الكلمة

المقالات

تصفح المقالات حسب التصنيفات الرئيسية في الموقع، بما فيها عظات قداديس أيام الآحاد على مدار السنة

العظات، يحتوي على عظات قداس الأحد على مدار السنة

موعظة يوم الأحد 22 أيلول 2024. موعظة الأحد الخامس والعشرين من الزمن العادي

2024-Sep-22 | عظات | 211

حك 2، 12. 17 – 20     يع 3، 16 – 3،4      مر 9، 30 – 37 

 

«ومضوا من هناك فمروا بالجليل، ولم يرد أن يعلم به أحد، لأنه كان يعلم تلاميذه فيقول لهم: إن ابن الإنسان سيسلم إلى أيدي الناس، فيقتلونه وبعد قتله بثلاثة أيام يقوم. فلم يفهموا هذا الكلام، وخافوا أن يسألوه. وجاؤوا إلى كفرناحوم. فلما دخل البيت سألهم: فيم كنتم تتجادلون في الطريق؟ فظلوا صامتين، لأنهم كانوا في الطريق يتجادلون فيمن هو الأكبر. فجلس ودعا الاثني عشر وقال لهم: من أراد أن يكون أول القوم، فليكن آخرهم جميعا وخادمهمثم أخذ بيد طفل فأقامه بينهم وضمه إلى صدره وقال لهم: من قبل واحدا من أمثال هؤلاء الأطفال إكراما لاسمي فقد قبلني أنا ومن قبلني فلم يقبلني أنا، بل الذي أرسلني»

الموعظة

«العادل» المعني في القراءة الأولى، هو الذي «يُدخل الأخلاق إلى العالم»، يضع نفسه في تناقض مع طرق تفكير وتصرفات الأغلبية. ولذلك فهو يثير الكراهية أو على الأقل الازدراء؛ يصبح «علامة على التناقض». ولكن أي أخلاق هذه؟ التي تعارض الفكرة بأن القوة تخلق الحق وأنه يجب القضاء على الضعفاء لأنهم عديمي الفائدة (الآية 11).

هذه الأخلاق تجعلنا جميعًا متساوين لأننا جميعًا إخوة ولنا الآب نفسه، كما يقول الإنجيلي متى «أَمَّا أَنتُم فَلا تَدَعوا أَحَدًا يَدْعُوكم «رابِّي»، لِأَنَّ لَكم مُعَلِّمًا واحدًا وأَنتُم جَميعًا إِخوة. ولا تَدْعوا أَحدًا أَبًا لَكم في الأَرض، لِأَنَّ لَكم أَبًا واحدًا هو الآبُ السَّماويّ» (متى 23، 8 - 11). وحتى المنحرف هو، في جزء من نفسه، ابن لله، ولهذا لا يحق لنا إدانته، لكن مجتمعاتنا لا تُبنى وفق هذا المنطق، ولا تعمل وفق هذه النظرات الإيمانية.

وبالتالي سيتم القضاء على «الصالحين» أو تهميشهم ضمن حدود الأخلاق الموصوفة بأنها فردية، على أن يكون مفهوما أنها لا قيمة لها بالنسبة للجماعة. هنا فقط، البديل لرؤية «العادل» هو عالم من الحيوانات المفترسة، عالم بارد ولا يرحم، حتى لو كان العادلون يبذلون أنفسهم بجهد لإصلاح الضرر الناجم عن عمل آلية تسمى «النظام». القراءة الثانية تسمح لنا بالتعمق أكثر في روح هذه «الأخلاق».

يحدثنا يعقوب عن الغيرة والمنافسات. فهو يرى أنها أصل كل الشرور التي

 تسمم العلاقات بين الرجال. ويتوافق هذا بشكل جيد مع تحليلات «رينيه جيرار»، أحد المؤرخين والفلاسفة، حول «تقليد التملك»: فمجرد رؤية شخص ما يمتلك شيئًا ما يثير فينا الرغبة في امتلاكه أيضًا (قانون حماية الاسم). إذا كانت الأشياء المرغوبة فريدة أو نادرة، ستكون الحرب.

