الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 15 أيلول 2024. موعظة الأحد الرابع والعشرين من الزمن العادي

2024-Sep-15 | عظات | 217

أش 50، 5 – 9          يع 2، 14 – 18        مر 8، 27 – 35   

 

«وذهب يسوع وتلاميذه إلى قرى قيصرية فيلبس، فسأل في الطريق تلاميذه: من أنا في قول الناس؟ فأجابوه: يوحنا المعمدان. وبعضهم يقول: إيليا، وبعضهم الآخر: أحد الأنبياء فسألهم: ومن أنا، في قولكم أنتم؟ فأجاب بطرس: أنت المسيح. فنهاهم أن يخبروا أحدا بأمره وبدأ يعلمهم أن ابن الإنسان يجب عليه أن يعاني آلاما شديدة، وأن يرذله الشيوخ وعظماء الكهنة والكتبة، وأن يقتل، وأن يقوم بعد ثلاثة أيام. وكان يقول هذا الكلام صراحة. فانفرد به بطرس وجعل يعاتبه. فالتفت فرأى تلاميذه فزجر بطرس قال: انسحب! ورائي! يا شيطان، لأن أفكارك ليست أفكار الله، بل أفكار البشر. ودعا الجمع وتلاميذه وقال لهم: من أراد أن يتبعني، فليزهد في نفسه ويحمل صليبه ويتبعني. لأن الذي يريد أن يخلص حياته يفقدها، وأما الذي يفقد حياته في سبيلي وسبيل البشارة فإنه يخلصها»

الموعظة

إذا قرأنا الإنجيل كرواية، أو عندما نلتقي بيسوع، ونرى الآيات التي قام بها ونسمع كلامه، فأول سؤال يأتي إلى ذهننا: «من هو هذا الإنسان؟». والجواب العفوي متباين بين الاندهاش والاعجاب وبين الرفض. كيف يمكن لشخصية كهذه، لبطل الرواية أن ينتهي به المطاف معلقاً على الصليب؟ لكن إذا تعمقنا في القراءة سرعان ما نلاحظ تواضع وحب لا متناهي لهذا البطل. لا يمكن لهذه الملاحظة إلاَّ أن تضعنا أمام حقيقتنا نحن «شحاذين للحب».

لا نكتفي من الحب. وبالتالي نكتشف أن هذا البطل، بقبوله الصليب حباً بنا يجب أن يكون مميز، وأخيراً ابن الله «كان هذا الرجل ابن الله حقاً» يقول قائد المئة الواقف أمام الصليب! يبقى السؤال المهم: هل نقبل أن نُحب؟ ظاهرياً سؤال سخيف! لكن الواقع يُظهر لنا إلى أي حد الاجابة على هذا السؤال صعبة أو ليست بالأمر البديهي. فالحب لا يثير الحب دائمًا؛ بل على العكس، يمكن أن يثير الرفض والازدراء والكراهية.

الحب يجبرنا على الاختيار، يجبرنا على الإجابة، بالامتنان أو بالرفض، وليس من السهل كما نعتقد أن نقبل أن نكون محبوبين. نحن جميعًا نريد أن نكون كذلك، بالطبع، ومع ذلك لا يوجد شيء أكثر زعزعة للاستقرار من معرفة أننا محبوبين. إن جميع علاقاتنا الشخصية، التي نختبرها يوميًا، تتعقد بسبب هذه الحقيقة البسيطة جدًا، التي هي فينا، العلامة ذاتها لما يسميه اللاهوتيون «الخطيئة الأصلية»، الخطيئة الموجودة فينا: من الصعب أن نقبل أن نكون محبوبين.

إن الحب الذي نحب به يضعنا في أزمة، بمعنى أنه يضعنا أمام خيار غير متوقع وضروري يجعلنا نفقد توازننا للحظة. ولا يختلف الأمر كثيرًا عندما يتعلق الأمر بحب الله، حب الله لي، حب الله للعالم، فإن الأمر ليس أسهل: هذا الحب الكامل غير المشروط هو حقًا مؤثر. يمكن أن يملأني بالفرح، ولكن أيضًا بالارتباك، بالحرج الذي نشعر به عندما نواجه الهدية، بالخجل لأننا لم نستحقها.

إن كشف حب الله يواجه دائمًا عقبات. إن كشفه الكامل، من خلال مجيء المسيح، لم يحصل بأي حال من الأحوال على الإجماع: لقد أثار في الوقت نفسه حماسة هائلة، ورجاء جديد، وشفاءات عديدة، وحتى ارتدادات عديدة، ولكن أيضا عدم الثقة والغيرة والعنف والحسد. والإنجيل يقول بأن المسيح صلب حسداً. الأسباب التي جعلت يسوع محبوبًا ــــ استقباله غير المشروط للخطأة، وإصراره على إعطاء المكان للجميع ــــ هي أيضًا الأسباب التي جعلته مكروهًا.

إن اللقاء مع الله الذي صار إنسانًا، يثير، في لحظات قليلة، توبة اللص الصالح ولامبالاة بيلاطس القاتلة. إن مجيء يسوع، بهذا المعنى، هو كشف لما هو مخفي في قلب الإنسان ـــــ الأفضل والأسوأ. بهذا المعنى أقول أن الاهتداء لا يعني تبني الهوية المسيحية، بل قبول حب الله المقدم في يسوع. يُحكى أن القديس فرنسيس الأسيزي، قابل حاكم مصر، ابن أخ صلاح الدين الأيوبي ليكلمه عن حب الله الهائل الذي اكتشفه واختبره.

فانبهر السلطان بكلام هذا الواعظ. فيطرح السلطان السؤال: كيف يمكن لقوات الفرنجة الذين، باسم نفس الله، الذين ينتمون إلى نفس الكنيسة، ينهبون الريف ويدمرون المدن، ويقضوا على الرجال الذين يدعون أنهم محبوبون من الله؟ فحزن فرنسيس ورأى بأن سؤال السلطان منطقي وواقعي فأجاب السلطان بحزن عميق: «يا سيد، الحب ليس محبوباً. الحب في هذا العالم مصلوب دائمًا».

 

 

SHARE