الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 29 تموز 2024. موعظة الأحد السابع عشر من الزمن العادي

2024-Jul-29 | عظات | 134

2 ملو 4، 42 – 44     أف 4، 1-6       يو 6، 1- 15 

 

«وعبَرَ يسوعُ بَعدَ ذلك بَحرَ الجَليل (أَي بُحَيَرَةَ طَبَرِيَّة). فتَبِعَه جَمعٌ كثير، لِما رَأوا مِنَ الآياتِ الَّتي أَجْراها على المَرْضى. فصَعِدَ يسوعُ الجَبَل وجَلَسَ مع تلاميذِه. وكانَ قدِ اقتَرَبَ الفِصحُ، عيدُ اليَهود. فرَفَعَ يسوعُ عَينَيه، فرأَى جَمعاً كثيراً مُقبِلاً إِلَيه. فقالَ لِفيلِبُّس: "مِن أَينَ نَشتَري خُبزاً لِيأكُلَ هؤلاء وإِنَّما قالَ هذا لِيَمتَحِنَه، لِأَنَّه كانَ يَعلَمُ ما سَيَصنَع. أَجابَه فيلِبُّس: "لوِ اشتَرَينا خُبزاً بِمَائَتي دينار، لما كفَى أَن يَحصُلَ الواحِدُ مِنهُم على كِسرَةٍ صَغيرة". وقالَ له أّحدُ تَلاميذُه، أَندَراوسُ أَخو سِمْعانَ بُطرُس: ههُنا صَبِيٌّ معَه خَمسَةُ أَرغِفَةٍ مِن شَعير وسَمَكتان، ولكِن ما لِمِثلِ هذا العَدَدِ الكَبير ؟ فقالَ يسوع: "أَقعِدوا النَّاس". وكان هُناكَ عُشبٌ كَثير. فَقَعَدَ الرِّجالُ وكانَ عَدَدُهم نَحوَ خَمسِةَ آلاف. فأَخَذَ يسوعُ الأَرغِفَةَ وشَكَر، ثُمَّ وزِّعَ مِنها على الآكِلين، وفَعَلَ مِثلَ ذلك بالسَّمَكَتَين، على قَدْرِ ما أَرادوا. فلَمَّا شَبِعوا قالَ لِتلاميذِه: "اِجمَعوا ما فَضَلَ مِنَ الكِسَرِ لِئَلاَّ يَضيعَ شَيءٌ مِنها". فجَمَعوها ومَلأُوا اثنَتَي عَشْرَةَ قُفَّةً مِنَ الكِسَرِ الَّتي فَضَلَت عنِ الآكِلينَ مِن خَمسَةِ أَرغِفَةِ الشَّعير. فلَمَّا رأَى النَّاسُ الآيةَ الَّتي أَتى بِها يسوع، قالوا: "حَقاً، هذا هوَ النَّبِيُّ الآتي إِلى العالَم". وعَلِمَ يسوعَ أَنَّهم يَهُمُّونَ بِاختِطافِه لِيُقيموهُ مَلِكاً، فانصَرَفَ وعادَ وَحدَه إلى الجَبَل».

 

الموعظة

وكان قد اقترب عيد الفصح: هذا التنويه لعيد الفصح يعطي طابع هذه الحادثة: سواء المعجزة أم خطاب يسوع حول خبز السماء الذي يلي المعجزة. بالطبع عيد الفصح في هذه الرواية ليس فصح المسيح، لكن هذا الأخير موجود كخلفية لها. النص يشدد على العدد الكبير الذي كان يتبع يسوع. هؤلاء الخمسة آلاف يمثلون مجمل البشرية التي يدعوها يسوع لتتغذى من جسده ودمه. لهذا السبب اتخذ المسيحيون الأوائل من الخبز والسمك رمز للمسيح. الخبز، كما نعلم، يمثل في بلادنا كل غذاء.

الخبز ساكن، جامد، بينما السمك فهو رمز للحركة وللحرية. رواية تكثير الخبز هي بهذا المعنى نوع من التلخيص من خلال الصور لمجمل ما قام به يسوع من أجلنا. فالصليب قد يبدو لنا للوهلة الأولى على أنه فشل ذريع ومصيبة. بينما نص اليوم يعلمنا بأنه بصفته عطاء للجسد والدم، فهو غذاء لحياتنا، الغذاء الوحيد لحياة لا يمكن للموت أن ينهيها. متغذين من قبل الله، متغذين من الله نفسه لا يمكن لأحد أن يقضي علينا.

