدَحرِجُ لنا الحَجَرَ عن بابِ القَبْر؟» فنَظَرْنَ فرَأَيْنَ أَنَّ الحَجَرَ قَد دُحرِج، وكانَ كَبيرًا جِدًّا. فدَخَلْنَ القَبْرَ فأَبصَرْنَ شَابًّا جَالِسًا عنِ اليَمين عَلَيه حُلَّةٌ بَيضاء فَٱرتَعَبنَ. فقالَ لَهُنَّ: «لا تَرتَعِبنَ! أَنْتُنَّ تَطلُبْنَ يسوعَ النَّاصريَّ المَصْلوب. إِنَّه قامَ وليسَ هٰهُنا، وهٰذا هو المَكانُ الَّذي كانوا قد وضَعوه فيه. فَٱذهَبنَ وقُلنَ لِتَلاميذِه ولِبُطرس: إِنَّه يَتَقَدَّمُكم إِلى الجَليل، وهُناكَ تَرَونَهُ كَما قالَ لكم»
الموعظة
سر قيامة الأموات هو قلب المسيحية. والإيمان المسيحي هو الإيمان بالقيامة «إن كان المسيح لم يقم، فتبشيرنا باطل وإيمانكم أيضًا باطل» (1 قور 15، 14). نرى موضوع القيامة بشكل خاص في أقدم رسالتين لبولس: كان مسيحيي تسالونيكي، قلقين بشأن مصير أولئك الذين ماتوا قبل مجيء يسوع، وبولس يواسيهم: «سيَنقُلُ اللهُ بِيَسوعَ ومعَه أُولَئِك الَّذينَ ماتوا» (1 تس 4، 14). في قورنتوس، كثير من المؤمنين اعترفوا فقط بقيامة يسوع، ويجيب بولس: «فإِذا كانَ الأَمواتُ لا يَقومون، فالمسيحُ لم يَقُمْ أَيضًا» (1 قور 15، 16 - 18).
هذه النصوص تعني بأن قيامة يسوع تؤسس الرجاء المسيحي في الخلاص، الذي هو عطية الله. وبولس يختتم رواية اهتدائه: «لقد صُلِبتُ مع المسيح لأَنِّي بِالشَّريعةِ مُتُّ عنِ الشَّريعةِ لأَحْيا لله» (غل 2، 19 - 21). لذلك كان يجب أن يمر إعلان القيامة من خلال بشارة الصليب. بالنسبة لبولس إنجيل القيامة وإنجيل الصليب هما وجهان لحدث واحد ويشكلان حدث الخلاص، لأن انتصار الله على الموت قد تحقق بموت يسوع.
لذلك، وحده منطق الصليب، ومنطق الحب، والتواضع، يفسر لماذا لم تكن القيامة محاطة بأية علامة انتصار، وبالتالي معرفتها تعود للإيمان والكتب المقدسة. لم يتم تسجيل القيامة في سجلات الزمن، ولم يكن هناك من شهود عليها، لقد تم الإعلان عنها من قبل ملاك، وأكد عدد قليل من التلاميذ أن يسوع ظهر لهم حيًا بعد موته. تمت الشهادة لها في الأماكن العامة، آمن كثيرون بها، ومنها ولدت المسيحية. ولذلك فهي في حد ذاتها حدث تاريخي يستحق أن يؤخذ على محمل الجد.
وفراغ القبر يحيي لدى التلاميذ الشعور بغياب لا يمكن علاجه، ورحيل نهائي، واختبار ضروري لهم حتى يتمكنوا من التعرف عليه في الهوية الجديدة التي تعطيها له قيامته. يقول كتاب أعمال الرسل أن يسوع «أظهر نفسه» لتلاميذه بعد آلامه «لمدة أربعين يومًا» (1، 3). رقم رمزي: إنه اختبار الشك، وعدم اليقين، والتجربة، والبحث المتردد، ولكنه أيضًا اختبار تنقية العقل، وإعادة الثقة، والصعود البطيء باتجاه النور. لم يجبر يسوع تلاميذه على إعلانه حياً مرة أخرى من خلال دليل مبهر مفاجئ لا يمكن دحضه.
إنه يمنح نفسه الوقت ليجعلهم يشعرون أن حضوره عاد إليهم بطريقة جديدة تمامًا، ويمنحهم الوقت ليتفاجؤوا، ويشكوا، ويفكروا في بالأمر، ويناقشوه فيما بينهم، وينفتحوا عليه. أربعين يومًا، ليُثبَّت الغياب، الذي لا يمكن التغلب عليه، ويُفسح المجال للرغبة، وتوقع لم الشمل، وليتحول الغياب إلى حضور بعيد المنال ولكن لا لبس فيه. والتلاميذ، لم يكونوا متأكدين أبدًا من أنهم رأوا يسوع حقًا. لقد أيقظت قيامته فيهم ذكريات، ولكنها مختلفة بحسب الشخص، بحيث لم يراه أحد في نفس الوجهة كالآخر، مما دفعهم إلى الشك في شهادات بعضهم البعض، كما تكشف رواية الظهورات في إنجيل مرقس.
