الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 19 أيار 2024. موعظة أحد العنصرة

2024-May-19 | عظات | 243

أع 2، 1 – 11    غلا 5، 16 – 25   يو 15، 26 – 27؛ 16، 12 – 15 

 

«ومَتى جاءَ المُؤَيِّدُ الَّذي أُرسِلُه إِلَيكُم مِن لَدُنِ الآب رُوحُ الحَقِّ المُنبَثِقُ مِنَ الآب فهُو يَشهَدُ لي وأَنتُم أَيضاً تَشهَدون. لا يَزالُ عِنْدي أَشْياءُ كثيرةٌ أَقولُها لَكم ولكِنَّكُم لا تُطيقونَ الآن حَملَها. فَمتى جاءَ هوَ، أَي رُوحُ الحَقّ، أَرشَدكم إِلى الحَقِّ كُلِّه لأَنَّه لن يَتَكَلَّمَ مِن عِندِه، بل يَتَكلَّمُ بِما يَسمَع ويُخبِرُكم بِما سيَحدُث سيُمَجِّدُني لأَنَّه يَأخُذُ مِمَّا لي ويُخبِرُكم بِه. جَميعُ ما هو لِلآب فهُو لي ولِذلكَ قُلتُ لَكم إِنَّه يأخُذُ مِمَّا لي ويُخبِرُكم بِه».

 

الموعظة

«إِنَّ المَواهِبَ على أَنواع وأَمَّا الرُّوحُ فهو هو، وإِنَّ الخِدْماتِ على أَنواع وأَمَّا الرَّبُّ فهو هو..» (1 كور 12، 4 - 6). يصر بولس على الجمع بين كلمتين يبدو أنهما متعارضتين. يريد أن يخبرنا أن الروح القدس هو الذي يجمع الأشياء المختلفة معًا؛ وأن الكنيسة ولدت هكذا: نحن، مختلفون، ومتحدون بالروح القدس. إذا نظرنا إلى الرسل في بدايات الكنيسة، في يوم العنصرة، نلاحظ أن من بينهم أناس بسطاء مثل الصيادين. هناك أصول مختلفة، يهود ويونانيين، شخصيات لطيفة وأخرى نارية، طرق مختلفة للرؤية والحساسيات. كانوا جميعا مختلفين.

يسوع لم يغير شيئاً من ذلك. لقد ترك اختلافاتهم وهو الآن يوحدهم بالروح القدس. في يوم الخمسين، فهم الرسل قوة الروح الموحدة. رأوا بأعينهم أن الجميع، بالرغم من أنهم يتحدثون بلغات مختلفة، يشكلون شعبًا واحدًا: شعب الله، الذي شكَّله الروح الذي ينسج الوحدة مع تنوعنا. فالروح هو التناغم والانسجام. وإذا نظرنا إلى كنيسة اليوم. يمكننا أن نسأل أنفسنا: «ما الذي يوحدنا، وعلى أي أساس تقوم وحدتنا؟» بيننا أيضًا، هناك تنوع في الآراء، في الاختيارات، والحساسيات.

لكن التجربة تكمن دائمًا في الرغبة في الدفاع عن أفكارنا بأي ثمن، معتقدين أنها مفيدة للجميع، ولا نتفق إلا مع أولئك الذين يفكرون مثلنا. وهي تجربة سيئة تُقسِّم. هذا الإيمان هو إيمان على صورتنا، وليس ما يريده الروح. مبدأ وحدتنا هو الروح القدس. إنه يذكرنا بأننا قبل كل شيء أبناء محبوبين من الله؛ جميعنا متساوين في ذلك، وكلنا متنوعين. يأتي الروح إلينا، بكل تنوعاتنا وبؤسنا، ليخبرنا بأن لنا رب واحد، يسوع، وأب واحد، ولهذا السبب نحن إخوة وأخوات!

فلننظر إلى الكنيسة كما يفعل الروح، وليس كما يفعل العالم. العالم يرانا من اليمين واليسار؛ بهذه الأيديولوجية أو تلك. الروح يرانا انطلاقاً من الآب ويسوع. العالم يرى المحافظين والتقدميين. الروح يرى أبناء الله. الروح يحبنا ويعرف مكان كل شخص ضمن الجماعة: بالنسبة له، نحن قطعًا لا يمكن تعويضها من فسيفساءه. إذا عدنا إلى يوم العنصرة نكتشف بأن أول عمل للكنيسة: البشارة. ولكننا نرى أن الرسل لم يضعوا استراتيجية ولم يعدوا خطة رعوية.

