موعظة يوم الأحد 13 أيلول 2024. موعظة الأحد الثامن والعشرين من الزمن العادي
حك 7، 7 – 11 عب 4، 12 – 13 مر 10، 17 – 30
«وبَينَما هو خارِجٌ إِلى الطَّريق، أَسرَعَ إِليه رَجُلٌ فجَثا له وسأَلَه: أَيُّها المُعَلِّمُ الصَّالح، ماذا أَعمَلُ لأَرِثَ الحَياةَ الأَبَدِيَّة ؟ فقالَ له يسوع: لِمَ تَدْعوني صالِحاً؟ لا صالِحَ إِلاَّ اللهُ وَحدَه. أَنتَ تَعرِفُ الوَصايا: لا تَقتُلْ، لا تَزْنِ، لا تَسرِقْ، لا تَشهَدْ بِالزُّور، لا تَظْلِمْ، أَكْرِمْ أَباكَ وأُمَّكَ. فقالَ له: يا مُعلِّم هذا كُلُّه حَفِظْتُه مُنذُ صِباي. فحَدَّقَ إِليهِ يسوع فأَحبَّه فقالَ له: واحِدَةٌ تَنقُصُكَ: اِذْهَبْ فَبعْ ما تَملِك وأَعطِهِ لِلفُقَراء، فَيَكونَ لَكَ كَنزٌ في السَّماء، وتَعالَ فَاتَبعْني. فاغتَمَّ لِهذا الكَلامِ وانصَرَفَ حَزيناً، لأَنَّه كانَ ذا مالٍ كثير. فأَجالَ يسوعُ طَرْفَه وقالَ لِتَلاميذِه: ما أَعسَرَ دُخولَ مَلَكوتِ اللهِ عَلى ذَوي المال. فدَهِشَ تَلاميذُه لِكَلامِه فأَعادَ يسوعُ لَهمُ الكَلامَ قال: يا بَنِيَّ، ما أَعسَرَ دُخولَ مَلَكوتِ الله! لأَن يَمُرَّ الجَمَلُ مِن ثَقْبِ الإِبرَة أَيسَرُ مِن أَن يَدخُلَ الغَنِيُّ مَلكوتَ الله. فاشتَدَّ دَهَشُهُم وقالَ بَعضُهم لِبَعض: فَمَن يَقدِرُ أَن يَخلُص؟ فحَدَّقَ إِلَيهِم يسوعُ وقال: هذا شَيءٌ يُعجِزُ النَّاسَ وَلا يُعجِزُ الله، فإِنَّ اللهَ على كُلِّ شَيءٍ قَدير. وأَخَذَ بُطرُسُ يقولُ له: ها قد تَركْنا نَحنُ كُلَّ شَيءٍ وتَبِعناكَ. فقالَ يسوع: الحَقَّ أَقولُ لَكم: ما مِن أَحَدٍ تَرَكَ بَيتاً أَو إِخوَةً أَو أَخَواتٍ أَو أُمَّا أَو أَباً أَو بَنينَ أَو حُقولاً مِن أَجْلي وأَجْلِ البِشارَة إِلاَّ نالَ الآنَ في هذهِ الدُّنْيا مِائةَ ضِعْفٍ مِنَ البُيوتِ والإِخوَةِ والأَخَواتِ والأُمَّهاتِ والبَنينَ والحُقولِ مع الاضطِهادات، ونالَ في الآخِرَةِ الحَياةَ الأَبَدِيَّة».
الموعظة
عندما كان البابا يوحنا بولس الثاني يتوجه للشباب، كان يحب بشكل خاص التعليق على صفحتين من الإنجيل: الصيد العجائبي، بحسب الإنجيلي لوقا ــــ سر في العمق، لا تخافوا! ــــ ولقاء يسوع مع «الشاب الغني». إنجيل متى هو الذي يحدد أنه «شاب». مرقس لا يحدد. في الحقيقة، هذا النص، بلا شك، له علاقة بالشباب، دعنا نقول بالولادة، بالجرأة للانطلاق في الحياة، لكن ما يقوله ينطبق أيضًا على جميع الأعمار.
جميعنا، مهما كانت المرحلة التي نحن فيها، يدعونا يسوع إلى التخلي عن المرساة والانطلاق في الحياة. في اللحظة الحرجة التي نرغب فيها، مترددين، في «الذهاب إلى هناك»، واتخاذ خطوة للمضي قدمًا، فمن المؤكد أن يسوع ينظر إلينا باهتمام خاص: «فنظر إليه يسوع، وأحبه». ما يحدث في قلب هذا الشاب في هذه اللحظة هو أمر حاسم، وسيضع يسوع كل قلبه في تشجيعه.