ومع ذلك، من خلال الإصرار والتأخير، تسلل حضور يسوع إلى اجتماعاتهم التي وحدتهم مع بعضهم البعض بالإيمان به، وبدأت الهوية والخبرات المشتركة تأخذ محتوى، وانتهت بالانسجام والتواصل مع أحداث الأيام الأخيرة؛ وبالتالي تعرفوا عليه بالإجماع ودون تردد: «قال ذلك، وأراهم يديه وجنبه ففرح التلاميذ لمشاهدتهم الرب» (يو 20، 20). التقليد الرسولي الذي نقله بولس يقول بأن موت يسوع وقيامته قد تم «كما رود في الكتاب». فالتلاميذ احتاجوا إلى اللجوء إلى الكتاب المقدس للتحقق مما كان يحدث لهم. يعترف يوحنا بأنهم لم يؤمنوا لعدم فهمهم للقيامة.
في بداية رسالته، متأملاً في المصير المأساوي للعديد من الأنبياء، سرعان ما شعر يسوع أنه لن يفلت من مصير أسلافه (متى 23، 31. 37-39)، لأن الناس لا يقبلون بسهولة كلمة الله، التي تزعجهم، وتدين فسادهم، وتستنكر نفاقهم. في نهاية رسالته، لخص تأملاته في التاريخ الكتابي في مثل الكرامين القتلة. وهكذا، من هزيمة إلى نصر، من أسر إلى تحرير، كان تاريخ إسرائيل يُقرأ على أنه تناوب بين الموت والولادة الجديدة، حتى يتحول التحدي النهائي لله، الجريمة المطلقة التي ارتكبت ضد ابنه، إلى انتصار نهائي.
كانت هذه قراءة الكتاب المقدس التي قام بها يسوع. قرأ فيها الفشل الذي كان ينتظره، لكنه كان يعلم أن الكلمة الأخيرة هي لله. كان هذا هو فهم الكتاب المقدس الذي أبلغه لتلاميذه خلال الأربعين يومًا. من خلال ربط قصة يسوع بقصة الأنبياء، تعلم التلاميذ أن يكتشفوا فيه، استمرارية «مشروع الآب»، وشغفه بحب البشر، والذي وجد ذروته في شغف يسوع. ونحن، لا يمكننا اليوم أن نعرف أن يسوع قام من الموت بدون شهادة التلاميذ وقراءة الكتاب المقدس.
فالقيامة هي إعادة تأسيس التاريخ التي أعطاه بولس وجه سياسي: «فلَيسَ هُناكَ يَهودِيٌّ ولا يونانِيّ، ولَيسَ هُناكَ عَبْدٌ أَو حُرّ، ولَيسَ هُناكَ ذَكَرٌ وأُنْثى، لأَنَّكم جَميعًا واحِدٌ في المسيحِ يسوع» (غل 3، 28). هنا نفهم المعنى الحقيقي للإيمان بقيامة يسوع. لا يقتصر هذا الإيمان على الاعتقاد بأن يسوع على قيد الحياة، فالإيمان المخلص حقًا هو الذي يعترف بالخلاص الذي تحقَّق فيه للبشرية جمعاء، حتى يمكن القول إنه سبق وقمنا: «ذلِكَ أَنَّكم دُفِنتُم معَه بِالمَعْمودِيَّة وبِها أَيضاً أُقِمتُم معه» (كول 2، 12).
لا تُقدَّم لنا القيامة كراحة نعيم بعيدًا عن هموم الأرض، ولا كمكافأة فردية غالية الثمن. إنها عطية، لكنها أيضًا عمل يجب القيام به مع المسيح؛ فأن نقوم في المسيح يعني أن نموت معه عن الخطيئة، وأنانية الجسد، وأن نعيش معه حياة معطاة بالكامل للآخرين ولله. إن الإيمان بقيامة يسوع ليس إيمانًا بمعجزة غير مرئية أو في أسطورة عالم آخر، إنه توجه للحياة، وقرار في جميع الأوقات، والالتزام بحياة جديدة على الدوام لأنها مُنتزعة بلا انقطاع من الانغماس في الذات والاكتفاء: هذه هي الصعوبة الحقيقية في الإيمان بالقيامة وجدية الإيمان الذي نضعه فيها.