كان بإمكانهم تقسيم الناس إلى مجموعات بحسب مختلف الشعوب، وكان بإمكانهم أيضاً أن يأخذوا الوقت اللازم للتعمق بتعاليم يسوع، تجنباً للمخاطر... لكنهم لم يفعلوا شيئاً من ذلك. لا يريد الروح أن تنمو ذكرى المعلّم في مجموعات مغلقة، في عُليات حيث نحب «بناء العش الخاص فينا». الروح يفتح، ويعيد الانطلاقة، ويدفع إلى ما هو أبعد مما قيل وما تم إنجازه بالفعل، ويتجاوز حواجز الإيمان الخجول والحذر. في منطق العالم، بدون تنظيم قوي واستراتيجية محسوبة، نذهب إلى الهاوية. أما في الكنيسة، فالروح يضمن الوحدة للذين يبشرون ويعلنوا الكلمة. ينطلق الرسل دون أن يكونوا مستعدين، يضعون أنفسهم على المحك، رغبة واحدة تدفعهم: أن يعطوا ما تلقوه: «ذاك الذي رأيناه وسمعناه نبشركم به أنتم أيضاً» (1يو 1، 3). هنا نفهم بأن سر الوحدة، سر الروح. هو العطية.

ولأنه عطية، فإنه يعيش من خلال بذل نفسه، وبهذه الطريقة يبقينا معًا، ويجعلنا مشاركين في نفس العطية. من المهم أن نؤمن بأن الله عطية، وأنه لا يتصرف بالأخذ، بل بالعطاء. هذا أمر مهم، لأن الطريقة التي نفهم بها الله تعتمد على طريقتنا في أن نكون مؤمنين. إذا كنا نفكر في إله يأخذ ويفرض نفسه، فنحن أيضًا نريد أن نأخذ ونفرض أنفسنا: نحتل المساحات، ونطالب بالاعتبار، ونسعى إلى السلطة. ولكن إذا كان الله، في قلوبنا هو عطية، فإن كل شيء يتغير.

إذا أدركنا أن ما نحن عليه هو هبة منه، هدية مجانية وغير مستحقة، فإننا أيضًا سنرغب في جعل هذه الحياة عطية. ومن خلال الحب المتواضع، والخدمة بحرية وبفرح، سنقدم للعالم صورة الله الحقيقية. الروح القدس، يذكرنا بأننا ولدنا من عطية وأننا ننمو من خلال بذل أنفسنا. فما الذي يمنعنا من بذل أنفسنا. هناك ثلاثة أعداء للعطاء، الأعداء الرئيسيون: ثلاثة يتربصون دائمًا على باب قلبنا: النرجسية، موقف الضحية، والتشاؤم.

النرجسية تجعلنا نعبد ذاتنا، وننغمس فقط في مصالحنا الخاصة. النرجسي يعتقد: «أن الحياة جميلة إذا فاز بها». وهكذا يمكنه أن يقول في نفسه: «لماذا يجب أن أعطي نفسي للآخرين؟». في مثل الأزمة التي نعبر بها، كم تؤذي النرجسية، والانغلاق على الاحتياجات الذاتية، واللامبالاة باحتياجات الآخرين، وعدم الاعتراف بهشاشتنا وأخطائنا. لكن العدو الثاني، الذي يتظاهر بأنه ضحية، أمر خطير أيضًا.

من يعتبر نفسه ضحية يشتكي كل يوم: «لا أحد يفهمني، لا أحد يساعدني، لا أحد يحبني، الجميع ضدي!». كم مرة سمعنا هذا الرثاء! وينغلق قلبه وهو يسأل نفسه: «لماذا لا يعطي الآخرون ذاتهم إليّ؟» في الدراما التي نعيشها، كم هو سيء أن يظهر الإنسان كضحية! الاعتقاد بأن لا أحد يفهمه ويشعر بما يشعر به. هذه هي نتيجة موقف الضحية. وأخيرا هناك التشاؤم. فالمتشائم يردد: «لا شيء يسير على ما يرام، لا المجتمع، ولا السياسة، ولا الكنيسة...».

المتشائم يهاجم العالم، لكنه يبقى خاملاً ويفكر: «ما فائدة العطاء على أية حال؟ انه غير مجدي». فالتشاؤم، ورؤية كل شيء باللون الأسود، والتكرار بأنه لن يكون هناك شيء كما كان في السابق أبدًا! يجعلنا نفقد الرجاء. من بين هؤلاء الثلاثة ــــ إله المرآة النرجسي، إله الرثاء؛ وإله السلبية، نجد أنفسنا فاقدين الرجاء وعلينا أن نقدر هبة الحياة، هبة كل واحد منا. ولهذا نحتاج إلى الروح القدس، عطية الله، الذي يشفينا من النرجسية وموقف الضحية والتشاؤم، الذي يشفينا من المرآة والرثاء والظلام.

SHARE