إذن، رجل يركض ويرمي بنفسه عند قدمي يسوع قائلاً: «أيها المعلم الصالح، ماذا أعمل لأرث الحياة الأبدية؟». من الواضح أن يسوع تأثر، لأنه أصغى على الفور: «لماذا تدعوني صالحاً؟» مجاملة بسيطة؟ حتما لا! إن كنتم تتوقعون طريقًا إلى «الحياة الأبدية»، علينا التوقف على هذه الكلمة القاطعة التي تذهب «إلى ملتقى النفس بالروح» كما تقول القراءة الثانية. «الله وحده صالح»، هذه هي الحقيقة الأولى... ويسوع سيقود هذا الشاب إلى أعماق نفسه، حيث صلاح الله جميل ومتطلب. هل تريد حقًا هذه «الحياة الأبدية» في أعماقك؟
سيُظهر النص لاحقاً أنه لم يكن يريدها حقًا، ولم يكن ناضجًا لذلك. كان يعتقد أنه يريدها، ويريدها بشدة، لكنه كان مخطئًا بشأنها. لقد تحدث عن الحياة الأبدية باعتبارها «ميراثًا» يجب اقتناؤه، فمن هو الوارث. لقد رأى ذلك كشيء إضافي، كشيء أكثر يمكن إضافته لتتويج وجوده. لقد آمن أن عيش حياة صالحة وصادقة، وعيش شريعة الله، يؤدي مباشرة إلى الحياة الأبدية. بل إنه كان على استعداد لإضافة المزيد، والقيام بشكل أفضل «ماذا عليَّ أن أفعل؟»، مع فكرة أنه في نهاية العمل، في نهاية القانون، في نهاية المحبة نفسها، الحياة الأبدية تأتي طبيعياً.
لقد اعتقد ذلك، على ما يبدو. كما نعتقد أيضًا، ربما. وهذا الأمر بحد ذاته ليس بهذا السوء؛ وهذا يستحق نظرة محبة جميلة من يسوع، مع ابتسامة طيبة مليئة بالثقة. لكن: «العيش» حقًا هو شيء آخر. لقد شرح البابا يوحنا بولس الثاني ذلك بسهولة: إن عيش حياة جيدة، وحياة أخلاقية ودينية جميلة، أمر رائع؛ لكن «الخطوة التالية»، كما قال، الخطوة التي تغير كل شيء، أمر آخر. لأنها ليست مسألة بذل المزيد من الجهد، ولا حتى مسألة القيام بعمل أفضل، إنها مسألة القيام بكل شيء بطريقة مختلفة.
يتعلق الأمر بتغيير حياتك من الداخل ــــ إنها اهتداء حقيقي ــــ لوضعها بالكامل تحت نظام العطاء. «اذهب وبع كل شيء وأعطه للفقراء!». إن إعطاء كل ما لديك أليس أمر مبالغ فيه؟ فلنطمئن أنفسنا، بما أن الأمر مستحيل. يقول يسوع: «هذا شيء يُعجز الناس» ولكن هذا لا يُعجز الله، فالله على كل شيء قدير وهذا هو تعريف الله، وفي هذا هو «الصالح الوحيد»؛ الله يملك كل شيء، ويعطي نفسه بالكامل ولا يحتفظ بشيء لنفسه.
فالسؤال الذي يطرح نفسه بالنسبة للرجل الغني هو: هل تريد حقًا أن تطلب من الله نعمة الدخول إلى هذه الحياة؟ هل ستفضل حياة الفقراء على حياتك الخاصة، وتدعو الله أن يحدث هذا التحول فيك؟ يتطلب الأمر ثقة كبيرة في صلاح الله لكي يجرؤ المرء على تخيل حياته من هذا المنظور، حيث لن نعود بأي شيء لأنفسنا، بل حيث سيتم توجيه كل ما نمتلكه نحو الآخرين، من أجل خير الآخرين والفقراء! في الحقيقة، يسوع وحده لديه مثل هذه الثقة في صلاح الله، وحده يسوع سيعيش هكذا حتى الصليب.
ولهذا السبب يصبح السؤال: هل أنت على استعداد لاتباع يسوع، إلى حيث يريد؟ على طريق الفقراء بالطريقة التي تناسبه؟ وفي نهاية النص يغادر رجلنا حزينا. لم يتوقع أن الحديث عن «الحياة الأبدية» سيتطلب تحولًا مطلقًا، تحولًا في الله، عمل إيمان هائل في صلاح الله. فيعود إلى حياته الناجحة، يعود إلى «أبيه وأمه» اللذين يكرمهما، يعود إلى شبابه الذي كان جميلاً أو الذي لا يزال كذلك. لم يحن الوقت ليترك «الإنسان القديم» ليولد على «الإنسان الجديد».
ولكن، حزنه هو بلا شك نوع من الانقباض الذي يعكس وعيًا وبداية اهتداء. يا رب، ما أثقل الثقل في داخلي الذي يمنعني من أن أكون معبراً للحياة! وأتصور أن يسوع، عندما رآه يغادر، لم يتوقف عن محبته بنظرة طيبة وابتسامة لطيفة.