ويعقوب يقول لنا نفس الشيء بلغته «مِن أَينَ تَأتي المُخاصَماتُ والمَعارِكُ بَينَكم؟ أَمَا تَأتي مِن أَهوائِكُمُ الَّتي تَعتَرِكُ في أَعضائِكم؟ تَشتَهونَ ولا تَنالون، تَقتُلونَ وتَحسُدون، ولا تَستَطيعونَ الحُصولَ على ما تُريدون، فتُخاصِمونَ وتَعتَرِكون» (4، 1 - 2). من جهته، أحد كبار المختصين في الكتاب المقدس، محللاً الفصل 3 من سفر التكوين يرى أن الحسد والغيرة هي أول مظهر من مظاهر الخطيئة.

ويقول إن الحسد والغيرة يتكونون في الحزن على الخير ـــــ مهما كانت طبيعة هذا الخير ــــ الذي يراه المرء في الآخر، «الحزن» الذي يمكن أن يصل إلى حد القتل (رواية قاين وهابيل في تك 4). بالمقابل، عكس الحسد هو المديح، والابتهاج بالخير الذي نجده في الآخرين. ولكن الحقيقة هي أنه لا يزال هناك جذر خفي تحت الحسد والطمع: عدم الثقة. وهنا نترك مجال الأخلاق، مهما كانت سامية، إلى مجال الإيمان.

لا نؤمن، أو لا نؤمن بما يكفي، بالحب الذي يجعلنا موجودين، ونبحث عن الضمانات؛ نحن خائفون من عدم وجود ما يكفي، من عدم وجود قيمة كافية، من أن لا نكون بالكفاية. نحن نسعى للحصول على دليل على قيمتنا، وبالتالي تفوقنا. «نحن الأقوى ونحن الأفضل» يقول أحد رؤساء الدول.

في الإنجيل نرى التلاميذ فريسة «لشيطان» الطموح: من هو الأكبر؟ الأفضل؟ «الأول»؟ والتناقض صارخ: لقد أعلن لهم يسوع مرتين أنه سيُسلَّم إلى أيدي الناس، وأنه سيجعل نفسه «آخر الجميع وخادمهم». والإنجيلي مرقس على حق في ملاحظته بأنهم لا يفهمون هذه الكلمات. لا داعي لتوجيه أصابع الاتهام إليهم، نحن الذين نظن أننا نفهم هذه الكلمات.

ليس من السهل أن نفهم بأن الحقيقة الأساسية للإنسان، التي تجعله إنسانًا، لا تكمن في الإخذ، بل في العطاء، أن يعطي ذاته. باختصار، الله محبة، وبالتالي فهو «خادم». خادم لحياتنا، لما يجعلنا نعيش، لا للأطماع والشهوات التي تميتنا (انظر الصلاة السيئة التي تحدث عنها في القراءة الثانية). وبما أن الكلمات بقيت غير مفهومة للتلاميذ، يحدثهم يسوع عن الطفل. لنضع جانباً عاطفتنا التي يمكن أن تثيرها شخصية الطفل والطفل الذي يتم معانقته.

في الواقع، الطفل هنا هو صورة الإنسان المحروم من السلطة، من القدرة، الشخص الذي يحتاج إلى الآخرين للبقاء على قيد الحياة، الشخص البعيد عن أن يكون «الأكبر». وها هو في وسط التلاميذ، في المركز. هو الذي لم يُحسب أصبح الأهم. ومن يقبل باسم المسيح، الأخير، الضعيف، الذي لا يثير حسدًا ولا غيرة، يقبل الله نفسه، الذي أسلم نفسه للبشر، وجعل نفسه الأخير وخادمًا للجميع.

SHARE