النص يقول لنا بأن طفلا قدم المادة الأولى للآية التي سيقوم بها يسوع. والطفل يرمز للبداية، لما هو ليس بكامل، ليس بمنتهي، للحياة التي أمامنا،

حياة، لا يمكن الشك بملئها الآتي وبطابعها الذي لا يُهدم. قد يرى البعض منكم من الغريب أن أشدد إلى هذا الحد على البعد الرمزي. هذا يعود لأن كتاب الكتاب المقدس بشكل عام والإنجيلي يوحنا بشكل خاص لا يستعملون أية كلمة صدفة وبالتالي يحمّلون كلماتهم معانٍ أكبر بكثير مما تقوله الكلمة بشكل مباشر.

بعض الأمثلة: في الفصل 10 من إنجيله يتحدث يوحنا عن يسوع على أنه الراعي، لكنه يغير معنى الكلمة فلم تعد تعني الراعي الذي يتغذى من خرافه، بل على العكس هو من يغذيها من حياته، لدرجة أنه الراعي لكنه أيضاً الحمل، حمل الله. واسم يسوع لا يخرج عن هذا التحول للمعنى وهذا الإتمام. المسيح يعني الملك المدهون بزيت الملوكية، على مثال الملك داود والذي ينتمي يسوع إلى سلالته. ابن داود، كما يقول لنا الإنجيل، هو أيضاً ابن الله.

وكلمة ملك تأخذ معنى آخر لا يمكننا حصره. وكلمة الابن أيضاً، فيسوع هو ابن أكثر من أبناءنا وبطريقة مختلفة. وفي نص اليوم يقول بأن الجموع كانت تريد اختطافه لتجعل منه ملكاً. هنا تلميح لتجربة يسوع في البرية، ويسوع ينصرف، يهرب. ملكيته ليست من هذا العالم، ولا لها أية علاقة مع ما يتخيله الناس. يسوع لن يعيد الملك المفقود لإسرائيل. لا شيء في كلماته وأعماله له طابع سياسي.

فعبادة المسيح الملك لم تفلت من الغموض، والكنيسة، بطريقة أو بأخرى،

 حاولت في الماضي، التأثير على السلطة السياسية. وفي فترة من الزمن، كان الملوك يُعتبرون اليد العلمانية للكنيسة. اثنتي عشرة قفة: هذا يعني الفيض! العطاء الذي يقدمه لنا الله من ذاته يفوق ومن بعيد حاجاتنا، أمنياتنا، وطموحاتنا. لماذا اثنتي عشرة قفة؟ هل هذا يعني عدد أسباط إسرائيل، أو عدد التلاميذ؟ العدد 12 كان دائماً عدد رمزي.

لكن الجوهر والأساس هو جمع ما تبقى. في الواقع خلفية تكثير الخبز هو المن الذي أعطاه الله لشعب العهد القديم في الصحراء غذاء له. ولكن كان من الممنوع تخزين المن. فالتخزين يعني بكل بساطة عدم الثقة باستمرارية هذا العطاء. مع المسيح تم تجاوز كل ذلك، لأن الخبز المُعطى هو في النهاية الله نفسه. فالاثنتي عشرة قفة تعني بأن الله يذهب إلى أبعد من كل توقعاتنا. المن لا يدوم أكثر من يوم، خبز المسيح يبقى للحياة الأبدية.

فالمتين إلى جانب الهش ليس فقط المن، بل كل أنواع الغذاء الذي ننتجه. هنا أيضاً نرى كلمة يتم تحول معناها وتُطبق على واقع لا يمكن إدراكه تماماً: المسيح يصبح خبزاً. لا نتسرع ونفكر بالإفخارستيا، بل بكلمة الله التي تغذي فينا نوع آخر من الحياة إن استقبلناها بالإيمان. كلمة حيّة وتحيي. من هنا نصبح نحن ملوكاً: وريثين للملكوت.

SHARE