موعظة يوم الأحد 29 أيلول 2024. موعظة الأحد السادس والعشرين من الزمن العادي
عدد 11، 25 – 29 يع 5، 1 – 6 مر 9، 38 – 48
«في ذلِكَ الزَّمان: قالَ يوحَنَّا لِيسُوع: «يا مُعَلِّم، رَأَينا رجُلاً يَطرُدُ الشَّياطينَ بِاسمِكَ، فأَرَدْنا أَن نَمنَعَه لأَنَّه لا يَتبَعُنا».
فقالَ يسوع: «لا تَمنَعوه، فما مِن أَحدٍ يُجْرِي مُعْجِزَةً بِاسْمي يَستَطيعُ بَعدَها أَن يُسيءَ القَوْلَ فيَّ. ومَن لم يَكُنْ علَينا كانَ مَعَنا. ومَن سقاكُم كَأسَ ماءٍ على أَنَّكم لِلمَسيح، فالحَقَّ أَقولُ لكم إِنَّ أَجرَه لَن يَضيع». ومَن كانَ حَجَرَ عَثرَةٍ لِهؤلاءِ الصِّغارِ المؤمِنين، فأَولى بِه أَن تُعَلَّقَ الرَّحَى في عُنُقِه ويُلقى في البَحْر فإِذا كانَت يدُكَ سَبَبَ عَثرَةٍ لَكَ فاقطَعْها، فَلأَن تَدخُلَ الحَياةَ وأَنت أَقطَعُ اليد خَيرٌ لَكَ مِن أَن تكونَ لَكَ يَدانِ وتَذهَبَ إِلى جَهَنَّم، إِلى نارٍ لا تُطفَأ. وإِذا كانَت رِجْلُكَ سَبَبَ عَثرَةٍ لَكَ فاقطَعْها، فَلَأَن تَدخُلَ الحيَاةَ وأَنتَ أَقطَعُ الرِّجل خَيرٌ لَكَ مِن أَن تكونَ لَكَ رِجْلانِ وتُلْقى في جَهَنَّم.
وإِذا كانَت عَينُكَ سَبَبَ عَثرَةٍ لَكَ، فَاقلَعْها؛ فَلأَن تَدخُلَ مَلَكوتَ اللهِ وأَنتَ أَعوَر، خَيرٌ لَكَ مِن أَن تكونَ لَكَ عَينان، وتُلْقى في جَهَنَّم، حَيثُ لا يَموتُ دُودُهم ولا تُطفَأُ النَّار».
الموعظة
الروح يحلّ على كل جسد. أي ليس لنا حصرية ولا ملكية الروح. في القراءة الأولى ألداد وميداد لم يكونوا في الخيمة عندما حلّ الروح على الحاضرين من الشيوخ، لكن الروح حلّ عليهم بطريقته. وفي إنجيل اليوم لم يحكم يسوع على الذين «يطردون الأرواح الشريرة»، مع أنهم ليسوا من التلاميذ. لا شك أنهم يقومون بذلك باسم يسوع دون علمهم. فلنتجرأ ولنذهب إلى الأبعد: يمكن التصرف بالروح وفي الروح دون معرفة، وحتى دون الإرادة في أن ننسب ذلك إليه.
هناك من حولنا، ونحن نختبر ذلك بكثرة وبقوة اليوم، من يسعون لنجدة ومساعدة الآخرين، وحدهم أو ضمن منظمة تعمل في هذا المجال. في يوم ما سيسمعون يسوع يقول لهم: «لي أنا فعلتموه»، وأكثر: «لقد قمتم به باسمي». في الواقع لا وجود لخير، لتصرف إنساني بالفعل، إلاَّ وأصله في الله، المصدر الوحيد لوجودنا، والله كله في المسيح. فلنميز حضور وعمل الله في كل الذين يهتمون بالفقراء، والذين لا سكن لديهم، والمبعدين، وضحايا كل أشكال العنف وعدم العدالة.
ولكن في هذه الحالة ما الفائدة من الانتماء للمسيح؟ لا بد من وجود شعب يعلن إلى العالم بأنه في الحب، وفي الحب وحده، الحب الذي يذهب حتى بذل الذات، توجد حقيقة الإنسان. فالموضوع أكبر بكثير من مجرد كرم أفراد، أو مجرد طبع إنما «احتلال ملكوت الله للعالم» إن صح التعبير. فالأفضل ممكن أن يصبح الأسواء. أن يكون لنا يدين أمر جيد، أن نكون كتعان أمر سيء بالتأكيد.
ولكن اليد قد تُفتح لتعطي أو تنغلق لتضرب، يمكن للأرجل أن تقودنا إلى مكان القتل، أو نحو أشخاص لنساعدهم. «ما أجمل أقدام المبشرين» يقول بولس الرسول وهو يستشهد بأشعيا النبي (رو 10، 15). فلا اليد ولا الرجل ولا العين هم المسؤولين عن طريقة استعمالنا لهم، وهذا ينطبق على كل ما نملكه، جسدنا وروحنا وممتلكاتنا. فماذا يريد يسوع أن يقول لنا بدعوته لنا لقطع اليد إذا كانت سبب عثرة؟
حتماً من المفضل فقدان كل شيء من أن نضع ما يعطينا إياه الله في خدمة سحق القريب، لأن هذا هو الشر، والسقوط. رسالة يعقوب التي سمعناها تنيرنا بخصوص هذا الأمر. إنها تساعدنا لنفهم بأن تجاهل أو محو شقاء الآخرين من حياتنا هو بمثابة عملية قتل. فمن الأفضل فقدان هذه العين من اغلاقها حتى لا نرى ما يمكن أن يبلبل راحتنا. بالطبع، إنجيل اليوم كُتب بلغة الأمثال وحتى المبالغة. ويسوع يريد أن يقول لنا بأن ما من شيء نملكه يعادل ومن بعيد، ما سيعطينا إياه الله.
فخير لنا أن نفقد كل شيء من أن نفقد هذه العطية. ويسوع نفسه ستسمر يديه ورجليه، ولم يعودوا قيد الاستعمال. أعينه أُغلقت. كل ذلك لأن قلبه مفتوح لنا. يسوع فقد كل شيء، ومع ذلك ما من شيء كان بالنسبة له سبب عثرة أو سبب سقوط. فقد كل شيء مجاناً، وهنا يمكننا أن نكتشف حب الله لنا، ذلك الحب بدون سبب. «نزل إلى الجحيم» نقول في قانون الإيمان. هذا يقودنا لطرح سؤال جهنم الذي يتحدث عنه الإنجيل. نصوص اليوم تتحدث عن موضوعين، خطين يعبرون الأناجيل.
من جهة، تتحدث عن خلاص شامل لا يدع أحداً في الخارج، ومن جهة أخرى، تتحدث عن حكم، فرز يفصل بين الأبرار والخطأة. كيف يمكننا التوفيق بينهما؟ شخصياً أقرأ هذه النصوص على ضوء متى حيث يقول يسوع: «لأَن يَمُرَّ الجَملُ مِن ثَقْبِ الإِبرَةِ أَيسَرُ مِن أَن يَدخُلَ الغَنِيُّ مَلكوتَ الله» (19، 23 – 26) هنا يمكننا التفكير في أغنياء نص رسالة يعقوب التي سمعناها. «من تراه يقدر أن يخلص؟». يسأل التلاميذ يسوع. جواب يسوع «أَمَّا النَّاسُ فهذا شَيءٌ يُعجِزُهم، وأَمَّا اللهُ فإِنَّه على كُلِّ شيءٍ قَدير».
هذا يعني أنه في حال نظرنا من جهة الإنسان، من جهة مسار حياته، ونتائج اختياراته، من المستحيل عليه أن يشارك في حياة الله. فالملكوت مغلق عنه. ولكن الله لا يدعه للمصير الذي اختاره. فما هو مستحيل، إذا اعتبرنا تصرفاتنا الإنسانية، يصبح ممكناً بعمل الله. وصليب المسيح يعني أن الله يلتحق بنا حيث وضعنا أنفسنا لكي ينتزعنا من جهنمنا. فهل هذا يعني أنه نظراً لهذا الضمان يمكننا القيام بأي شيء؟ حتماً لا! لكن اختيارنا للمسيح يعود لحريتنا، ويجب أن يكون كذلك لكي نكون «صورة الله».